تشهد الكويت, أزمة سياسية حادة, في المرحلة الراهنة, تمثلت أطرافها الأساسية في حكومة الشيخ جابر المبارك وكتلة الأغلبية المعارضة في مجلس الأمة المنحل2012, علي خلفية عدد من الملفات والقضايا التي تخص أداء الحكومة في التعامل معها ثم توجه الحكومة لإعادة النظر في الدوائر الانتخابية الحالية. وبمرور الوقت, تصاعدت مسارات الأزمة دون وجود ملامح محددة لوضع نهاية لها, ليصبح النظام السياسي الكويتي مشلولا وعاجزا, بما يعطي انطباعا أن الأزمة السياسية في الكويت تتكرر بشكل أقرب إلي' النسخة الكربونية'. ملامح الأزمة إن ما يحدث في الكويت ليس مجرد عثرة عابرة وإنما هي أزمة دائمة, بين الحكومة التي دائما ما يرأسها أحد كبار أعضاء الأسرة الحاكمة والبرلمان حيث يمثل فيه قوي المعارضة مختلفة التوجهات, بما يقود لأزمات متلاحقة, في فترات زمنية قصيرة وعلي مستويات مختلفة, تنتهي إما باستقالة الحكومة أو بحل المجلس, وما ان يعودا للالتقاء مرة أخري حتي يبدأ فصل جديد من الصراع بينهما, رغم التغيير الذي يطال تشكيلة الحكومة أو عضوية المجلس, وهو ما يهدد الاستقرار السياسي في البلاد, وقد يفرغ التجربة الديمقراطية من مضمونها في المستقبل. فقد استقالت الحكومة الكويتية بعد أن تعرضت لثمانية استجوابات, منذ تشكيلها في منتصف فبراير الماضي, أربعة من الأغلبية ومثلها من الأقلية, علي مدي أربعة أشهر ماضية, بما يعادل استجوابا كل أسبوعين. وتدخل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد للتخفيف من حدة الأزمة حينما علق, في18 يونيه الماضي بموجب مرسوم أميري, اجتماعات مجلس الأمة لمدة شهر ضمن قرار يهدف إلي تهدئة التوترات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, إذ أتي المرسوم استنادا إلي بند دستوري يسمح لأمير البلاد بتعليق اجتماعات البرلمان لمدة شهر كحد أقصي. ورغم ذلك ازدادت الأزمة السياسية تعقيدا في العشرين من يونيه الماضي مع صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الأمة(2012) وعودة المجلس المنحل(2009), وكأن الحل لم يكن, الأمر الذي دفع كتلة الأغلبية للتهديد بالنزول إلي الشارع وساحات الاحتجاج, بما يحمل مؤشرات من شأنها تصعيد التوتر السياسي, بين المعارضة والحكومة, في الأيام المقبلة, ودخلت السلطة القضائية كطرف في التوتر السياسي بعد اتهام المعارضة لها بتجاوز حدودها القانوني والتدخل في الشأن السياسي. كما برز الحراك الشبابي, خلال يوليو الحالي, كطرف وسيط بين الحكومة والمعارضة, وإن صبت مطالبته في اتجاه دعم مطالب ومصالح المعارضة. وما يزيد هذا الحراك قوة هو انتماء شباب الحراك إلي قبائل كبيرة وعائلات بارزة مثل الشامري والحربي والعجمي والعازمي والكندري والرخيمي. رؤية المعارضة للأزمة طرحت الأغلبية النيابية الممثلة للمعارضة السياسية في الكويت رؤيتها للخروج من الأزمة الراهنة عبر مشروع متكامل لإصلاح وتطوير النظام السياسي, يستند إلي عدة مسارات. المسار السياسي يتمثل في الإسراع في تشكيل الحكومة( شكلت في19 يوليو الحالي) ورفض عقد جلسات مجلس2009 ورفض المماطلة في حله وإجراء الانتخابات القادمة وفق النظام الانتخابي القائم من جهة توزيع الدوائر وعدد أصوات الناخب وعدم المساس بها عن طريق مراسم القوانين, فضلا عن تقديم ضمانات بنزاهة الانتخابات وبعدم التلاعب في نتائجها. المسار الثاني تشريعي, وذلك بالعمل علي تعديل قوانين قائمة وإصدار قوانين جديدة, سواء