بدأت معركة مدينة دير الزور الحاسمة للأزمة السورية، والتى تعد البوابة الرئيسية للحدود السورية مع العراق، والطريق الواصل بين بغداد ودمشق، وهى أكبر مدن الشرق السورى والبادية، وعند سيطرة القوات السورية عليها تكون قد حققت انتصارا استراتيجيا ينهى الصراع الطويل حول الحدود مع العراق، ويفتح طرق التواصل بين سوريا وكل من العراقوإيرانوالعراق. انطلقت قوات الجيش السورى إلى دير الزور من ثلاثة محاور، الأول من تدمر فى الوسط، ليسيطر على مدينة السخنة، خط الدفاع الأول لقوات داعش عن دير الزور، وانطلق المحور الثانى من قرب الحدود الأردنية وأحاط بقاعدة التنف الأمريكية، ليقطع الطريق على أى محاولة للمسلحين المدعومين من أمريكا للتقدم نحو الحدود مع العراق، ونجح هذا المحور فى الوصول إلى مشارف مدينة البوكمال المواجهة لمدينة القائم العراقية على الضفة الثانية من نهر الفرات، أما المحور الثالث فتحرك بشكل مباغت من جنوب الرقة ليخترق الحدود الإدارية لمدينة دور الزور، ليكون أول المحاور الواصلة إليها، ويمنع أى محاولة للقوات الكردية المدعومة أمريكيا من الوصول إلى دير الزور من الشمال. كانت الحامية السورية لمدينة دير الزور قد احتفظت بعدة أحياء حيوية داخل المدينة، ولم تنسحب أمام قوات داعش، وتحملت الحصار قوات داعش لمدة تربو على 3 سنوات، دافعت فيها بضراوة عن وجودها، وأصبحت هذه القوات كأنها نقطة فى صحراء مترامية تسيطر عليها قوات داعش من جميع الاتجاهات ولمسافات طويلة، وقد أعانها على الصمود استمرار سيطرة القوات السورية على مطار دير الزور القريب من المدينة، والذى دافعت عنه باستماتة، لأنه شريان الحياة الوحيد للقوات المحاصرة، لكن قوات داعش تمكنت بدعم أمريكى من قطع الطريق بين المطار وحامية المدينة، عندما شنت هجوما مباغتا على جبل الثرد ومنطقة المقابر بعد غارات جوية أمريكية مكثفة على القوات السورية، قالت إنها جرت بالخطا، ورغم الحصار الطويل والصعب لم تفقد القوات السورية السيطرة على شطر من المدينة والمطار، ومع انطلاق الهجوم السورى لتحرير دير الزور، تمكنت القوات السورية المحاصرة من شن هجوم مفاجئ لإعادة ربط المطار بالمدينة تحت غطاء الضربات الجوية للطائرات الروسية والسورية، وفى المقابل أطلق تنظيم داعش النفير العام لمواجهة زحف القوات السورية من المحاور الثلاثة ومن داخل المدينة، قبل أن تنجح القوات السورية فى التطويق الكامل لقوات داعش فى الصحراء السورية، وتفصلها عن بقايا قوات دعش فى العراق، وتنهى أى آمال لقوات داعش فى البقاء. ظلت دير الزور من أهم أهداف كل من التحالفين الأمريكى والروسى ومسلحى داعش، فمن يسيطر على دير الزور سيتحكم فى واحدة من أهم أوراق الأزمة وهى الحدود السورية العراقية، وسعت الولاياتالمتحدة مرارا للسيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية، وجرت أولى محاولاتها قبل عام عندما دفعت بقوات تسمى «جيش سوريا الجديد» للسيطرة على مدينة البوكمال، لكن المحاولة منيت بفشل زريع، وانسحبت القوات بعد أقل من يومين، وجرى حل جيش سوريا الجديد، وتشكيل قوات تسمى «مغاوير الثورة»، دربتها القوات الأمريكية فى الأردن، وزودتها بأسلحة متطورة، إلى جانب تشكيل «جيش أسود الشرقية» من مسلحين من العشائر السورية، والتعاون مع فصيل يسمى «قوات أحمد العبدو» لكن قبل أن ينتهى إعداد هذه القوات للانطلاق من منطقة التنف قرب الحدوج الأردنية نحو الحدود السورية مع العراق، شنت القوات السورية وحلفاؤها هجوما مباغتا طوق منطقة التنف وعزلتها عن باقى الأراضى السورية، لتفقد القاعدة الأمريكية فى التنف أهميتها، وهو ما دفع القوات الأمريكية لشن غارات انتقامية على الجيش السورى بدعوى أنه كان يستعد لشن هجوم كيماوي. كان تحرير الموصل قد أعطى دفعة قوية للقوات السورية للتقدم شرقا، بعد الانهيارات فى صفوف داعش، ونجاح قوات الحشد الشعبى العراقية فى الوصول إلى الحدود السورية، وفتح جزء من الحدود، لتلتقى قوات الحشد الشعبى مع الجيش السورى شمال التنف، لكن الولاياتالمتحدة ضغطت على العراق لتأجيل التقدم والسيطرة على الحدود مع سوريا إلى ما بعد تحرير تلعفر والحويجة. وجاءت الأزمة القطرية وتأجج الخلاف السعودى التركى فى مصلحة الجيش السوري، الذى أخذ يقضم البادية السورية، ويبسط سيطرته على مناطق واسعة من الصحراء، التى تحتوى على معظم حقول النفط والغاز السورية، بالإضافة إلى أهميتها فى فتح طرق التواصل مع العراقوإيران. لا يبدو أن التحالف الأمريكى قادر على تغيير مسار المعركة حول الحدود السورية العراقية، ولن يكون بمقدور بقايا قوات داعش المنهارة الصمود طويلا أمام الهجمات السورية على المحاور الثلاثة، وأصبحت سيطرة الجيش السورى وحلفائه على دير الزور ومن بعدها الحدود مع العراق مسألة وقت لا أكثر، لتتراجع طموحات التحالف الأمريكى فى سوريا، الذى لم يعد يسيطر إلا على بضع قواعد فى المنطقة ذات الأغلبية الكردية فى الشمال، وجيب صغير قرب حدود سوريا مع الأردن، لتتقلص طموحات التحالف الأمريكى فى سوريا إلى المطالبة بحكم ذاتى للأكراد وسحب إيران وحزب الله قواتهما من سوريا، حتى لا تشكل تهديدا لإسرائيل، مقابل القبول بسوريا موحدة دون تغيير النظام، وترك المعارضة السورية اليائسة والمفككة لتخوض مفاوضات سياسية دون أى أوراق ضغط ذات أهمية، بعد الحسم العسكرى للحرب السورية فى الميدان، وآخرها معركة تحرير دير الزور والحدود السورية مع العراق. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد