عالية المهدي: الدعم النقدي ليس حلا لمشاكلنا.. و85% من الأسر رفضته في 2006    «مصر للطيران» تنقل 286 مصريًا عالقين في لبنان إلى أرض الوطن.. صور    مقتل 25 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً وإصابة 130 في اشتباكات مع حزب الله    شهداء وجرحى في قصف مسجد يؤوي نازحين أمام مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح    ماذا دار في أول اجتماع بين كولر ومحمد رمضان بحضور الخطيب؟.. إعلامي يكشف    مدحت شلبي يوجه صدمة قوية لجماهير الزمالك بشأن أحمد فتوح    ريال مدريد يفوز على فياريال بثنائية في الدوري الإسباني    حمد إبراهيم: أثق في لاعبي الإسماعيلي..ويجب أن نكون على قلب رجل واحد    مدحت شلبي: نجم الأهلي يهدد بالرحيل    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر إجرامية عقب تبادل إطلاق النيران مع الشرطة في قنا    بعد بيان الأرصاد.. تعرف على حالة الطقس اليوم الأحد ودرجات الحرارة المتوقعة (أجواء خريفية)    عليك مواجهة تغييرات جديدة في مكان العمل.. برج القوس اليوم الأحد 6-10-2024    قبل عرضه.. تعرف على تفاصيل فيلم آل شنب    صافرات الإنذار تدوي في عدة مناطق بشمال إسرائيل    ميتروفيتش يقود الهلال للفوز على الأهلي في الدوري السعودي    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    أمين صندوق الأطباء للمحافظين: ما الفائدة من التصالح في عيادات وضعها مقنن من الأساس؟    سائق قطار يرشد عن أشلاء جثة على قضبان السكة الحديد في سوهاج    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    من أسرة واحدة.. إصابة 6 أشخاص في حادث سيارة ببني سويف    رئيس " الحرية المصري": انتصارات أكتوبر ستظل علامة بارزة في تاريخ العسكرية المصرية    وزير الخارجية الإيراني: أي اعتداء على إيران سيواجه برد أقوى    أحمد السقا يشارك ابنة علاء مرسي رقصة رومانسية في حفل زفافها (صور وفيديو)    ريهام أيمن أمام حمام السباحة و"سيلفي" مايان السيد وهيدي كرم.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| علاء مرسي يبكي في فرح ابنته وأخرى تجري عملية جراحية وحقيقة وفاة إعلامي شهير    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    قفزة في سعر الفراخ البيضاء والبلدي وثبات كرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    عيار 21 الآن يواصل انخفاضه.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالصاغة    "نيويورك تايمز" ترصد تأثيرات صراع الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي    الحكومة تحذر من استغلال مزايا استيراد سيارات ذوي الهمم    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    5 تعليمات صارمة من محمد رمضان للاعبي الأهلي في أول اجتماع    رئيس شعبة الدواجن يكشف سر ارتفاع أسعار الفراخ    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    قصة تريند بيع مطعم صبحي كابر.. «الطلبات شغالة وانتظروا فيديو للحاج» (صور)    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    رقم قياسي جديد لرحلات البالون الطائر في سماء الأقصر    تحرير 4 محاضر مخالفات تموينية بسيدي غازي    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    الرئيس الأوكراني: الأسبوع المقبل ربما يكون إيجابيا بشأن دفاعاتنا    الأردن يرحب بدعوة ماكرون وقف تصدير أسلحة للاحتلال تستخدم في حرب غزة    أحمد ياسر يكتب: إسرائيل بين أجندة التوسع وفشل المجتمع الدولي    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    أعشق السينما ومهمومة بكل تفاصيلها.. كلوديا حنا عن مشاركتها كعضو لجنة تحكيم بمهرجان الإسكندرية    «المضل» في بني سويف تضم «مزامير» داود وكنوزًا زاخرة    وائل جسار: عايشين حالة رعب وخوف في لبنان.. ودعم مصر مش جديد علينا    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    المصل واللقاح: موسم الخريف شهير بالعدوى التنفسية وأسوأ من فصل الشتاء    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن المائى!
