خلال الأيام القليلة المقبلة سيقوم عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد, بجولات خارجية لاستطلاع آراء المصريين في الخارج حول البنود التي سيتضمنها دستور مصر بعد الثورة. تأتي هذه الخطوة بعد أن عقدت التأسيسية جلسة استماع مع عدد من المصريين في الخارج وأصحاب الرأي عرضت فيها أول نتاج عملها متمثلا في مسودة مطبوعة لبابالحقوق والحريات والواجبات العامة وكنت من الحريصين علي المتابعة والتفاعل من الداخل لسببين, وهما اتاحة الفرصة أمام خبراء وممثلين لشرائح كبيرة من المجتمع التعبير عن آرائهم وتخوفاتهم من خلال نصوص محددة يطلبون تعديلها أو يقترحون تضمينها لمسودة مشروع الدستور, وفي الوقت نفسه اختبار آليات عمل تأسيسية الدستور بعد الجدل الساخن حولها منذ تشكيلها. وبالفعل تمت الاستجابة سريعا وتوجه وفد من الخبراء والنشطاء تحت مظلة جماعة الضمير والتوعية ائتلاف الأصوات العائمة لحضور جلسة الاستماع التي تم خلالها تقديم مقترحات محددة وحيثيات تلك المقترحات لتأسيسية الدستور بمقرها, بمجلس الشوري. المحور الأساسي للنقاش كان المصريين في الخارج وكان من الملاحظ أنه لا ذكر لهم تماما في المسودة التي قدمها رئيس لجنة الحريات بالتأسيسية د. محمد البلتاجي بباب الحريات, وكان الاتجاه لدي وزملائي والحضور حول التوصل لصياغة تضمن للمصريين بالخارج الكرامة الإنسانية وتحفظ لهم حقوقهم بما في ذلك اقتراح تمثليهم نيابيا في مجلس النواب (وفق التسمية الجديدة لمجلس الشعب) بالتعيين أو الانتخاب, كما اقترح الكثيرون ضرورة فتح المجال أمام كل مصري للترشح حتي لمنصب رئاسة الجمهورية. في الجلسة- التاريخية بالطبع- قدمت للدكتور البلتاجي اقتراحات مكتوبة منسوبة لرئيس الجالية المصرية في فرنسا م. حمدي الغباشي, والطبيب العالمي المقيم في لندن حازم الرفاعي, وآخرين مقيمين في دول أجنبية وعربية شقيقة. لكن ما شددت عليه في المقابل ضرورة الالتفات إلي ثغرة ونقطة ضعف سيستغلها من يقيمون في (دولة) لن يحضر منها أحد لمحاورة التأسيسية, ولن ترسل التأسيسية لهم من يحاورهم, وعدد منهم يسيئون للأمن القومي المصري أو علي الأقل يسببون له صداعا دائما, فسوف ينتظم هؤلاء في صف المطالبين بتطبيق المكتسبات الجديدة عليهم, وسيتيح لهم القانون انتزاعها بكل سهولة, ولذا يجب سد هذه الثغرة من خلال الدستور وليس القوانين. لم اسمي هذه الدولة وهي دولة وحيدة في العالم قامت علي الاحتلال والعنصرية, ومع ذلك ادرك غالبية الحضور من المقصود, ومن ينطبق عليه الحديث, ومن لم يكن متأكدا أوضح لهم رئيس الجلسة د. البلتاجي ووزير المجالس النيابية د. محمد محسوب ود. جمال جبريل الذين شاركوا في إدارة الجلسة, ما هي الجهة المقصودة. ما أطرحه للنقاش في هذه السطور هو أنه في مقابل الحقوق والمكتسبات المقررة سلفا والتي نؤيد أن تعزز ويزاد عليها في مشروع الدستور هو اقتراحي تضمين مسودة الدستور البند التالي: يحرم حاملو الجنسية والمقيمون إقامة دائمة في دولة تحتل أراضي دول عربية أو تشن أعمالا عدائية أو تمس الأمن القومي- حال عودتهم- من ممارسة حقوقهم السياسية, كما تفرض القوانين إخراجهم من مبدأ تكافؤ الفرص للتوظيف في الأجهزة والإدارات الحساسة والحيوية. أو أي صياغة أخري تضمن ألا ينطبق النص إلا علي دولة واحدة يعلمها الجميع. ليس في هذا أي افتئات علي أحد لأنه يقرر مصيره مسبقا, ولن يتم مصادرة أمواله أو سجنه دون محاكمة أو دليل, لكن ليس من العدل أن يتساوي مصري مقيم في دولة شقيقة أو صديقة بمصري يقيم في دولة تقوم علي الاحتلال والعنصرية وتشير الدلائل إلي أن الصراع الثقافي والاقتصادي والعلمي والإعلامي والقانوني علي الأقل سيستمر معها وسيتصاعد في السنوات المقبلة, ومواقفها في أزمة المياه في حوض النيل واستغلالها نفوذها لبلورة مواقف عدائية تجاه مصر خير دليل علي تربصها بمصر وبالتالي خطورة من يقيمون بها إقامة دائمة علي الأمن القومي المصري بما يتعارض مع تغلغلهم في دوائر صنع القرار والمراكز الحساسة في الدولة. من ناحية أخري, إذا حدث العكس فجأة وقررت أن تجنح للسلام الحقيقي فقد خرجت من أن ينطبق علي المصريين المقيمين بها هذا البند عليهم, ولم تعد هناك أدني مشكلة, كما أن هذا البند المقترح لا يمثل عوائق سياسية نظرا لأننا نتعامل مع مواطنينا كيفما نري ووفقا لسلوكهم, ونقدر ونحمي أمننا القومي بالصورة التي نراها, وعلي من يطالبنا ب التطبيع فإن هذا هو التفسير المنطقي للتطبيع فنحن نتعامل بشكل طبيعي دون تسمية مع ما يهدد أمننا القومي ويحيك المؤامرات ضدنا, بل ويستهدف أراضينا, بنفس الدرجة. الخلاصة في هذا الإطار هي أن إقرار بنود دستورية تحمي كرامة المصريين في الخارج وتضمن حقوقهم السياسية والرقابية ستعلو علي القوانين ولذا نقترح ايجاد حالة من التوازن بإدراج نص دستوري يضمن عدم اختراق الأمن القومي من المقيمين بصورة غير شرعية في دولة معادية ويسهل تجنيدهم هناك أكثر من غيرهم, ويصد الخطر بشكل فعال. إن الدستوريسمو لانه القانون الأعلي في الدولة ولا يعلوه قانون آخر, ولذا يتوجب علينا أن نصوغ بنوده بما يراعي كل جوانب المشهد. المزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور