حسنا أن تسعي وزارة التربية والتعليم نحو مقاومة سرطان الدروس الخصوصية، وكان آخر تلك المساعي العمل علي استصدار قانون من مجلس النواب يجرم الدروس الخصوصية. فالدروس الخصوصية تمثل منذ سنوات عديدة تحديا وعبئا علي الطلاب وأولياء الأمور، وكذلك الدولة في ضبط العملية التعليمية. والمشكلة الأهم أن الدروس الخصوصية باتت، رغم كل الشكوي منها، طقسا مرحبا به في المجتمع، وأصبحت مدعاة للتفاخر بين الطلاب وأولياء الأمور، ولم تعد كما كانت في بدايتها مدعاة للخجل، إلي الحد الذي أوصلنا إلي أن الطلاب، بصرف النظر عن مستواهم، يأخذون دروسا في كل المواد، وكأن التعليم صار دروسا خصوصية، وأيضا بصرف النظر عن النتيجة التي يتحصل عليها كل طلاب تلك الدروس في نهاية العام. وهنا بيت القصيد كما يقولون. فالدروس الخصوصية صارت ثقافة وفلكلورا مصريا. صارت هي - وليس التعليم - كالماء والهواء. صارت البديل المعتمد للهروب من كل مشكلات التعليم. صارت الدروس الخصوصية كل ذلك يوم أصبح التعليم تلقينا فقط الهدف منه أن يجمع الطالب أقصي ما يمكنه من درجات. صارت كذلك حين نزعت التربية من أهداف التعليم. صارت كذلك يوم أصبح التعليم مجرد شهادة! بطبيعة الحال فإن الدروس الخصوصية ليست المشكلة الوحيدة للتعليم في مصر، ولكنها في الحقيقة مرآة كاشفة لوضع التعليم في مصر، والتعامل الحقيقي معها يعني بالضرورة تعاملا مع جذور مشكلة التعليم. هذا التعامل الحقيقي لابد أن ينطلق من علاج مسببات الدروس الخصوصية وليس علاج أعراضها. فالتجريم المقترح بحكم القانون المزمع تشريعه ربما يحد من الظاهرة ولكنه بكل تأكيد لن يقضي عليها أو يقتلعها من جذورها. فما دامت الدروس الخصوصية مطلبا ويعتقد الطلاب وأولياء الأمور أنه لا بديل عنها، فسيظل الوضع علي ما هو عليه وإن كان بتكلفة أكبر. تجريم الدروس الخصوصية في ظل ذلك الوضع سينظر المواطنون إليه علي أنه عقاب لهم ولأبنائهم وسيجتهدون في ابتكار الأساليب للتحايل علي القانون ومواصلة مشوار الدروس الخصوصية. ولا أعرف كيف سيتعامل القانون مع الدروس الخصوصية التي يتولاها مدرسون ليسوا منتمين لوزارة التربية والتعليم أو حتي المدرسين الذين قد يستقيلون من الوزارة من أجل تلك الدروس. هل يمكن أن يجرم القانون عملا يقوم به فئة معينة من المواطنين هم المدرسون المعينون في وزارة التربية والتعليم، بينما يقف عاجزا عن ملاحقة الظاهرة في حال قام بها آخرون! هل يمكن أن يجرم القانون فعلا بناء علي عدد ضحايا الجريمة؟ بمعني ماذا لو أن مدرسا أعطي درسا خصوصيا لطالب أو اثنين أو ثلاثة، هل يكون ذلك مجرما بحكم القانون؟ قانون تجريم ختان الإناث وضع عقوبات علي كل أطراف الجريمة بمن فيهم الأب أو الأم المسئولان عن تقديم ابنتهما للختان، فهل يجرم القانون في الدروس الخصوصية الآباء كما يجرم المدرسين؟ ثم أين هو الجهاز الذي يمكنه متابعة تنفيذ قانون تجريم الدروس الخصوصية في ربوع الوطن كله؟ الحل لظاهرة الدروس يبدأ بتبني إستراتيجية واضحة وشاملة للقضاء علي ظاهرة »بيزنس« التعليم في مصر، وذلك من خلال مزيد من الاستثمار في التعليم الحكومي كما ونوعا، بما يجعله جاذبا لا طاردا للطلاب. وبكل صراحة لابد من أن نجيب جميعا عن السؤال إلي أي مدي تعتبر الدروس الخصوصية أسوأ من التعليم الخاص بكل روافده؟ ولماذا لا يتم التفكير في تقنين الدروس الخصوصية علي اعتبار أنها تعليم مواز، كما تم بشأن المدارس الخاصة التي لم يتوقف الجدل بشأن الخدمة التعليمية التي تقدمها حتي الآن؟ ولماذا لا يتم التفكير في تخيير الطلاب وأولياء الأمور الذين لديهم القدرة والرغبة في الاعتماد علي الدروس الخصوصية في الاكتفاء بتلك الدروس وعدم مزاحمة الطلاب في المدارس الحكومية علي أن يدفعوا مقابل السماح لهم بدخول الامتحانات، وكذلك تخيير المدرسين بين الاكتفاء بالعمل في المدارس وبين التفرغ للدروس الخصوصية؟ وساعتها يكون التجريم منطقيا ومرحبا به. أليس من شأن ذلك أن يرفع عن كاهل تلك المدارس علي الأقل تكدس الفصول ويتيح موارد إضافية لها بما يجعلها قادرة علي تقديم خدمة أفضل؟ لمزيد من مقالات بقلم علاء ثابت