تعلقت بمكافحة الفساد أو استقلال القضاء أو إصلاح نظام الانتخاب أو تغيير عدد الدوائر أو إصدار قانون الهيئات السياسية أو احترام حقوق الإنسان أو تفعيل خطة التنمية. المسار الثالث رقابي يتمثل في تفعيل الأدوات الرقابية لمواجهة جميع قضايا الفساد. وأخيرا المسار الدستوري الذي يقوم علي تعديل بعض مواد الدستور مثل تشكيل الحكومة بأغلبية برلمانية, ووجوب حصول الحكومة علي ثقة مجلس الأمة علي ضوء برنامج عملها, وإذا لم تحصل الحكومة علي ثقة المجلس تعتبر مستقيلة, ولمجلس الأمة الحق في طرح الثقة برئيس الوزراء, مع اقتصار التصويت في مجلس الأمة علي الأعضاء المنتخبين ولو كانوا وزراء. إن الإصلاحات السياسية المقترحة تهدف إلي تجاوز الأعراف الدستورية, المرتبطة بشغل أبناء الأسرة الحاكمة للوزارات السيادية مثل الخارجية والداخلية والدفاع, لتكون من نصيب أبناء المجتمع, فيما يعرف ب' الحكومة الشعبية' والتحول إلي الإمارة الدستورية, التي طالبت بها العديد من الحركات الشبابية مثل' كافي' و'نهج' و'نريد' و'السور الخامس' و'حدم' و'كرامة' والاتحاد الوطني لطلبة الكويت( فرع الجامعة), فضلا عن حركات وكتل سياسية أخري مثل كتلة العمل الشعبي وتجمع ثوابت الأمة والحركة الدستورية الإسلامية وكتلة التنمية الإسلامية. رؤية الحكومة للأزمة إن الاتجاه الرئيسي الرسمي داخل الكويت يشير إلي أن المعارضة دائما تمارس التأزيم مع الحكومة نتيجة ما يمكن تسميته ب' سلطوية' المعارضة, أو' طغيان الأغلبية' البرلمانية, سواء الإسلامية أو القبلية, رغم ما أبدته الحكومة من تفاهمات مع كتلة الأغلبية, إذ تهدف تحركات الأخيرة إلي الإيحاء للرأي العام الكويتي بأن هناك ثورة شبابية للضغط علي الحكومة لتحقيق مطالب الأغلبية, بحيث يتم إلباس أجندة العمل الشعبي والحركة الدستورية الإسلامية' حدس' ثوبا شبابيا, الأمر الذي يوضح المقاومة الرسمية لحدوث إصلاح جذري داخل بنية النظام السياسي الكويتي لأنه يمثل تنازلا عن سلطات سياسية وامتيازات اقتصادية وأوضاع اجتماعية وتقاليد ثقافية بل وحالات نفسية. وفي هذا السياق, يطالب بعض أجنحة الحكم في الكويت بإعادة النظر في النظام الانتخابي القائم وإعادة توزيع الدوائر, قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة, لاعتبار باطن وهو الحد من نفوذ قوي المعارضة, ولاعتبار ظاهر وهو تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين المرشحين في التمثيل النيابي, التي تعتبر مفقودة في ظل النظام الحالي, حيث ان الإحصاءات تشير إلي أن الناخبين في الدائرة الأولي يمثلون17% من إجمالي الناخبين الكويتيين, في حين يمثل الناخبون11% في الدائرة الثانية, ويمثلون16% في الدائرة الثالثة, ويمثلون26% في الدائرة الرابعة, ويمثلون29% في الدائرة الانتخابية الخامسة, وهو ما يشير إلي التفاوت الصارخ بين أعداد الناخبين في الدوائر الانتخابية الخمس. ووفقا لوجهة النظر هذه, يعبر نظام الدوائر الخمس عن نوع من الظلم الفادح لدوائر معينة في سياق ديمقراطي, وهو ما يستلزم تعديلا محددا أو تغييرا معينا, تختاره الأغلبية العريضة من الشعب الكويتي, عبر اللجوء للاستفتاء الشعبي, وفقا لأساليب القياس العلمية, بغض النظر عن هوية أو ملامح هذا التغيير, إيجابياته أو سلبياته, إيجاد تقسيمة جديدة للدوائر أو الإبقاء علي التقسيمة القائمة, الأمر الذي يجب أن يتقبله الجميع من أبناء الكويت, ناخبين ومرشحين, موالاة