ما بين الترحيب والإشادة، والمخاوف والتساؤلات، تراوحت آراء خبراء التعليم في مقترح نظام الثانوية العامة التراكمي الجديد، الذي تم طرحه للحوار المجتمعي، لكنهم أجمعوا علي ضرورة البدء في إصلاح البنية التحتية للتعليم، وتطوير المناهج، وتدريب المعلمين وتأهيلهم، وإعداد الطالب، والتغلب علي مشكلة الكثافات المرتفعة في الفصول الدراسية. يقول الدكتور محمد المفتي، أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس: هذا النظام لن يكون في مصلحة الطالب ولا أولياء الأمور، ويرفض المفتي النظام المقترح، ويري أنه سيزيد من الدروس الخصوصية، ويؤدي إلي تحميل أولياء الأمور عبئا ماديا ونفسيا، فضلا عن الأعباء التي ستقع علي الطلاب، إذ إن الطالب لن يخرج من دوامة الدروس الخصوصية طيلة الثلاث سنوات، ولن يجد وقتا للراحة، وهو أمر مرفوض تربويا، واجتماعيا، واقتصاديا، ولعلنا نتذكر ما حدث حينما تم اعتماد درجات الثانوية العامة علي عامين الثاني والثالث الثانوي، حيث تسبب هذا النظام في استفحال الدروس الخصوصية، فما بالنا عندما تصبح الثانوية 3 سنوات وفقا للنظام المقترح؟. ويضيف المفتي: أنا ضد هذا النظام، وهو في تقديري نظام خاطئ، ذلك أن عملية التطوير تحتاج إلي متخصصين يتمتعون بالخبرة والكفاءة في المجال التعليمي، مشيرا إلي أن اختبار القدرات كنظام للالتحاق بالجامعة لا غضاضة فيه، إذ يجري تطبيقه منذ سنوات في بعض الكليات كالفنون الجميلة والتطبيقية. من جانبه بادر الدكتور سامي نصار، عميد كلية الدراسات التربوية سابقا، بالسؤال: هل لدينا الإمكانات التي تجعلنا نستطيع تطبيق هذا النظام، بما يضمن تحقيق النزاهة والعدالة وتكافؤ الفرص عند التطبيق علي أرض الواقع، وهل قمنا بتدريب الطالب علي النظام المقترح؟.. وهل هو مؤهل لذلك، وهل قمنا بتدريب المعلمين؟.. ثم ما هي المتطلبات الأساسية لتطبيق هذا النظام؟.. وهل ثقافة المجتمع مواتية لتحقيق ذلك؟.. ثم ألن يخلق النظام المقترح بشأن مشروعات التخرج مراكز خاصة حول المدارس لإعداد مشروعات التخرج بمقابل مادي دون أن يستفيد الطالب شيئا؟ وأضاف: إذا كانت هناك إرادة حقيقية لإصلاح نظام التعليم في مصر، فلابد أن نبدأ من البداية، علينا إعادة النظر في المناهج التي تشجع علي الحفظ والتلقين، ولا تنمي الفكر والإبداع لدي الطالب، وعلينا أيضا التغلب علي مشكلة الكثافة في الفصول الدراسية، وعلينا تدريب المعلمين، ونعمل علي تطوير البنية التحية في المدارس أولا، قبل أن نتحدث عن نظام منفصل لتطوير الثانوية العامة وحدها، دون أن نبدأ من أسفل النظام التعليمي. ويري الخبير التعليمي الدكتور عبدالناصر عوض أحمد، أستاذ ورئيس قسم خدمة الفرد بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان، أن مشروعات تطوير التعليم يجب أن يتم طرحها للمناقشة والتحاور والعرض علي المجالس العلمية المتخصصة للرأي والمراكز البحثية، وأن تجري حوارات مجتمعية حتي يمكن الإلمام بكل وجهات النظر العلمية وعدم إصدار قرارات غير دقيقة فإذا أخذنا علي سبيل المثال عملية إغلاق مكتب التنسيق نهائيا لكثرة مشاكله فإن ذلك قد يلقي الرفض التام من قبل الطلاب والأسر، لأننا بكل أسف مازلنا في مجتمعات لا تعتمد علي الموضوعية ولا المنهجية بالدقة المطلوبة وإنما تعتمد علي الهوي والمجاملات والمحسوبية والوساطة، ومن ثم فإن إلغاء مكتب التنسيق سيؤدي إلي فتح أبواب كثيرة خلفية للدخول إلي كليات وتخصصات دون وجه حق، وقد يحرم الاكفاء والمتميزين وأصحاب المواهب والقدرات الفعلية من دخول الكليات التي يرغبون فيها ولكن يمكن لكل جامعة أن تنشئ مكتب تنسيق خاصا بها داخل الجامعة ويكون التقديم علي أساس جغرافي فقط، وأن تقوم بإجراء اختبارات خاصة للطلاب لكل كلية بجانب إجراء تنسيق أساسي للدرجات مبني ليس بالضرورة علي أن من يحصل علي المجموع الذي يؤهله للكلية يدخل هذه الكلية ما لم تتوافر له قدرات الدراسة داخل هذه الكلية. من خلال إجراء اختبارات خاصة للطلاب المتقدمين لكل كلية مع تأكيد ضرورة توافر الموضوعية والحيدة والنزاهة والابتعاد عن الهوي. والأمر الخاص بالاعتماد علي المجموع التراكمي بدلا من مجموع السنة الثالثة أمر مهم جدا ويجعل الطالب متحفزا ونشيطا وفي عمل واجتهاد متواصل لتراكم المعارف والعلوم والبحث ومن ثم تراكم الدرجات لديه، ولكن المجموع التراكمي سيجعل السنوات الثلاث بالثانوية العامة عبئا من ناحية الدروس الخصوصية. ويؤكد الخبير التعليمي موافقته علي هذا المشروع التراكمي للدرجات بشرط الإلغاء التام والنهائي للدروس الخصوصية حتي يؤتي النظام التراكمي ثماره. في حين يؤكد الدكتور الصاوي الصاوي أحمد، الأستاذ بكلية الآداب جامعة بنها، أن النظام التراكمي للدرجات بالثانوية العامة نظام جيد جدا، ولكن يحتاج إلي ضبط في اختيار المقررات حتي لا يتعارض مع مهارات الطالب نفسه. وبالنسبة لاختبار القدرات يجب أن يكون هناك اختبارات «أون لاين» علي الانترنت لتأهيله للكلية التي تناسب ميوله ورغباته وقدراته، وهذا سيلغي نظام مكتب التنسيق والذي لا يوجد مثيل له في معظم دول العالم المتقدمة. كل هذا يحتاج إلي أسلوب وطريقة لإتاحة فرص العمل والإعلان عن فرص العمل المتاحة في السوق وتحديد مهارات كل مهنة حيث يتم عمل حصر شامل لجميع فرص العمل ومهارات كل فرصة وذلك لاختيار المقررات والمناهج الدراسية والمناسبة لهذه الكلية وحتي بعد التخرج يجد فرص العمل المناسبة له. فمجموع الثانوية العامة ليس المحك الرئيسي لقدرات الطلاب، علي أن يكون مثلا 50% من المجموع الكلي التراكمي للطالب، متوقفا علي المعارف التي يحصلها و25% علي الأنشطة التي يمارسها مثلا و25% علي الابتكارات والأبحاث والإبداع. وهذا النظام التراكمي للدرجات بالثانوية العامة يقضي علي عملية الحفظ والتلقين والإجابات النموذجية، التي تكون عثرة في مستقبل طالب الثانوية العامة.