بالرغم من أن الهدف الأساسي للألعاب الأوليمبية هو نشر ثقافة السلام والتواصل بين الشعوب عن طريق المنافسة الرياضية الشريفة, إلا أنه من الواضح أن هذه المناسبات الرياضية الهامة أصبحت تستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية. وذلك بعد أن أثبتت الأحداث لجوء العديد من الدول والحكومات وجماعات الضغط وحتي الإرهابيين لاستغلال الوجود الإعلامي المكثف المصاحب دائما لهذه الأحداث الكبري لإيصال رسائل سياسية معينة. وقد رصد المراقبون علي مدار التاريخ الحديث للأوليمبياد أبرز الأحداث السياسية المصاحبة, كما صنفوها إلي ثلاثة مظاهر رئيسية هي الاحتجاجات والمقاطعة والعمليات الإرهابية. وقد بدأت أولي مظاهر الاستخدام السياسي للأوليمبياد في أوليمبياد برلين عام1936, وذلك لأن ألمانيا في تلك الفترة كانت تعتبر آخر مكان يمكن أن يستضيف هذه المناسبة الرياضية نظرا لروح العنصرية السائدة في ذلك العهد. وهو أمر عكس المثل والمباديء الأوليمبية, ويشير المؤرخون إلي أن الحزب النازي آنذاك بقيادة هتلر اتخذ من هذه المناسبة فرصة للدعاية لنفسه وللجنس الآري, وقد رفض هتلر خلال المسابقات تحية بطل ألعاب القوي الأمريكي الأسود جيسي أوينز مما اعتبر أكبر دليل علي توجهاته العنصرية. الاحتجاجات تعد الاحتجاجات من أبرز المظاهر التي يمكن أن تصاحب الدورات الأوليمبية, حيث يستغل المحتجون التغطية الإعلامية المكثفة لجذب الأنظار لاحتجاجاتهم السلمية, وتعد أولمبياد مكسيكو سيتي عام1968 مثالا علي ذلك, فمن المعروف أن هذا العام كان عام الاحتجاجات الشبابية حول العالم, وخلال الفترة التي سبقت انطلاق البطولات شهدت المكسيك نشاطا طلابيا غاضبا, وبسبب حرص الرئيس علي صورة بلاده مع اقتراب بدء المسابقات دفع بقوات الشرطة والجيش فوقعت اشتباكات وأعمال شغب, انضم للطلاب لاحقا أعضاء اتحادات العمال, وقبل عشرة أيام من افتتاح الأوليمبياد أطلقت الشرطة النار علي الطلاب فلقي العشرات مصرعهم, وأصيب مئات غيرهم, الحكومة من جانبها حاولت تبرير هذا العنف فوصفت الحركة الطلابية بأنها مؤامرة شيوعية, كما تعالت الدعوات المطالبة بإلغاء هذه الدورة لكنها أقيمت في موعدها, هذا الحادث كان له تداعيات كثيرة منها التركيز علي توفير بيئة سياسية ملائمة في البلد المضيف. المقاطعة علي مدي سنوات رفضت عدة دول المشاركة لأسباب سياسية في شكل مقاطعة منظمة, هذه المقاطعة عادة ما تهدف الي التأثير والتغطية علي الأوليمبياد نفسها, ليس فقط عن طريق التأثير الاعلامي, ولكن عن طريق إضفاء قدر من عدم المشروعية علي المنافسات بسبب قلة عدد الدول المشاركة, وتعد المقاطعة سلاحا متكرر الاستخدام علي مدار التاريخ, فعلي سبيل المثال في أوليمبياد ملبورن عام1956 قاطعت كل من هولندا وأسبانيا والسويد الدورة احتجاجا علي الاجتياح السوفيتي للمجر, كما قاطعت كل من مصر ولبنان والعراق احتجاجا علي العدوان الثلاثي. وفي عام1964 أصدرت اللجنة الأوليمبية الدولية قرارا بمنع جنوب إفريقيا من المشاركة في أوليمبياد طوكيو بسبب سياسة الفصل العنصري, وقد استمر هذا المنع حتي عام1992 مع سقوط هذه السياسة, وفي عام1976 رفضت32 دولة افريقية المشاركة بسبب قرار اللجنة الاولمبية الدولية السماح لنيوزلندا بالمشاركة, بينما كان فريقها للرجبي يقوم بجولة في جنوب إفريقيا الممنوعة أصلا من المشاركة. وعندما قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان عام1979 قبل اوليمبياد موسكو بعام, أعلن الرئيس جيمي كارتر أن بلاده لن تشارك احتجاجا علي هذا الغزو, وتضامنت معها بعض الدول الأوروبية, وكرد فعل علي هذا الإجراء قام الاتحاد السوفيتي آنذاك ومعه13 دولة من حلفائه الشيوعيين بمقاطعة اولمبياد لوس انجلوس عام1984 باستثناء رومانيا. وقبل أن تفوز كوريا الجنوبية بتنظيم أوليمبياد سول عام1988 قطعت اللجنة الاوليمبية الدولية شوطا طويلا من المفاوضات, حيث طرح أن تشارك الكوريتان في تنظيم هذا الحدث الرياضي, ولكن المفاوضات فشلت بسبب مشاكل تنظيم الانتقالات عبر الحدود, بعد فشل المفاوضات فضلت كوريا الشمالية المقاطعة, وشاركتها في القرار كوبا وإثيوبيا. وتعد هذه الدورة آخر الدورات التي تشهد مقاطعة حيث انهار الاتحاد السوفيتي, وتلاشي معه التأثير السياسي لقرار المقاطعة, ولأول مرة في أوليمبياد برشلونة عام1992 تشارك كل الدول بما فيها جنوب إفريقيا بعد رفع الحظر عنها وتشارك ألمانيا كدولة موحدة. الإرهاب اعتبرت الهجمات الإرهابية واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه هذا الحدث الرياضي الكبير, ليس فقط بسبب خسارة الأرواح, ولكن كذلك بسبب التداعيات السياسية المترتبة عليه, وتعد أوليمبياد ميونخ1972 أبرز مثال علي ذلك, ومنذ ذلك الحين أصبحت الإجراءات الأمنية من أهم العوامل الحاسمة في ترجيح اختيار دولة عن أخري, وفي تلك الدورة قامت مجموعة من الفلسطينيين من منظمة أيلول الأسود بالتسلل للقرية الأوليمبية واحتجزوا11 رياضيا إسرائيليا كرهائن, وذلك احتجاجا علي اعتقال234 فلسطينيا في سجون الاحتلال, وقد طلب الخاطفون طائرة لمغادرة ألمانيا مع الرهائن, وفي المطار حدث تبادل لإطلاق النار, وأسفرت المواجهات عن وفاة الرهائن وبعض خاطفيهم الفلسطينيين, وقد توقفت المنافسات لمدة24 ساعة وأقيمت صلاة في الاستاد حضرها80 ألف شخص, وكان التأجيل حدثا غير مسبوق.