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 05 - 2018

يرصد علم الوجود التفاعلات بين العالم كما هو، والعلاقات بين المفاهيم والأفكار المتعلقة بهذا العالم، وأيضًا الشروط العامة للوجود، وطبيعة العلاقات بين المجتمعات والطبيعة، والمياه تعد شرطًا أساسيًا للوجود الإنسانى وغيره من الكائنات، لكن فى سياق التحولات التاريخية تعرض المورد المائى للنضوب، وأصبح يشكل التهديد الأعظم للعالم، ولأن الوجود الإنسانى يتحقق تعبيرًا عن تحرر شامل للإنسان من ضغط الحاجة، سواء جاء تقنينها من الطبيعة أو المجتمع؛ لذا تبدت الصراعات على الماء بين صراعات شخصية حادة، وصراعات جغرافية سياسية. ولا شك أن إعادة استحضار بعض هذه الصراعات العالمية التى تجرى داخل المجتمعات، تكشف عن السلوكيات التى تخلخل الأنظمة، بتوريط مجتمعاتها فى سلوكيات مضادة لأنظمتها، حيث فى الولايات المتحدة الأمريكية، وفى الوسط الغربى منها، دفعت أزمة الماء مجتمعات وصناعات، موجودة على طول نهر «كولورادو» إلى أن يقاتل بعضهم بعضًا على كميات الماء المتضائلة، وقد أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الانفعالات تزايدت بين المتنافسين على استخدام الماء، وشنت بعض الولايات حروبًا.
وأقامت ولاية «مونتانا» دعوى قضائية ضد ولاية «وايومنج» لحصولها على حصة ماء أكثر من حصتها، كما أن النمو السكانى لكل من ولايتى «نيفادا» و «يوتا» تسبب فى خلاف شديد بشأن عدد خطوط الأنابيب المقترحة لكل منهما، وفى الصين ثمة تصاعد للغضب بسبب الانتصار بالمعرفة على الطبيعة، وذلك بسرقة الأمطار عن طريق الاستمطار، ونشرت صحيفة «تشاينيز ديلي» أن خمس مدن جافة، فى تنافس محموم لاستمطار الغيوم قبل مغادرتها، وفى جزيرة «جاوا» الإندونيسية التى لا يسمح محيطها الطبيعى بوفرة الماء، يأتى المزارعون إلى حقولهم لرى محاصيلهم، مسلحين بفؤوسهم ومطارقهم ليقاتل بعضهم بعضًا من أجل المياه المتضائلة.
صحيح أن الندرة أو النقص فى المياه لدى الدول يوازيه خطورة التحدي؛ فعندما تتمثل الدول هذا التحدى فإنها تحوله إلى طاقة لقواها التسلطية، حيث تتوالد الصراعات حول كيفية ملكية هذه المياه واستخدامها، وقد طرحت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية أمثلة لمناطق نزاعات متعددة لدول حول المياه، تضمنت إسرائيل، والأردن، وفلسطين، التى تعتمد على مياه نهر الأردن، الذى تتحكم به إسرائيل، وتركيا، وسوريا، وقد راحت تركيا تخطط لبناء السدود على نهر الفرات، مما أدى إلى وضع البلدين على شفا الحرب عام 1998، كما اتهمت سوريا تركيا بعد ذلك بالعبث المتعمد بحقها المائي، ولأن المياه تؤسس لمعناها ودلالتها؛ لذا أنتجت القطيعة، والتجاوز، والتقلبات السياسية، والخلافات بين الدول، حيث تسبب نهر «براهبيتنورا» فى التوتر بين الهند والصين، وكذلك اشتعلت الخلافات بين «أنجولا» و «بوتسوانا» و«ناميبيا» حول حوض مياه «أوكافانغو»، وأيضًا الخلاف بين «إثيوبيا» و«مصر» حول مياه نهر النيل، وكذلك النزاع بين «بنجلاديش» و«الهند» نتيجة فيضان نهر «الغانج» الذى يلحق الأذى بمواطنى «بنجلادش»، فيضطرون إلى الهجرة غير الشرعية إلى الهند؛ وهو ما ترفضه الهند، وثمة ضغوط ومخاوف على طول الحدود «الأمريكية» و«الكندية» بخصوص المياه الحدودية المشتركة، ومستقبل البحيرات، حيث أنشأت الولايات المتحدة أربعًا وثلاثين منطقة دائمة للتدريب بالذخيرة الحية على طول البحيرات، بالإضافة إلى قيام خفر السواحل الأمريكية بأعمالهم مستخدمين مدافع سفنهم الحربية؛ بل مارست أكبر صيغة للانقسام يمكن أن تسيطر على كيان سياسي، وذلك بتفكيكها لثنائية المشاركة، بإعلانها الفصل الحاسم لسلطتها المنفردة على المياه المشتركة، إنكارًا وإبطالاً للمعنى المدرك والراسخ تاريخيًا، وتكرر النهج نفسه بنكران الولايات المتحدة تاريخ شراكة حدودها مع المكسيك، وذلك باعتراضها - رغم الممارسة الطويلة الأمد- على المزارعين المكسيكيين بتحويل المياه من نهر «ريو جر اندي»، الذى يشكل على امتداد مساره جزءًا من شراكة الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة.
