فى السادس من أكتوبر 1973 عبرنا فوق مياه القناة، ذلك المانع المنيع، وحطمنا خط بارليف، ذلك الساتر الحصين، ورفعنا علم مصر الغالى فوق تراب سيناء الحبيبة .. هزمنا الجيش الذى لا يقهر، بحسب الدعاية والادعاءات.. وحررنا الحدود والجدود، فى ملحمة عسكرية وبطولية اسطورية، شهد لها العدو قبل الصديق، وسطرها التاريخ بأحرف من نور، ودرستها المعاهد العسكرية الكبرى .. ومازالت الملحمة حية لم تبح بكل أسرارها بعد. وكان وراء العبور شعب رفض الهزيمة المفاجئة والمدوية لأسباب معروفة وغير معروفة، وقيادة نزلت على رغبة الشعب فى عدم الاستلام والاستمرار، حتى دارت حرب الاستنزاف المجيدة وبناء حائط الصواريخ وإعادة تسليح الجيش وتأهيل الضباط والجنود، والقيام بضربات موجعة للعدو خلف خطوطه وفى ميناء إيلات بنسف مدمراته الرأسية، واصطياد الحفار العملاق فى عرض البحر، انتقاماً للأطفال ضحايا الهجوم الغادر على مدرسة بحر البقر .. وعمليات لا حصر لها وبطولات لا نظير لها. وفى الخامس من مايو 2019، وبعد 46 عاماً من النصر المبين والعبور الأول افتتح الرئيس السيسى أربعة أنفاق تربط الإسماعيلية وبورسعيد بسيناء تحت مياه قناتى السويس الأولى والجديدة، بما يمثل العبور الثانى، العبور إلى التعمير، إنجازات إعجازية لا تحصى ولا تعد. إن هذه الانفاق التى شقت وبنيت وشيدت بسواعد مصرية وعقول مصرية وإرادة مصرية، لا تقل أهمية عن شق قناة السويس الجديدة من حيث توقير الوقت، وقت عبور السفن عبر القناتين من الشرق إلى الغرب والعكس صحيح، وبالتالى جلب مزيد من الإيرادات بالعملة الصعبة، وهو ما سيحدث بعد افتتاح الانفاق الأربعة، توفير الوقت، وقت عبور المركبات والمعدات والبشر، من الشرق إلى الغرب والعكس صحيح أيضاً، وبالتالى جذب المزيد من الاستثمارات والمشروعات والمكاسب المادية وإتاحة فرص عمل متنوعة وخلق مجتمعات عمرانية جديدة .. وفضلاً عن ذلك كله، وهو الأهم، تعمير وتنمية سيناء بالكامل، حتى تصبح قطعة متميزة من أرض الوطن قادرة على حماية مكاسبها وسكانها من أى إرهاب مدفوع ومأجور وخائن كذلك. إن الأنفاق الأربعة، وفى الطريق افتتاح النفق الخامس تحت مياه القناة من السويس إلى سيناء والعكس، تعد فى حقيقة الأمر عبوراً ثانياً إلى التعمير والتنمية والإفادة من صحراء ظلت رمالاً مهجورة وخالية بعمر السنين وعمق التاريخ، حتى جاءت الإرادة الصادقة والعقول الناضجة والقلوب الحانية، تفكر وتخطط وتقرر أن تبنى مصر جديدة أبية وقوية وقادرة على أن تتقدم الدول وأن تكون لها مكانة مرموقة فى عالم يتسابق ويتصارع من أجل البقاء والصمود والتفوق.. إننا ننظر دائماً إلى الأمام ونعيش فى مصر التى تعيش فينا، أم الدنيا بحق، وستصبح باسم الحق كل الدنيا. لمزيد من مقالات فتحى العشرى