احتلت شتيمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، لسفير أمريكا في إسرائيل، مساحات كبيرة من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وذلك بعدما صرح السفير فريدمان بأن المستوطنين يبنون في أرضهم، بمعنى أن أراضي الضفة الغربية هي أراض للمستوطنين، فوصفه أبو مازن علي الفور بأنه "ابن كلب" ومستوطن من عائلة مستوطنين. وقد أثار هذا الانتقاد، العديد من ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية، وذلك على خلفية احتجاج فريدمان، على صمت السلطة الفلسطينية، حيال العمليات الأخيرة الثلاث التي وقعت ضد إسرائيليين. وفي أول تعليق لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، لهجوم عباس ضد فريدمان، قال إنها المرة الأولى التي تتوقف فيها الإدارة الأمريكية عن "تدليل" الزعماء الفلسطينيين وتضع لهم حدا، الأمر الذي أفقدهم صوابهم، بحسب نتانياهو. من جهته قال وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال كلمة ألقاها في "المنتدى العالمي لمناهضة اللاسامية"، موجها كلامه إلى السفير فريدمان، "إنك وبعد سنة واحدة في منصبك، ستخلد في سجل التاريخ كصديق حقيقي لدولة إسرائيل". عباس، المعروف بهدوئه واتزانه، قد خرج عن طوره خلال كلمة أمام القيادة الفلسطينية، في مقر الرئاسة الفلسطينية الأسبوع الماضي، حمل خلالها حركة "حماس"، التورط في محاولة اغتيال تعرض لها رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله في غزة. وبعد إدانته للحركة، انتقل عباس، للهجوم على الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، وخاصة عقب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وقال عباس، إن واشنطن عقدت مؤتمرا للتباكي على الأوضاع الإنسانية. ثم تحول إلى فريدمان، وبعد التنويه إلى تصريحاته التي تمس بحق الفلسطينيين في دولتهم وأراضيهم، انفجر عباس غاضبا ووصفه بأنه مستوطن و"ابن كلب". وحول ادعاءات بعض الأوساط بأن تلك التصريحات هي مؤشر لفقدان الرئيس الفلسطيني للسيطرة، قال الجنرال ايتان دانجوت، المنسق السابق لشئون المناطق المحتلة في الجيش الإسرائيلي، "إنني أمضيت ساعات من اللقاءات مع أبو مازن، أستطيع القول إن الرجل يتمتع بسيطرة كاملة، ولكنه يعاني من الإحباط، لأن جوهر فعله السياسي قد تم كسره بسبب السياسة الأمريكية، وهو يعرف أنه لم يعد هناك ما يخسره إذا ما هاجم الأمريكيين". وأضاف دانجوت، الذي كان يتحدث للإذاعة الإسرائيلية، أن عباس، يعرف أن تشدده أمام "حماس"، من شأنه أن يزيد من ضغط الأزمة الإنسانية في غزة على إسرائيل، واصفا الخطاب الذي ألقاه بأنه "تحريضي ويهدف إلى إشعال الوضع الميداني". ودعا دانجوت، إلى التريث في تأبين أبو مازن، مشيرا إلى أن الرجل يعمل في ظروف صعبة جدا، ولكنه يتمتع بسيطرة كاملة، كما أن خطاباته معدة سلفا. البيت الأبيض بعد ساعات فقط من نعت عباس، فريدمان ب "ابن الكلب"، ندد بقوة بهذه التصريحات وما تضمنته، معتبرا أنها "إهانات في غير محلها". فمبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، جايسن جرينبلات، أعلن في بيان أن تعليق الرئيس الفلسطيني، "غير ملائم تماما"، وأن "الوقت حان لكي يختار بين خطاب الكراهية وجهود ملموسة لتحسين حياة شعبه وإيصاله إلى السلام والازدهار". أما فريدمان نفسه، وخلال كلمة له في مؤتمر لمكافحة معاداة السامية في القدس، رد على إهانة عباس قائلا، "رده كان الإشارة لي بأنني "ابن كلب". هل هذه معاداة سامية أم حوار سياسي؟ الحكم لا يرجع لي. أترك الأمر لكم". ديفيد فريدمان، هو مؤيد قوي لحركة الاستيطان في إسرائيل، وكان من أوائل المؤيدين وأكثرهم تحمسا لقرار ترامب في السادس من ديسمبر الماضي، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس. في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن استخدام أبو مازن، لهذه المفردات للتعبير عن حالة الاشمئزاز من تصريحات فريدمان، المتعلقة بالاستيطان، واليأس من الموقف الأمريكي، نشر شريط فيديو قصير من بضع ثوان، يظهر فيه جنود الاحتلال الإسرائيلي وكلبهم المفترس في الضفة الغربية ينهش طفلا فلسطينيا. ويظهر الطفل في حالة شديدة من الذعر، بينما الكلب ينهش يديه وأطرافه. مشهد مروع في وحشيته، وهو يذكر بكلاب "الجستابو" (وهو واحد من أجهزة هتلر السرية المستخدمة في تعذيب وقتل ضحاياه ممن عارضوا حكمه) والتي طالما أبرزتها الأفلام والأدبيات المتعلقة بالحرب العالمية الثانية. هذه المشاهد لم تستفز أعضاء الكنيست ولا السفراء ولا القنصليات. مشهد طفل فلسطيني محاط بالجنود والكلب ينهش فيه، بات أمرا لا يجرح العيون ولا يستفز المشاعر. كما نشر شريط آخر، يظهر فيه مستوطن يتجول مع كلبه المتوحش في جبال الضفة الغربية، ثم يطلقه لمهاجمة أغنام راع فلسطيني، فيمزق بعضها. معروف أن بعض الكلاب مدربة على مهاجمة العرب، تعرفهم من روائحهم. فللكلب حاسة شم تفوق قدرة الشم عند الإنسان مئات المرات. وهي مدربة على تمييز روائح العرب من بين أمم كثيرة أخرى. وهناك قصة معروفة حدثت في نابلس قبل سنوات، عندما هاجم كلب الجيش جنديا إسرائيليا على الرائحة وتبين أن الجندي عربي. أتفهم أن إطلاق الكلاب يكون للبحث عن مخدرات، أو عن سلاح، أو للعثور على إنسان تحت الأنقاض، أو مهاجمة إنسان مسلح. أما إطلاق الكلاب على الأطفال وعلى الأغنام، فهذا يقول شيئا مغايرا تماما. أخيرا، شتيمة أبو مازن، تشير إلى حالة اليأس التي وصلها جراء السياسة الأمريكية. إلا أن الرد على هذه السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب وإدارة نتانياهو، يكون بالسعي الحثيث لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. هناك بالفعل من يريدها حربا أهلية تحرق بقايا ما تبقى من أمل للفلسطينيين، هناك من يريد الفلسطينيين في احتراب وتطاحن، ولكن بالتأكيد لا حركة "حماس" ولا حركة "فتح"، ولا أحد من الشعب الفلسطيني المقهور والمحاصر يتمنى حربا أهلية، بلا شك أن هناك أيدي، تحاول بشكل أو بآخر دفع الفلسطينيين إلى الاحتراب الفلسطيني الفلسطيني، وهذا بلا شك لا يخدم سوى السياسة الأمريكية و سياسة الاحتلال... لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;