منذ 46 عاما وبالتحديد سنة 1973 في العاشر من رمضان الساعة الثانية ظهرا، كان العبور العظيم للمصريين لقناة السويس، لاسترداد الأرض والكرامة، وتطهير سيناء من دنس الأعداء المحتلين. عبر جنودنا البواسل القناة بالقوارب المطاطية وفوق الدبابات عبر الكباري العائمة، مخترقين خط بارليف المنيع الذي شقته خراطيم المياه وأذابته في ساعات معدودات، وارتوت أرض سيناء بدماء شهدائنا الزكية. وبالأمس القريب وتحديداً يوم الأحد الماضي في ليلة الأول من رمضان الساعة الثانية ظهراً كان عبورنا الأعظم مع باني مصر الحديثة الرئيس عبدالفتاح السيسي تحت مياه قناة السويس، كنت ضمن وفد كبير ضم وزراء ومسئولين وسفراء وعددا من الملحقين العسكريين »عربا وأجانب» وإعلاميين، اجتزنا القناة القديمة والجديدة البالغ عرضهما 5.5 كم في 6 دقائق عبر أنفاق حفرها المصريون بعرقهم ليمدوا شريانا جديداً للحياة في جسد سيناء، نفقان من خمسة أنفاق ستغير واقع الحياة في سيناء، التي ظلت عشرات السنين بعد العبور، وبعد التحرير، صحراء بلا تعمير حقيقي، وكان العائق الأكبر في تحقيق حلم تنميتها هو صعوبة الوصول والعودة منها، وظلت سيناء منزوعة التعمير الكامل وبلا مشروعات صناعية وزراعية وسكنية كبري. كان عبور البضائع والسلع إلي سيناء يستغرق أسبوعاً أو أكثر، وكانت سيارات نقل البضائع تتكدس بالأيام والليالي، وسيارات نقل البشر تستغرق ساعات طويلة في العبور، كل ذلك أثر بشكل مباشر علي اكتمال الحياة في سيناء، وكانت تبدو وكأن الحياة متوقفة. وفي الوقت الذي يحارب أبطال جيشنا وشرطتنا البواسل »الإرهابيين» بالسلاح، ويطاردون القتلة والمجرمين في سهول وجبال سيناء، كانت الدولة تخطط وتنفذ المشروعات التي تحارب بها »الإرهاب» بالتنمية والتعمير والبناء. رؤية الرئيس السيسي كانت واضحة وثاقبة ومرتبة ومحددة المعالم منذ اليوم الأول لتوليه مسئولية حكم مصر، وهي بناء مصر الحديثة، لتكون »أد الدنيا». وكانت البداية حفر القناة الجديدة لتسهيل حركة مرور السفن والعبًّارات من الشمال للجنوب والعكس، وتقليل زمن الرحلات.. وجذب مزيد من الزبائن لاستخدام هذا الممر المائي العالمي، بهدف زيادة دخل مصر من العملة الأجنبية باعتبار القناة هي مصدر رئيسي للعملة الصعبة للبلد، وبالتوازي كان إنشاء مناطق صناعية واستثمارية حول القناة في بورسعيد والسويسوالإسماعيلية لجذب الاستثمارات الأجنبية باعتبارها منطقة متوسطة للعالم وتربط بين قارتين وبين ممرين بحريين هامين المتوسط والأحمر. وكان ضمن المخطط والرؤية المتكاملة حفر الأنفاق الخمسة لربط الوادي بسيناء، اثنين من الإسماعيلية، واثنين من بورسعيد، وواحد من السويس لاستخدامه في اتجاه واستخدام نفق أحمد حمدي في الاتجاه الآخر. نفقا الإسماعيلية تم تشغيلهما، وسيتم افتتاح الثلاثة الآخرين تباعا في القريب العاجل.
شركات المقاولات المصرية الوطنية وسواعد المصريين وعقول المصريين وبإشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة هي التي نفذت الأنفاق الخمسة، وباستخدام ماكينات حفر عملاقة اشترتها مصر، تم الإنجاز في زمن قياسي أبهر كل الدول والشركات العالمية المتابعة لهذا المشروع العملاق، من حيث الدقة المتناهية، والسرعة الفائقة، والتوقيت الذي كسر كل المعايير العالمية، فقد تم التنفيذ في وقت أقل بسنتين من المفروض. 800 مليار جنيه يتم ضخها في مشروعات تنمية محافظات القناة الخمس بورسعيد والسويسوالإسماعيلية في الغرب، وشمال وجنوب سيناء في الشرق، ما بين مدن جديدة، ومشروعات صناعية وزراعية وحرف وتحلية مياه وأنفاق.. كل ذلك يسير وفق رؤية واستراتيجية وخطة عمل وفي تناغم وتوازٍ في التنفيذ. ظني أن أنفاق القناة هي المشروع القومي الأعظم في مصر، فهو نموذج للكمال في الرؤية، والتفكير والتنفيذ، ولو كان تم تنفيذه من عشرات السنين، لتغير وجه الحياة في سيناء، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. هذه الأنفاق لن تكون مجرد معبر للحركة، ولكن ستصبح مزارا، ونموذجا في الهندسة والتنفيذ، فهي نتاج فكر، ورؤية رئيس وإرادة شعب، وإصرار وجلد وتضحية، فتمويل الأنفاق كان بأموال الشعب الذي تحمل قسوة الإصلاح لأنه يثق في إيجابية النتائج، وتنفيذ الأنفاق كان بسواعد رجال أبوا أن يرتاحوا قبل أن ينجزوا عملهم، وإشراف صارم ودقيق من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي لا تترك أي مساحة للخطأ أو التهاون.. ومتابعة رئيس يحب شعبه ويثق فيه شعبه.. فكما قال السيسي: الدول لا تبني بالشعارات والأحلام والأماني ولكن تبني بالعمل والجهد وسواعد أبنائها. الحمد لله الذي أنعم علي مصر برئيس يمتلك هذه الرؤية، والإرادة، ويدافع عن البلد وأبناء البلد. حفظ الله مصر، وشعبها وجيشها، وشرطتها ورئيسها. آخر كلمة بسم الله الرحمن الرحيم {ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } صدق الله العظيم سورة يوسف آية (99)