بداية نشير إلى أننا لسنا بحاجة إلى تأكيد أن التعليم يعد وبكل المعايير قضية القضايا، ووراء كل ما يحدث فى المجتمع من نجاحات وإخفاقات، وهو الضمان الأساسى إن لم يكن الوحيد لنهضة الأمة وتقدمها، فى كل الميادين والمجالات وعلى كل المستويات، ففى كل منها يوجد التعليم تعلماً وتعليماً، علماً وثقافة، فنهضة الأمم لا تتحقق بالثروات ولا بحجم السكان، وإنما بالإنسان المتعلم، والمبدع على وجه الخصوص. وهذا ما تؤكده حقائق التاريخ ومعطيات الواقع فى العديد من دول العالم المتقدم منه والنامى. من هذا المنطلق نحاول إلقاء الضوء على مفهومين: هما مفهوم مستقبل التعليم ومفهوم تعليم المستقبل. أما عن مستقبل التعليم فهو محصلة لماضيه وموروثاته، وما يعانيه فى الحاضر من أزمات ومشكلات وإخفاقات. وعلى هذا الأساس نقول: إن هذا المستقبل سيكون مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر، ولم لا؟ وقد عانى وما يزال يعانى التعليم وضعاً أقل ما يوصف بالكارثى فى مختلف مراحله: العالى منه وقبل العالى، العام منه والفنى، وفى مختلف منظوماته ومدخلاته. ناهيك عن الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى عملت وتعمل على اهتزاز بنيانه واضطراب سياساته، وفقدانه الثقة بأهميته وجدواه، وأيضا ما يحمله من بذور الطبقية والثنائية البغيضة بين أنواعه، وبكل أشكاله وصوره، وأصبح تجارة رابحة لذوى النفوس الضعيفة، وتتم العملية التعليمية فى مدرسة تعانى أبسط مقومات الحياة الإنسانية، ومن خلال طرائق ومناهج دراسية تكرس ثقافة الاتباعية، والاتكالية، والفردية، وفقدان الولاء والانتماء للمدرسة، بل للمجتمع كله. وهذا يؤكد أن التعامل من خلال مفهوم مستقبل التعليم غير قادر على تحقيق دور التعليم فى بناء مصر، ويفرض ضرورة التعامل مع تعليمنا من مفهوم تعليم المستقبل، الذى يفرض العديد من الشروط والتوجهات والمتطلبات ليكون التعليم قادراً على القيام بدوره فى بناء مصر المستقبل لحمايتها وتقدمها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: - وضع فلسفة ورؤية تعليمية، واضحة وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل وحاجات المجتمع، وتطلعاته للنهضة والتقدم، ومنطلقه من قيم وثقافة الدولة المدنية العصرية، ومن ثوابت الهوية والذات القومية. - تبنى ما استقر عليه الفكر التربوى المعاصر، وترسخ فى وجدان التجارب العالمية المتقدمة من مفاهيم ومبادئ تربوية، كالتعليم الذاتى والمستمر مدى الحياة، والتكامل بين مختلف المعارف، والتزاوج بين النظرى والعملى، النظامى من التعليم وغير النظامى، وتحقيق المجتمع المعلم والمتعلم. - رصد ميزانية للتعليم تكون قادرة على تحقيق أهدافه والنهوض به. - الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة وبتعليم الكبار، وتحديث برامجه وتوظيف تكنولوجيا المعلومات فى عمليات التحديث والتجديد لهذه البرامج وآليات تطبيقها. - توافر تعليم عال وجامعى على درجة عالية من الكفاءة باعتباره أساس تكوين القاعدة المعرفية والكوادر البشرية اللازمة للبناء والقيام بعمليات التنمية الشاملة. - العمل على تطوير التعليم الفنى لما له من دور أساسى وفعال فى عمليات التنمية وغيرها من الاعتبارات الأساسية فى تشكيل تعليم المستقبل. ومن قبل ومن بعد نريد تعليماً يكرس ثقافة الدولة المدنية العصرية والمواطنة وحقوق الإنسان، ويعمل من خلال تميز الأفراد لا تمايزهم بسبب الجنس أو الاتجاهات الأيديولوجية. تعليماً قادراً على بناء الإنسان المصرى، ونهضة المجتمع وتقدمه، وعلى مواجهة تحديات المستقبل، والتعامل مع إنجازات العصر فى كل الميادين والمجالات. نريد تعليماً يليق بمصر التاريخ والحضارة، الريادة والاستنارة. وكفى هذا مبرراً. --------------------- أستاذ التربية بجامعة الفيوم لمزيد من مقالات د. محمد سكران