التوقعات دونالد ترامب من منصبه سبقت حتى إعلان فوزه رئيسا. ففى سبتمبر 2016 خرج أستاذ التاريخ الأمريكى آلان ليشتمان- والمعروف بأنه صاحب التوقعات الدقيقة بشأن الفائز بالرئاسة منذ عام 1984 وقال إن ترامب سيتفوق على منافسته الديمقراطية متعارضا مع إجماع استطلاعات الرأى والتى كانت تدعم هيلارى كلينتون، وزاد أن رئاسة ترامب ستكون قصيرة. وأن السؤال الحقيقى ليس إن كان سيتم عزله أم لا، بل متى تحديدا ستبدأ إجراءات العزل؟. وساق ليشتمان ما ضمنه لاحقا فى كتاب كامل بعنوان «قضية العزل» صدر فى ابريل الماضى أسبابا وجيهة لعزل الرئيس الجديد، وجادل أن ترامب فاز تأكيدا لقاعدة سياسية راسخة بعدم اختيار أهل أمريكا رئيسين متتاليين من حزب واحد، وتنفيسا عن غضب الفئات البيضاء ذات التعليم المتوسط والدخول المتواضعة من تولى سلفه أوباما ذى البشرة الداكنة، ولكن، وفقا لليشتمان، فهذا كله لن يؤمن له مواصلة ولايته الأولي، وذلك لكونه من خارج المؤسسة السياسية الأمريكية، ولخصاله الشخصية من تمرد يصعب معه توقع تصرفاته ويجعله فى تصادم مستمر مع أرباب هذه المؤسسة. وزاد ليشتمان مرة ثانية بالإشارة إلى ما تفجر أثناء الحملة الانتخابية من قضايا علاقات ترامب النسائية، واتهامات بتضارب المصالح بين دوره الرئاسى وكونه أحد أباطرة المال والأعمال فى الولاياتالمتحدة، واعتبرها مجرد « بروفات» لمشروع العزل. لكن التنفيذ الحقيقي، والعهدة على ليشتمان، سيكون بدعوى إضراره بالأمن القومى الأمريكي، وهو ما يبدو محتملا مع تصاعد التحقيقات الجارية بشأن توجيه روسيا لمجريات الانتخابات الأمريكية الأخيرة وتعاونها مع حملة ترامب حينذاك. الفرضية مطروحة من البداية إذن، وتبدو شخصية ترامب أبرز عوامل إحكام خطة عزله، فقد أثبت بعد مرور 6 أشهرعلى توليه منصبه، أنه أكثر جموحا من أن يلتزم بقواعد وبروتوكولات العمل السياسى الأمريكي، فهو لايزال يستخدم حسابه على موقع التواصل «تويتر» كمنصة إعلامية رسمية ومباشرة لمخاطبة الرأى العام الأمريكي، متسببا فى كثير من الجدل وكثير من الإحراج لأفراد إدارته ذاتها، ويضاف إلى ذلك دور «الميديا» الأمريكية فى توجيه مشروع العزل المحتمل. المقصود ليس تكتلا تآمريا من جانب الميديا فى مواجهة ترامب، لكنه انقسام قطاع الميديا بين مؤيد ومعارض على طول الخط الأيديولوجى وبما يتعارض مع مثاليات الحيادية، ونتج عن استفحال الانقسام، شراسة فى المواجهة، وهكذا التزمت وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الليبرالى بالتفنن فى استعراض أخطاء ترامب، حتى بلغت حد إعداد الرأى العام الأمريكى لتقبل فكرة العزل وكأنه واقع وشيك، فمثلا، نشرت «واشنطن بوست» يوم الثانى من أغسطس مقالا بعنوان «ترامب صارخا: أرجوكم اعزلوني»، مركزا على تراجع شعبية الرئيس إجمالا من 42% إلى 36% مطلع يوليو، ومشيرا إلى أن معدلات دعمه حتى بين قاعدته الانتخابية تراجعت بشكل واضح مع تعثره فى تنفيذ أغلب وعوده الانتخابية. ويزداد مشروع العزل قوة بفعل المعارضة الديمقراطية التى رغم أنها تشكل الأقلية فى الكونجرس بمجلسيه، فإنها نجحت حتى الآن فى إرباك برنامج ترامب التشريعى وتوظيف بعض أشكال الانقسام فى الصف الجمهورى لدرجة ما جرى أخيرا من الإيقاع بمشروع الإدارة الترامبية لاستبدال برنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية. والأغلب أن المعارضة والمؤسسة السياسية ككل ستلعب ببطاقة الانقسام الجمهورى والهوة التى بدأت تتسع بين ترامب وحزبه لترويج فكرة استبدال الرئيس بجمهورى آخر حتى إجراء الانتخابات الجديدة خلال ثلاث سنوات ونصف السنة.