صحيح أن الماء أصبح مسألة أمنية استراتيجية أساسية ذات أولوية عالميًا، وصحيح أيضًا أنه بقدر ما يحكم العقل والواقع معًا هذه الاستراتيجية، فإن الصحيح كذلك أن الأمر لا يتم إلا عندما تنضج الظروف الموضوعية مجتمعيًا، والإعداد لمواجهة التحديات؛ لذلك ففى فعقب الهجمات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر، أنشأت الولايات المتحدة وزارة الأمن الوطنى عام 2002، التى تحملت مسئولية أمن بنية المياه التحتية للدولة، ثم أنشأت وكالة حماية البيئة مركز البحوث الأمنية الوطنية، وأسست قسم أمن المياه لتدريب موظفى مرافق المياه على القضايا الأمنية، فى حين نشرت صحيفة الأهرام بتاريخ 14/ 12 /1998 رصدًا عن مؤتمر (المياه... قضية القرن القادم) الذى أقيم فى مصر، وطرحت الصحيفة أهم أفكاره وسياساته، ومنها «ضرورة التفكير فى تعديل التركيب المحصولى فى أراضى الدلتا، والتقليل من زراعات المحاصيل التى تستهلك مياهًا كثيرة»، وذلك ما يتفق مع قرار مجلس النواب الصادر فى أبريل عام 2018 الذى ينص على «حظر زراعة محاصيل معينة من الحاصلات الزراعية فى مناطق محددة، والتى قد تكون شرهة للمياه حفاظًا على المياه وترشيدها»، وأيضًا فى نفس عدد صحيفة الأهرام بتاريخ 14 / 4 / 1998، تم طرح سبع مشكلات تواجه صانعى القرار، وقد نصت المشكلة الرابعة على «نقص التوعية، أى عدم وجود توعية على المستوى الجماهيرى وصانعى القرار، ينتج عنها ممارسات خاطئة، كما أن المواطن العادى لا يشارك فى تحقيق وحل الأزمة بطريقة فعالة»، لكن الصحيح أنه لكى يوجد المواطن لا بد من رسم الحقوق والمعايير، وألا يغيب المواطن عن صناعة القرار فى حياته وحياة مجتمعه، وأن تختفى كل المعارك التى تضع الفردى ضد الاجتماعي، والماضى ضد الحاضر، وأن يتحمل المواطن عبء المرحلة التى يسهم فى صنع أحداثها، وذلك ما يعنى التواصل بين المسئولين والمواطنين، إن المزارعين المصريين يرتبطون دائمًا بالمعهود، ورحلة التصحيح لا بد لها من تجاوز ذلك المعهود، بالمعرفة التى تتأتى بالحوار والنقاش، إذ ما يغير العالم وحدة الإنسان مع الطبيعة ومع الحياة، فى مواجهة جنون الإنتاج الكمى وانفلاته الوحشي، استهلاكًا لكل ما فى الأرض والهواء، ولأن الديمقراطية ممارسة وسلوك، وهى أيضًا نمو للفرد فى إطاره الاجتماعي؛ لذا فإن الحوار مع المزارعين يدفعهم من الظلال إلى استرداد وجودهم الإيجابى حوارًا ونقاشًا.
لمزيد من مقالات ◀ د. فوزى فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.