هل يكون لمشروع' اتحاد دول الخليج العربية' فرصة من النجاح؟ فمنذ أن اقترح الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر2011 الانتقال من مرحلة' التعاون' إلي مرحلة الاتحاد, لم يشهد الموضوع غير اجتماعات اللجنة المكلفة بدراسته والتي لم يعلن عن تفاصيلها, واجتماعات وزراء خارجية دول المجلس, وانعقاد القمة الخليجية التشاورية الرابعة عشر في مايو الماضي, التي انتهت إلي تأجيل البت في مشروع الاتحاد لحاجته لمزيد من الدراسة. والحقيقة أن الانتقال من صيغة المجلس إلي صيغة الاتحاد هو أحد الأهداف المنصوص عليها في النظام الأساسي للمجلس الخليجي منذ إنشائه, ولكن تجارب العمل الخليجي لا تدعو للإفراط في التفاؤل. فهناك عشرات المقترحات في تاريخ المجلس لم تجد حظها من التطبيق. وتضيف الظروف الراهنة التي يمر بها العالم العربي اعتبارات أخري تجعل طرح موضوع الاتحاد مفيدا ليس لضرورة تطبيقه, وإنما للحاجة إلي استهلاكه محليا في ظل أجواء القلق الإقليمي, وهو ما يضيف عاملا آخر لعدم الإفراط في التفاؤل. مع ذلك تكتسب الدعوة للاتحاد الخليجي أهميتها في ظل ثلاثة تحديات: التحدي الأول, الربيع العربي: ففي الدول التي نجحت ثوراتها وبدأت في إجراء تحولات ديمقراطية داخلية, مثل تونس ومصر وليبيا, أو تلك التي دخلت في وضع الاضطراب المزمن مثل اليمن وسوريا, هناك تحديات تواجه دول المجلس, هي تحديات الشرعية الديمقراطية الجديدة في الدول الثلاث الأولي, وتحديات احتمال تصدير العنف من الدولتين الأخيرتين. ومن خلال رصد تحركها إزاء الثورات العربية يمكن القول بأن دول المجلس أسهمت مع عوامل أخري- في دفع اتجاهات التغيير الثوري في المنطقة لتنتج في كل حالة ما يتوافق مع مصالحها, في اليمن( نصف ثورة نصف نظام سابق), في سورية( تمزق دولة واستمرار حالة اللانظام ودعم عسكري ومالي للثوار), وفي ليبيا( مشاركة عسكرية خليجية في التحالف الدولي واستمرار حالة اللادولة), وفي مصر( صراع داخلي طويل يدور لينتهي إلي نفس المربع بعد عام ونصف), هكذا أسهمت دول المجلس في وضع كوابح أمام الثورات وتعريضها للأعطال. التحدي الثاني, الفراغ الاستراتيجي: فقد هزت مشاهد الربيع العربي والموقف الأمريكي منها ثقة الكثيرين من قادة الخليج بالتحالف مع الولاياتالمتحدة, وتركت الانتقادات الأمريكية الرسمية للأوضاع في البحرين آثارا لدي صناع القرار في دول تري بعينيها مقر الأسطول الخامس في المملكة الصغيرة. إن ذلك ما دفع مفكرا خليجيا إلي الدعوة إلي إسقاط ما أسماه ب الأوهام الخليجية بشأن الحليف الأمريكي, وهو ما دعا مفكرا آخر للتوجس من استمرار قيمة النفط في العلاقات مع الولاياتالمتحدة. ويشير السياق العام إلي أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تعد تسلم ب' الاستثنائية الخليجية'. ومشروع الاتحاد من هذه الزاوية- هو أحد نتائج التحول في علاقة الولاياتالمتحدة بدول الخليج. التحدي الثالث, السيناريو الكابوس: وهو الخاص باحتمال أن تكون المنطقة علي موعد مع حرب جديدة بين الولاياتالمتحدةوإيران أو إسرائيل وإيران, وأن يتوسع نطاقها ومداها لتهدد دول المجلس, أو تندفع إيران لغزو إحدي دوله, أو تضرب القواعد العسكرية الأمريكية في هذه الدول, أو تقدم علي إغلاق مضيق هرمز. هذه التحديات جميعها تشير إلي أن الوقت الراهن أشبه ما يكون بلحظة تأسيس مجلس التعاون في مايو1981, وهو ما يجعل الدعوة للاتحاد مبررة ومشروعة ولها أسس واقعية. ولكن تحول بين دول المجلس وصيغة الاتحاد مجموعة من العوامل: فمفهوم' الاتحاد' يعني ما هو أكثر من' المجلس'. إن صيغة المجلس تناسب هيكلا' ستاتيكيا' يتناقش فيه الزعماء والقادة أوضاع بلدانهم, دون توجه محدد نحو علاقات أكثر كثافة, أو تنازلات سيادية لسلطات اتحادية عليا وهو ما يتناسب مع الأمزجة النفسية والسياسية للحكام, أما صيغة الاتحاد فإنها تعني التوجه نحو صيغة تسحب بساط الحكم والسيادة تدريجيا من تحت أقدام الأنظمة والدول لمصلحة هيئات ومؤسسات اتحادية أعلي. وأنظمة الخليج ليست بالأنظمة التي تسلم بذلك بسهولة; فهي إلي الآن لم تقدم تنازلات سياسية ذات شأن لبرلماناتها وشعوبها نحو الحكم الديمقراطي, فكيف تتنازل سياسيا لهيئات الاتحاد؟!