تسببت الأحداث التي شهدتها مصر في عدد من محافظاتها خلال إحياء ذكرى 25 يناير في تحول المناظرة التي كان قد أعلن عنها معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن فعالياته للتحدث حول "مستقبل التعليم"، إلى ندوة حيث اعتذر اثنان من المحاضرين وهما د. أحمد الحلواني ود. محمد السروجي فيما لم يتمكن الدكتور كمال مغيث من الحضور بسبب الارتباك أيضا الذي سببته الأحداث في الطرق، و لم يحضر سوى الدكتور محمد السكران، الذي أكد أن حال التعليم في مصر مازال كارثى، وأنه لم يتغير بعد الثورة بل زادت الأمور تعقيدا. وقال الدكتور محمد السكران، أستاذ أصول التربية بجامعة الفيوم، ورئيس رابطة التربية الحديثة: التعليم يعد وبكل المعايير قضية القضايا ووراء كل ما يحدث في المجتمع من إخفاقات أو نجاحات وهو الضمان الأساسي إن لم يكن الوحيد لنهضة الأمة وتقدمها في كل الميادين والمجالات، وعلى كل المستويات، ففي كل منها يوجد التعليم، تعلما وتعليما، علما وثقافة، فنهضة الأمم لا تتحقق بالثروات، ولا بحجم السكان، وإنما بالإنسان المتعلم، والمبدع على وجه الخصوص.
وأضاف السكران: هذا ما تؤكده حقائق التاريخ ومعطيات الواقع في العديد من دول العالم المتقدم منه والنامي، وضرب مثال باليابان ودول جنوب شرق أسيا، والتي وصلت من التقدم ما يفوق الغرب الأوروبي منه والأمريكي.
أما فيما يتعلق بمستقبل التعليم المصري فإنه ينبغي علينا بداية التفرقة بين "مستقبل التعليم"، "وتعليم المستقبل"، فمستقبل التعليم يعني ببساطة ما سوف يكون عليه التعليم في المستقبل بناء على ماضيه وحاضره، وأنه محصلة ماضي وحاضر التعليم، أما "تعليم المستقبل" فإنه يعني ما ينبغي أن يكون عليه في المستقبل في ضوء تحديات وتوقعات المستقبل.
وأكد السكران أن مستقبل التعليم المصري كارثي وذلك في ضوء تاريخه وواقعه فإنه وكما تؤكد حقائق التاريخ ومعطياته، وعشرات الدراسات والمؤتمرات، أنه سيكون مستقبلا محفوفا بالمخاطر، ولم لا وقد عانى وما يزال يعاني بالدرجة التي بات معها الحديث عن هذا الوضع مملا، من كثرة تكراره، ويكفي أن نشير وعلى سبيل المثال لا الحصر أن تعليمنا المصري كان ولا يزال، يعاني ظروفا وأوضاعا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية قاسية، عملت على اهتزاز بنيانه واضطراب سياساته وفقدان الثقة في أهميته وجدواه.
وأوضح أن من أسباب سوء التعليم في مصر أن المنظومة التعليمية تعنى الوزير، الذي لابد أن يصدر قرارات باسمه، حتى وإن لم يمكث في الوزارة بضعة شهور أو أيام، المهم أن تكون له سياسة باسمه، وقرارات صادرة عنه، مما أدى إلى عدم استقرار السياسات والقرارات، حول موضوع تفرض طبيعته الاستقرار، والتأني في اتخاذ وتنفيذ قراراته.
كما أن التعليم يعاني من مركزية صارخة قاتلة لكل ابتكار، فتحولت إدارته إلى أداة للجمود والركود وفقدان الحماس والخوف من تحمل المسئولية. وأضاف أن التعليم يحمل بذور الطبقية والثنائية البغيضة بين أنواعه بكافة أشكاله وصوره، ما بين حكومي وخاص، ديني ومدني، عام وفني، وطني وأجنبي.. وغيرها من الثنائيات التي أدت وتؤدي إلى الطبقية والانفصام والإزدواجية في الثقافة والشخصية المصرية.
وأشار إلى أن العملية التعليمية تتم في مدرسة تعاني أبسط مقومات الحياة الإنسانية وتحول دون القيام بأي نشاط تربوي، ناهيك عن المناخ الاجتماعي السائد الذي يعاني القهر والعنف وبات ظاهرة تهدد كياننا التعليمي والمجتمعي.
