تشهد الولاياتالمتحدةالامريكية فى الآونة الحالية جدلا شديدا حول حدود الدين العام، اذ ترغب الإدارة فى زيادة الحد الأقصى لدين الحكومة والمقدر بنحو 20 تريليون دولار. وترى ان الظروف التى تمر بها البلاد حاليا خاصة إعصارى ارما وهارفى اللذين تقدر تكلفة الخسائر الاقتصادية الناجمة عنهما بنحو 300 مليار دولار (حوالى 1.5% من الناتج المحلي) وهو ما يتطلب رفع هذا الحد حتى تتمكن من مواجهة هذه المشكلات وهو ما تعارضه بعض التيارات داخل الكونجرس، الامر الذى يمكن ان يعرض الموازنة لعدم الاعتماد ومن ثم المزيد من الخسائر، وهو ما يجب الانتهاء منه قبل بداية السنة المالية فى الأول من أكتوبر، مثلما حدث منذ أربع سنوت تقريبا حين رفض الحزب الجمهورى التصديق على الموازنة قبل الإعلان عن تأجيل الإصلاحات فى قطاع الرعاية الصحية التى أراد باراك أوباما إجراءها. كما حذرت وكالة التصنيف الدولية «فيتش» واشنطن، من أنه فى حال تكرار ما حدث عام 2013، فإنها ستعيد النظر فى تصنيف الولاياتالمتحدة الذى هو حاليا «AAA». وعلى الرغم من ان الجميع يرى ضرورة رفع سقف الدين الا ان كلا منهم له شروط معينة مقابل هذه الموافقة وهنا يتبادر الى الذهن مباشرة وماذا عن الوضع فى مصر إذ إنه وعلى الرغم من عدم وجود آلية قانونية لوضع حد أقصى على الدين الحكومى إلا ان الأوضاع الراهنة تتطلب إعادة النظر فى هذا الوضع، خاصة. بعد ان تفاقم عجز الموازنة العامة وأدى الى المزيد من الاقتراض ومن ثم زيادة الدين العام. ورغم أن الحكومات تستطيع الاقتراض الى ما لا نهاية، إلا أنه ينبغى عليها، على المدى البعيد التمتع بالقدرة المالية على الوفاء، على الأقل بجزء من تكاليف الفوائد المستحقة عليها، دون اللجوء الى الاقتراض من جديد، وإلا فإن مستوى الدين سوف يأخذ فى الارتفاع بصورة مستمرة. ولا يستثنى من ذلك سوى قيام الحكومة باستخدام الموارد بكفاءة عالية جدا، بحيث ينمو الاقتصاد بشكل مستمر ويزيد عن سعر الفائدة الحقيقى المستحق على الدين الحكومي. وبالتالى تركز الكتابات الحديثة فى المالية العامة على فكرة الاقتدار المالي، وهى تشير ببساطة إلى إن السياسة المالية تصبح غير قابلة للاستمرار إذا أدت إلى تراكم الدين العام بشكل يفوق قدرة الحكومة على خدمة هذا الدين على المديين المتوسط والطويل. لذا فإن تقييم هذه الأوضاع على أنها غير قابلة للاستمرار فى المستقبل قد يشير إلى ضرورة إجراء تغييرات فى السياسة الراهنة. وبمعنى آخر يجب ان تسعى الدولة دائما الى التأكد من قدرة اقتصادها على تحمل مستوى الدين العام ومعدل نموه، ومن إمكانية خدمة هذا الدين فى جميع الظروف والاحتمالات المختلفة. وعلى الرغم من ذلك فان الأدبيات لم تنبئنا بنسبة معينة من الدين العام الى الناتج يمكن اللجوء إليها بحيث يصبح تجاوزها يهدد الاستقرار الاقتصادى الكلى. وان كان البعض قد لجأ إلى النسبة التى تم التوصل إليها فى إطار اتفاقية ماسترخت للوحدة الأوروبية وهى 60 %، إلا إن هذه النسبة يؤخذ عليها عدة أمور أولها ان هذه النسبة وضعت فى إطار الاتفاق على التوحيد النقدى أى إنشاء عملة أوروبية موحدة، وهو أمر يختلف تماما عن تقييم السياسة المالية فى حد ذاتها. ثانيا ان هذه البلدان تختلف اختلافا كبيرا من حيث مستوى التطور الاقتصادى والاجتماعى بها، وبالتالى لا يجوز اللجوء إليها باعتبارها المرجعية الأساسية فى هذا المجال. ومن ثم فان تحديد مستوى معين للدين العام يتوقف على طبيعة كل دولة على حدة ومدى التطور الاقتصادى والاجتماعى والظروف المحيطة بها والاحتمالات المستقبلية للنمو. مع الأخذ بالحسبان أن استمرار عجز الموازنة، لا يؤدى بالضرورة الى ارتفاع نسبة الدين العام، حتى لو كان التمويل بالاقتراض، إذا كان معدل نمو الناتج المحلى أعلى من سعر الفائدة على الدين العام. وبالتالى فإن افتراض سعر فائدة أقل، من معدل نمو الناتج المحلى، هو العامل الحاسم فى وجود سقف محدد لنسبة الدين العام. فإذا كان الناتج فى حالة نمو مستمرة، وإذا كانت نسبة مصروفات خدمة الدين ثابتة، فإن ذلك لا يثير مخاوف كبيرة. وذلك لأن الاقتصاد فى حالة نمو تسمح بزيادة الإيرادات الضريبية. وهكذا يكون الدين العام، وما يترتب عليه من أعباء مالية فى الحدود الآمنة. وبعبرة اخرى فان القدرة على تحمل الدين تتوقف على سعر الفائدة ومعدل النمو الاقتصادى ونسبة الرصيد الأساسى للموازنة (اى العجز الاولى للموازنة وهو عبارة عن العجز الكلى مطروحا منه مدفوعات الفائدة إلى إجمالى الناتج). وطالما ان سعر الفائدة على الدين العام يتجاوز المعدل الأسمى للنمو فان الدين العام سوف يميل إلى النمو بوتيرة أسرع من إجمالى الناتج المحلى، إلا إذا كان لدى البلد فائض أساسى فى الموازنة. وبالتالى فإن استهداف سقف محدد لنسبة الدين يتطلب سياسة اقتصادية تحقق نموا اقتصاديا أعلى من سعر الفائدة، وفى الوقت نفسه تحقق عجزا أساسيا لا تزيد نسبته عن مقدار محدد. وهنا تشير الإحصاءات الى ان اجمالى الدين العام المحلى المستحق على أجهزة الموازنة قد ارتفع من 808 مليارات جنيه فى نهاية يونيو 2010 الى 3121 مليارا فى نهاية يونيو 2017 مع ملاحظة ان نسبته الى الناتج قد ارتفعت من 67 % الى 92% خلال نفس الفترة. وعلى الجانب الآخر فقد ارتفعت قيمة خدمة الدين الحكومى (داخلى وخارجي) من 99 مليار جنيه عام 2009/2010 الي579 مليارا عام 2016/2017 شكلت الفوائد نحو307 مليارات بنسبة 26.3% من إجمالى مصروفات الموازنة وبلغت الأقساط المسددة خلال نفس العام نحو272 مليار جنيه. وعلى الجانب الآخر تشير الإحصاءات الى ارتفاع أسعار الفائدة على اذون الخزانة من متوسط 11% عام 2014/2015 الى 18% عام 2016/2017 وتصل حاليا الى 20% تقريبا وهو ما يؤدى الى زيادة عبء الدين العام المحلى ومن ثم زيادة عجز الموازنة والتى تلجأ بدورها الى طرح المزيد من الاوراق المالية الحكومية، وهكذا ندخل فى دائرة مفرغة وتفاقم من عجز الموازنة العامة للدولة. مما سبق يتضح لنا ان الدين العام الحكومى يحتاج الى وضع استراتيجية متكاملة لإدارته ادارة اقتصادية سليمة تضمن عدم تعرض الاقتصاد القومى لأى ازمات مالية او اقتصادية، وبالتالى يجب ربط إدارة الدين العام بإطار اقتصادى كلى تسعى الحكومة من خلاله لضمان القدرة على الاستمرار فى تحمل مستوى معين للدين وتدبير التمويل من القطاع غير الحكومى لتغطية الاحتياجات وتخفيض تكلفة الاقتراض الى أدنى حد، أخذا بالحسبان التنسيق مع السياسة النقدية. مع علاج المشكلة الأساسية الخاصة بعجز الموازنة. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى