رحل عنا واحد من أبرز كتاب الصحافة المصرية والعربية وأكثرهم مهنية وإستقلالا وإحتراما لصدق الكلمة وشجاعة الرأي, ولا أظن أن الصحافة المصرية رغم ما تذخر به من نجوم زاهرة يمكن أن تعوض بسهولة كاتبا مرموقا في قامة سلامة أحمد سلامة. يجمع في شخصه فضائل مهنية وأخلاقية عديدة قل أن تجتمع في شخصية واحدة, ناصع الرأي قوي الحجة واسع المعرفة بأحوال مصر والعالم شديد الإعتزاز باستقلال قلم, يتميز بالموضوعية والرصانة ووضوح الفكر ودقة التعبير وشجاعة الموقف, لا يزعق ولا يستعرض ولا يتلون ولا يبتذل المواقف ولا يقول الكلام علي عواهنه, يختصر المقدمات الي قلب الحقيقة, ويقول رأية النافذ في هدوء ووضوح يضاعفان من مصداقية كلماته, وهو فوق ذلك كله صاحب أدب جم وخلق رفيع, ولهذه الأسباب كان موضع إحترام وإجماع كل الصحفيين, وكان محل تقدير لجمهور واسع وعريض من القراء. تزاملت مع سلامة لأكثر من20 عاما في صحيفة الأهرام بعد أن جاء به الأستاذ محمد حسنين هيكل من جريدة الأخبار, حيث عمل لفترة غير قصيرة مراسلا صحفيا في ألمانيا يتابع ما يجري في أوروبا, ويكتب رسائل وتقارير صحفية لفتت إنتباه القراء تتميز بدقة الخبر وعمق المعالجة وشمول التغطية, وكان إلتحاق سلامة بالأهرام موضع حفاوة كل الصحفيين في الصحيفة الذين كانوا يرون في وجوده وسطهم إضافة مهمة تزيد من تميز الأهرام وتنوعها. ولا أذكر علي إمتداد الأعوام التي تزاملنا وتجاورنا خلالها في الأهرام إنني رأيته علي غير الصورة الأولي التي عرفتها, ودود هادئ الطبع لا تفارق الإبتسامة الخفيفة وجهه, يتقن عمله ويحسن التعامل مع أقرانه ويصادق شباب الصحفيين, لايداهن ولا يكذب ولا يورط نفسه في خصومات ومنافسات عقيمة, ورغم أن سلامة كان يعاني من مرضه العضال منذ فترة, إلا أنه تحمل بشجاعة أعباء هذا المرض وآلامه, لم يسمح للمرض أن يهزمه أو يغير شخصيته أو يؤثر علي سلوكه او يسيطر علي تفكيره وظل يؤدي واجبه كما أعتاد علي الوجه الأكمل تعلو وجهه إبتسامته المعهودة ويدافع عن قضايا وطنه وكأنه سوف يعيش ألف عام, رغم أنه يعرف أن وقت الرحيل أدني من حبل الوريد. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد