فى دير مواس بمحافظة المنيا، تصدى الثوار للانجليز وقاموا بقتل ثمانية ضباط خلال أحداث ثورة 1919، وأعقبها إعدام عدد من أبناء دير مواس من بينهم 6 من أسرة واحدة، على رأسهم قائدهم الدكتور خليل أبو زيد الذى تم إعدامه بسجن أسيوط، وأخفي الإنجليز جثمانه، وأرسلوا لاسرته متعلقاته الشخصية وملابسه فقط، وقد كان يدرس بلندن وحضر خصيصا لعقد الاجتماعات داخل قصر والده أبو زيد محمود عمدة القرية .. التقينا عددا من أسرة الزعيم بمنزله بدير مواس، ويقول الدكتور محمد عبد الهادى أبو زيد أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر وحفيد الزعيم إن عائلة أبو زيد قادت الثوار وقتلت 8 ضباط انجليز على رأسهم مستر (بوب) مفتش السجون وعدد من جنوده داخل القطار يوم 18 مارس، فاتخذت محافظة المنيا هذا اليوم «عيدًا قوميا» لها ، وقد وصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، أحداث دير مواس، بأنها كانت أشد حوادث الثورة عنفا فى مصر كلها، ولم يحدث فى تاريخ الإمبراطورية البريطانية أن تصدى مدنيون لعسكريين كما حدث فى دير مواس . وأضاف الدكتور محمد، أن جذور العائلة ترجع لقبيلة السوالم، التى جاءت من شبه الجزيرة العربية وأقام بعضها فى سوهاج وبعضها فى روض الفرج بالقاهرة، وتمركز أغلبها بمدينة دير مواس . عرف العمدة أبو زيد ببساطته وذكائه الفطري، خصص 29 فدانا من املاكه البالغة 560 فدانا للإنفاق على مضيفة العائلة الملحقة بقصره، وكان حريصا على تعليم أبنائه وأولهم الدكتور خليل، الذى عاد بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة لندن، قبل قيام ثورة 1919 بأربعين يوما، وبدأ يجتمع بالشباب ويشغلهم بالقضية الوطنية وبالحرية فى قصر والده، ويوم الثورة قاد مسيرة لرفض الاحتلال، اتجهت الى محطة السكك الحديدية، على ان يلقى خطبة هناك على الجماهير، وأثناء ذلك علم أن مستر «بوب» مفتش السجون الانجليزى قادم إلى المحطة فى قطار، فتم الاتفاق على إيقاف القطار بالقوة، ليلقى خليل كلمة أمامه يرفض فيها الاحتلال باللغة الانجليزية، إلا أن الموقف تحول إلى حادث عنيف بعد ان بادر الجنود الإنجليز بإطلاق الرصاص على الثوار، وبالتالى تصاعد الموقف، وتم الهجوم على القطار وقتل كل من فيه من الإنجليز. و نادت مآذن «دير مواس» على كل الأهالى بأن يجتمعوا فى مسجد أولاد محمود احد أبناء عائلة أبوزيد، وتم إحضار مصحف وإنجيل، فالمسلم يقسم على المصحف والمسيحى يقسم على الإنجيل، على عدم الخيانة والتماسك ضد الإنجليز ، ولكن حدثت الخيانة من أحد الأشخاص لأسباب تتعلق بالتنافس على منصب العمدة، وأبلغ الإنجليز الذين قاموا بمحاصرة قرية دير مواس، ودخل قائدهم القرية وحاوره الدكتور خليل وأقنعه بأن يُطلعه على قائمة الأسماء المطلوبة حتى يدله عليهم، فقرأ القائمة عدة مرات حتى حفظ الأسماء المطلوبة، وقام بخداع القائد الانجليزي، بان نصحه ان يأتى ليلا بحجة رجوع الأهالى من الحقول، واقتنع بكلام خليل وشكره، وفى الليل دخل الإنجليز القرية واكتشفوا الخدعة، وأن خليل على رأس قائمة المطلوبين، وقام بتهريبهم، فغضب الإنجليز وحاصروا القرية واعتدوا على النساء وحرقوا المنازل، وأشاع الانجليز أن أبوزيد الذى تم القبض عليه مصاب ويحتاج لإجراء عملية، وإذا لم يسلم أبناؤه أنفسهم فسيتركونه للموت، فعاد أبناؤه ومعهم كل الثوار وسلموا أنفسهم، وتم تقديم الثوار للمحاكمة العسكرية . وقال عبد الهادي، إن العمدة أبوزيد استعان بتوفيق بك دوس «محام مسيحى» للدفاع عن الثوار تولى وزارة المواصلات فى الثلاثينيات من القرن الماضى واصدرت المحكمة حكمها بإعدام 93 رجلا، منهم ستة من عائلة أبوزيد، فى مقدمتهم الدكتور خليل، وأمام تلك الأحكام القاسية، توصل أبوزيد بك إلى مسئولين بريطانيين كبار، لتخفيف الحكم، ووصل إلى القصر والحاكم الإنجليزي، وقدم له هدية، ونجح فى تخفيف الحكم على اولاده باستثناء الدكتور خليل، لم يهدأ أبوزيد ووصل إلى الحاكم الإنجليزى ورشاه بالمال الكثير، وأخذ منه ورقة بتوقيعه بالموافقة على تخفيف الحكم عن خليل من الإعدام شنقا إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وبالفعل أخذ ورقة القرار وسافر إلى أسيوط مقر سجن الثوار.. وصل أبوزيد بك إلى مقر السجن فى الثامنة صباحا، فدخل على المأمور وأخبره بأنه والد الدكتور خليل، فرد عليه المأمور (البقية فى حياتك.. خليل أعدم الساعة 6)، وحزن الناس، وتم صبغ المنازل ب «النيلة السوداء»، وذهب الجميع لتعزية أبوزيد الذى ظل صامتا. وطالب الدكتور محمد عبد الهادى أبو زيد فى نهاية كلامه، بإطلاق اسم الشهيد الدكتور خليل ابوزيد على أحد ميادين المنيا الجديدة تخليدا لذكراه، وإزالة التعديات التى وقعت على قصره . وأوضح اللواء منتصر ابوزيد مساعد اول وزير الداخلية الاسبق، أن جد الشهيد عمر ابوزيد كان من بين الثوار الذين حكم عليهم بالإعدام وتم تخفيف الحكم، حيث عوقب بالمؤبد. وقالت شيماء احمد على حفيدة الشهيد خليل أبوزيد، إن المرأة كان لها دور كبير خلال تلك الثورة، حيث كانت تحمى خروج الرجال المطلوبين لدى الاحتلال البريطانى بعد محاصرة القرية للقبض على الثوار، وطالب احفاد زعيم ثورة ديرمواس بحماية القصر من الهدم وازالة التعديات التى وقعت على المبنى الخارجى للقصر، حيث تم عمل سور من الخارج بالطوب الأبيض مما أدى تشويه المبنى الاثرى .