ومعارضة, لأنه لا يمكن حسم المسألة سواء بإصدار مرسوم حكومي أو هيمنة رأي تكتل نيابي أو اللجوء لحكم دستوري, إذ أن كل الأطراف البارزة علي الساحة السياسية تحاول أن تصب التعديل في صالحها, سواء كانت الدائرة الانتخابية الواحدة أو الدوائر الخمس أو العشر أو الخمس والعشرين أو الثلاثين دائرة, بحيث يكون تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل متوازن وترسيم حدودها الجغرافية لتكون متناسقة مع وقائعها الديموغرافية, وضم بعض المناطق لدوائر وسحبها من دوائر أخري. خيارات مواجهة الأزمة إن هناك عدة خيارات مطروحة للتعامل مع الأزمة السياسية الراهنة. الخيار الأول, هو تشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية, بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة, بما يوفر لها المناعة الوقائية ضد الاستجوابات المكثفة التي قد تتعرض لها الحكومة, في مرحلة لاحقة, من خلال ضم ما يتراوح بين6 إلي9 وزراء, بواقع وزير لكل كتلة نيابية مع ضم عدد من المستقلين. ويتوافق هذا الخيار مع ما يشير إليه الدستور الكويتي بشأن الديمقراطية البرلمانية, وهو متعارف عليه في الديمقراطية المستقرة في العالم. وفي هذا السياق, تكون الكويت علي أعتاب بروز نظام سياسي حزبي بالكامل مع محاولة الاقتراب أكثر من النظام البرلماني الذي يدعي فيه ائتلاف الأكثرية في البرلمان إلي المشاركة الجدية في الحكم. قد يتطلب هذا الحل اعتماد مجموعة من الإصلاحات. فالأحزاب السياسية غير معترف بها بصورة قانونية في الكويت. لذلك, فإن الكويتيين لا يزالون يتداولون الآراء حول رغبتهم في تبني قانون للهيئات( الأحزاب) السياسية. والنظام الانتخابي نفسه يحتاج أيضا إلي إصلاح إضافي, يشمل فكرة تحويل البلاد إلي دائرة انتخابية واحدة, وهو الأمر الذي تتم مناقشته بتزايد اليوم.. وسوف يكون علي الأسرة الحاكمة أن تقتنع بضرورة السماح للمجموعات المختلفة من المجتمع بالمشاركة في السلطة وتحمل المسئولية, وليس مجرد إعطاء هذه المجموعات صوتا حرا. أما الخيار الثاني يتمثل في تشكيل حكومة توافق أو إنقاذ وطني تضم في عضويتها وزراء منتمين لكتل نيابية وتيارات سياسية داخل مجلس الأمة, سواء من الأغلبية أو الأقلية, بشرط توافقها علي الرؤي والبرامج والسياسات المطلوب تبنيها خلال المرحلة المقبلة, مع دخول عدد من الوزراء الذين دخلوا التشكيل الوزاري الأخير وأثبتوا كفاءة خلال فترة وجيزة في التعامل مع ملفات بعينها وبرزت تأثيرات ملموسة لهم مثل وزراء الإعلام والصحة والإسكان والتجارة. في حين يتمثل الخيار الثالث, في تشكيل حكومة مؤقتة حتي إجراء انتخابات برلمانية, ويتم اللجوء لتعيين أبناء الأسرة الحاكمة في الحقائب السيادية وتجاهل كتلة الأغلبية, هو خيار سوف ينتج حكومة هشة وضعيفة, ولا تحظي بغطاء نيابي, مما يعرضها لنفس الأزمات السابقة مع المجلس المنتخب الجديد, وهو ما يؤدي إلي الدوران في حلقة مفرغة, لا تقود إلي الاستقرار السياسي في البلاد. ومن ثم, فإن أفضل الخيارات للكويت هي التمسك بأحد الخيارين الأول والثاني حتي يجنبها الهزات المتتالية, لأن الأغلبية المعارضة تدفع في اتجاه حصاد أكبر عدد من المقاعد الوزارية خلال الحكومة المقبلة للشيخ جابر المبارك, ثم الحصول علي بعض الوزارات السيادية في مرحلة لاحقة, ثم التطلع لحيازة مقعد رئاسة الوزراء في مرحلة أبعد, وهو الربيع الكويتي الذي تتوق إليه القوي السياسية المعارضة منذ سنوات.