كلنا يعلم مدى أهمية وتأثير أجهزة الاعلام المختلفة وبالذات المسموعة والمرئية على المتلقين من أفراد الشعب، وكلنا يعلم أن تأثيرها يزداد أهمية وخطورة، حينما تكون هى المصدر الأساسى للمعلومات لدى المواطن خاصة إذا كانت نسبة الأمية تصل كما فى مجتمعنا إلى 40%. والحقيقة أن لدينا كما هائلا من الدراسات والبحوث عن دور الاعلام التنموى فى التنمية عموما والتنمية المستدامة بوجه خاص وهى كلها بحوث ودراسات قابلة للتطبيق ويمكن لصناع الاعلام عندنا الاستفادة منها لتطوير العمل الاعلامى باعتباره ليس مجرد وسيلة للترفيه بل باعتباره صانعا للتنوير والتقدم، لكن الحقيقة المؤسفة أنه على صعيد الواقع قد لانجد لهذه الدراسات أى صدى أو أى أثر فيما يقدمه الاعلام المصرى وبالذات فى القنوات التليفزيونية المختلفة أو فى المحطات الاذاعية!.وقد يرفض القائمون على صناعة وتوجيه الإعلام هذا الكلام محتجين بأن لدينا قنوات واذاعات متخصصة فى الثقافة والصحة والزراعة، كما أن لدينا قنوات واذاعات محلية موجهة لكل محافظة على حدة، وكل ذلك يقوم بالدور الاعلامى التوعوى فى مجالات الحياة والانتاج المختلفة بما يعبر وبما يتناسب مع مشكلات ومتطلبات هذه المنطقة أو تلك من مناطق الجمهورية، وهذا القطاع أو ذاك من القطاعات الخدمية. ولهؤلاء أقول: إن نسب الاستماع والمشاهدة لهذه الإذاعات والقنوات ضعيفة، وتكاد تكون معدومة اذا ماقورنت بمثيلتها من الإذاعات والقنوات الرئيسية، سواء كانت حكومية أو خاصة.! ولذلك فإن من الضرورى إعادة النظر بداية فى مدى جدوى استمرار هذه الاذاعات والقنوات الخدمية الموجهة لمعرفة مدى تأثيرها، فى القطاعات الجماهيرية الموجهة اليها، واذا ماثبت لنا كما قلت قلة تأثيرها وهذا هو المتوقع فينبغى العمل على التركيز على الاذاعات والقنوات الاخبارية والعامة لتوصيل الرسائل الاعلامية الموجهة لخدمة عملية التنمية فى بلدنا على كل المحاور والاتجاهات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو صحية أو زراعية أو ثقافية. والحقيقة أن هذه الاذاعات والقنوات العامة الحكومية والخاصة غارقة فى تقديم كل ماهو سطحى من البرامج حيث يغلب عليها تقديم البرامج الترفيهية والكوميدية السطحية التى لافائدة منها إلا إلهاء المشاهد وتضييع وقته دون الحرص على توجيه أى رسالة إيجابية مفيدة له!. وتحت تأثير مقولة المشاهد عايز كده والسوق الاعلانية الذى يدعم تقديم هذه البرامج هو الآخر عايز كده, نعيش مرحلة من أخطر مراحل التسطيح الثقافى وننشر ثقافة التخلف والكسل والبلادة والتكرار الممل لظهور نجوم الفن والرياضة كمذيعين ومحللين لقضايا لايعرفون عنها شيئا ولايصح أن يدلوا فيها برأى من قريب أو من بعيد! . وقد يسأل السائل هنا: ماالحل لهذه المعضلة، وكيف نخرج من هذا اللهو العبثى إلى وجود إعلام حقيقى يسهم فى التنوير والتقدم الذى نسعى اليه؟! إن بداية الحل يكمن فى إدراكنا واقتناعنا بمدى تفاهة وسطحية الرسالة الاعلامية المقدمة من اذاعاتنا وقنواتنا التليفزيونية الذى أصبح مجالا للرغى غير الهادف وللتربح من الدخلاء على المجال الاعلامى ممن لاعلاقة لهم به! ثم علينا بعد ذلك إعادة تأهيل وتدريب الجيل الحالى من المذيعين كل حسب مؤهلاته الدراسية وتخصصه الدقيق وتمكين كل واحد منهم من اقتراح وتقديم برامج تخصصية مفيدة تخدم قطاعا تنمويا معينا وبالطبع ينبغى أن تقدم هذه البرامج بصورة جذابة ومشوقة، وأعتقد أن الاعلانات التى يبحث عنها الممولون لهذه القنوات ستأتى لهذا البرنامج المتخصص أو ذاك من القطاع والشركات التى تخدمه. وبالطبع فإن هذه البرامج ينبغى أن تكون فى جانب كبير منها ذات طابع ميدانى حيث ينبغى أن نرى فى برامجنا المسموعة والمرئية صناع التقدم الحقيقيين من مزارعين وعمال وعلماء وفنانين وأدباء فى قلب مزارعهم ومصانعهم ومعاملهم ومسارحهم وعرض أعمالهم بحيث نتعرف على مواطن ابداعهم والمشكلات التى تواجههم ونعمل على حلها من خلال المواجهة مع المسئولين الحكوميين. إننا يجب أن نرى حياة المصريين فى كل نشاطاتهم على كل الشاشات، وفى كل البرامج المسموعة والمرئية. إن مصر أيها السادة المسئولون عن المحطات الاذاعية والتليفزيونية ليست فقط الفنانين والرياضيين، فالمفكرون والعلماء والمبدعون والمزارعون والعمال هم صناع التقدم، ومالم تتطور رسالتكم الاعلامية لتشمل عرض إبداعات هؤلاء وجعلهم هم القدوة للأجيال الشابة فلن يكون هناك مستقبل حقيقى لهذه الأمة ولهذا الشعب الصابر على ماتقدمونه إليه من تفاهات، والمكافح من أجل أن تجدوا ماتأكلونه وماتشربونه وماتتمعون به من خيرات . إن رسالتكم الاعلامية جد خطيرة وفى ضوء ادراككم لذلك ينبغى أن ترتقوا برسالتكم الإعلامية إلى ما يحقق طموحات الشعب ويصنع تقدمه المنشود. لمزيد من مقالات ◀ د. مصطفى النشار