وتابع: التعليم في مصر يعمل من خلال طرائق ووسائل تبتعد تماما عن حاجات البيئة وظروفها، وميول ورغبات المتعلمين ومن خلال طرائق ووسائل تبتعد تماما عن المحتوى، وتتسم بالجمود والتخلف، وتساعد على الحفظ والاستظهار بل الغش والخوف والفزع وكل السلوكيات غير المقبولة أخلاقيا وتربويا واجتماعيا.
كما يعمل من خلال مناهج وطرائق تدريس تكرس ثقافة الذاكرة والعقلية الاتباعية لا الإبداعية الناقدة وترسخ الإتكاليه والفردية ومشاعر الاغتراب ومن ثم عدم القدرة على المبادرة وبذل الجهد والعمل الجماعي والولاء والانتماء للمجتمع المدرسي بل وللمجتمع كله. كما أن التعليم ما يزال يعمل من خلال محتوى ومناهج وطرائق تحول دون تحقيق المواطنة أو تكرس ثقافة حقوق الإنسان والحفاظ على الثقافية القومية وتجانس الأمة فكرا ووجدانا . أما عن ضعف الميزانية المخصصة للتعليم فقال السكران حدث ولا حرج حيث يحتل المرتبة الدنيا عند المقارنة بالوزارات الخدمية والإنتاجية والسياسية، وما تزال الميزانية دون مستوى 3.4% من الناتج القومي، يتم إنفاق معظمها على الأجور والمرتبات". وقال السكران: بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير كان المأمول حدوث تغيرات وتطورات بنيوية في التعليم ووضع استراتيجية مستقبلية تكون على مستوى تطلعات وطموحات الثورة إلا أن هذا لم يحدث، أما ما حدث فينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر للتعليم المصري، هذا إلى جانب التوسع في المدارس الدينية وأيضا المدارس التجريبية ذات المصروفات العالية والتي لا يستطيع الالتحاق بها أبناء الفقراء بل والتوجه إلى إنشاء فصل تجريبي داخل كل مدرسة حكومية، والتوجه إلى إسناد المشروعات الجامعية لشركات قابضة، وتحويل الساعات المعتمدة لهذه الشركات.
وأكد السكران وجود عديد من الثغرات في النصوص المتعلقة بالتعليم في الدستور الجديد ومن هذه الثغرات: إخضاع جميع المؤسسات التعليمية لما يطلق عليها خطة الدولة، لابد من إخضاعها لخطط التنمية والمشاريع القومية، وأيضا صياغة النصوص المتعلقة بمجانية التعليم صياغة ممكن أن تقضي إلى تخلي الدولة عن مسئولياتها إزاء هذه المجانية.
وأشار إلى أنه من الملفت للنظر والمثير للعجب صعوبة أن تجد التعليم على أجندة برامج من يتنافسون من السياسيين في الانتخابات تشريعية كانت أم رئاسية، مما يؤكد قلة الاهتمام بالتعليم عند مقارنته بالأنشطة الأخرى سياسية كانت أم اقتصادية. ولمواجهة الأخطار الخاصة بالتعليم وغيرها، طالب السكران بضرورة حيادية التعليم ومقاومة كل محاولات تدخل السياسة فيه أيا كانت نوعية هذه السياسة وتوجهاتها، ويمكن أن يتحقق هذا من خلال إنشاء مجلس وطني للتعليم، بعيدا عن السياسة وتقلباتها والتيارات الدينية وتوجهاتها، وبعيدا عن هيمنة الأجهزة التنفيذية والتشريعية.
كما طالب بوضع رؤية مستقبلية للتعليم المصري تستمد مقوماتها من فلسفة واضحة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل ومن حاجات المجتمع وتطلعاته للنهضة والتقدم ومنطلقه من قيم وثقافة الدولة المدنية العصرية ومن ثوابت الهوية والذات القومية.
وضرورة أن تتضمن النصوص الدستورية وبوضوح التزام الدولة بتوفير التعليم للجميع وبالمجان في جميع المراحل التعليمية وعلى استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي دون قيد أو شرط إلا قيد العلم وقيمه والتزاماته العلمية.
يؤكد السكران: نريد تعليما يكرس ثقافة الدولة المدنية والمواطنة وحقوق الإنسان ويعمل من خلال تميز الأفراد ولا تمايزهم بسبب الجنس أو العقيدة أو الاتجاهات والأيدلوجيات والانتماءات الحزبية.