الملح له تاريخ ممتد مع نشأة الحضارة الإنسانية، فلقد استخدمه الفراعنة فى أعظم سر من أسرارهم ألا وهو «التحنيط»، واستخدمه الإغريق فى السحر والطقوس الدينية، لما له من ارتباط وثيق مع فكرة «الخصوبة»، فدائماً ما يُنثر فوق رءوس العرسان فى مصر، وعلى حذاء الزوج فى ألمانيا، ويدخل الملح حاليا فى صناعة الأدوية، وإذابة الثلوج عن الطرق ومهابط الطائرات فى الشتاء، وفى المخصبات الزراعية والصناعات الأخرى مثل الصابون والصباغة والدباغة وغيرها العديد من الصناعات التى يدخل الملح فى مكوناتها الأساسية. إن الملح المستخدم فى الطعام لا يزيد على 3% من إنتاج الملح فى العالم، بمعنى أن هناك استخدامات عديدة أخرى يستفيد منها ويعرف أسرارها مستوردو الملح، وطبقاً لجودته ودرجة نقائه تحدد أسعاره عالمياً، وعادة ما توجد أنواع ودرجات متعددة منه، ولكن يمكن حصره فى نوعين هما: الملح الصخري، الذى نستخرجه من الجبال وباطن الأرض، والملح البحرى الذى نحصل عليه بتجفيف مياه البحر والبحيرات المالحة، وتعد تجارة الملح وتداوله من الموارد الاقتصادية المهمة لبعض الدول قديماً وحديثاً، ولقد اندلعت حروب بسببه عرفت ب «حروب الملح» للسيطرة على أماكن إنتاجه وتأمين طرق تجارته، كما كان للملح دور بارز فى حرب الاستقلال التى قادها غاندى ضد الإنجليز، والتى تضمنت نضالاً للحصول على الحق فى إنتاج الملح وبيعه. وتتمتع مصر بإمكانات ضخمة للتوسع فى إنتاج وتصدير الملح، وتوفير فرص عمل للشباب فى شتى المجالات والصناعات المرتبطة به، فتوافر السواحل البحرية والبحيرات الملحية، والمناخ الجاف ذو الشمس الساطعة طوال العام، يزيد فرص إنتاجه، بجانب الاكتشافات الحديثة للملح الصخرى بدرجة نقاوة تتخطى 99% على أعماق ضحلة فى واحة سيوة بالصحراء الغربية، كما يوجد الملح الصخرى «الهاليت» فى مركز القباب الملحية المغطاة بطبقات من الحجر الجيرى والجبس فى سيناء، حيث يتم استخراج الملح الحفير من بعض الكهوف الملحية بأساليب بدائية يعرفها أهلنا فى وسط سيناء جيداً، ومن أمثلة الملاحات الطبيعية الموجودة فى شمال سيناء «سبخة العمياء»، التى يسهل حتى على المرأة العمياء أن تحصل على الملح منها، وكذلك ملاحات «سبيكة» الشهيرة بنقاء أملاحها، وعدم وجود مصادر للتلوث فى محيطها من بئر العبد وحتى العريش، وكذلك ملاحة «خليج بلاعيم» على الساحل الشرقى لخليج السويس. لقد قابلت شابا يعمل فى مجال إنتاج وتصدير الملح نموذجا يحتذى فى ثقة الشباب بأنفسهم وقدرتهم على تغيير واقعهم، فلقد قرأ على صفحات الأهرام منذ سنوات أن أوروبا وأمريكا سقطت عليها كميات كبيرة من الثلوج مما تسبب فى نفاد معظم احتياطى الملح فى المخازن والمواني، ولذلك طلبت شراء كميات كبيرة من الملح الصخرى المصرى ذى النقاوة والكفاءة العاليتين فى إذابة الثلوج من على الطرق والمطارات، فقدم دراسة جدوى لاستخراج الملح الصخرى من واحة سيوة لإحدى الشركات العالمية من خلال البريد الإلكترونى للشركة، فطلبت منه إرسال شحنة سفينة واحدة على أن يتم تسديد ثمن الشحنة على مراحل تصل إلى 75% قبل أن تُبحر السفينة، وأن يبقى مع قبطان السفينة عند التفريغ، ووفقه الله فى تصدير أول شحنة، وهو مستمر فى عمله حتى الآن، وازدادت ثقة العملاء الأجانب به، وأصبح له أكثر من منطقة إنتاج وفتح باب رزق وفرص عمل لمئات الشباب مثله. إن التوسع فى إنتاج الملح من سيناء فى إطار مشروع تنميتها سيزيد فرص المستثمرين نظراُ لإمكاناتها الكبيرة، وكفاءة الملح الصخرى والبحرى بها، بالإضافة إلى وفرة مساحات الأراضى المطلوبة للإنتاج والتصنيع وقرب موانى التصدير فى العريش وبورسعيد، وبالتالى استيعاب عدد كبير من الشباب المتخصصين فى إنتاج وتصنيع وتصدير الملح بدرجاته المختلفة، والدعوة الآن للحكومة لإعادة اكتشاف ثروتنا من الملح والتشجيع على استثماره لتوفير فرص عمل للشباب. د. كمال عودة غُديف جامعة قناة السويس