ونأتي مع فضيلة الشيخ د. علي جمعة ورجاله الذين أظهروا عبر بحوث مضنية حقيقة صحيح الإسلام ورفض التأسلم الذي لا يعتد إلا برأي واحد قطعي لا يجوز الاجتهاد في بحثه ولا يقبل إعمال العقل، فالاجتهاد قد يأتي برأي أو رؤية جديدة تتفهم الآيات أو الحديث وتبذل الجهد في تأويلها، ولأن لا أحد يملك اغلاق باب الاجتهاد او الانفراد فإن الاجتهادات البشرية والتأويلات التي تنتجها آلاف مؤلفة من العقول الساعية نحو الفهم سوف تختلف بل وقد تتضاد وتتناقض وهنا يعتبر الخوارج القدامي والمعاصرون أن هؤلاء المجتهدين خارجون علي الملة لأن الاجتهاد يعترف بحق الاختلاف والتنوع ومن اصاب له اجران ومن اخطأ له أجر.. ونقرأ في المجلد الرابع من موسوعة الرد علي خوارج العصر تأليف أحمد ممدوح سعد أمين الفتوي بدار الافتاء وعنوانه الفرعي مسائل من علمي اصول الفقه والقواعد الفقهية لنتوقف أمام حديثه عن الاجتهاد ونقرأ الاجتهاد وهو المشقة وبذل جهد الطاقة ومناطه افتعال. وفي الاصطلاح هو بذل الوسع في التوصل لحكم شرعي عملي بطريق الاستنباط. ويفسر الاستاذ احمد ممدوح بذل الوسع أي يواصل الانسان البحث حتي يحس من نفسه العجز عن طلب المزيد كي لا يستشعر لوما عن التقصير في البحث وهو يسمي عند المتكلمين مجتهدا، ويستند أهل السنة في اجتهادهم إلي الاية الكريمة ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (النساء/ 83) وإلي قول الرسول إذا حكم فاجتهد ثم اصاب فله اجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله اجر (رواه البخاري). ويقول المؤلف ومشروعية الاجتهاد مما لا خلاف فيه عند أهل العلم مادام صادرا من اهله (ص52) ثم يأتي بنا إلي مسألة مهمة اختلفت فيها الاجتهادات وليأذن القارئ في أن نتوقف عندها لأهميتها القصوي في أيامنا هذه وهي مسألة تغطية وجه المرأة ونقرأ ومن المسائل الظنية التي وقع فيها الخلاف بين العلماء قديما وحديثا. مسألة تغطية وجه المرأة ولم يكن ذلك الخلاف حاصلا إلا لعدم وجود ادلة قطعية فيها. وهنا نلاحظ أن خوارج العصر ينكرون وجود الخلاف اصلا حولها ويدعون أن ثمة إجماعا علي وجوب ستر وجه المرأة، ويري هؤلاء الخوارج أن كثيرا ممن يتطرق إلي هذه المسألة ليس مهتما بالانتصار للشريعة ولا للسنة وإنما كل سعيه يتجه للتغريب، فهو يستغل الخلاف الفقهي لإثارة القضية أولا ثم ينتقل بعد ذلك إلي تثبيت اجندته التغريبية. ومنهم من قال إنه حتي لو كان مباحا في الماضي فإنه في ايامنا يفتح باب التبرج علي مصراعيه وبه تتجرأ النساء علي ارتكاب الأفعال الذميمة. وأنه لو كان حقا في الماضي لوجب إخطاؤه الآن. ويأتي المؤلف إلي قول شديد القبح وجه المرأة كفرجها وفات المؤلف أن هذا القول ردده أخيرا أحد قضاة الشرع الداعشيين في سوريا (ص56) ونمضي قدما مع المؤلف لنقرأ ونطالع في أقوال العلماء في مسألة حكم كشف الوجه فقد اتفق العلماء أن الزي الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة أن يكون ساترا لبدنها إلا الوجه والكفين والذراعين والقدمين. ولكننا نواجه الآن بالخوارج المعاصرين وهم يعتبرون النقاب فريضة ويقول المؤلف حصل أن نقل مولانا الامام سيدي الشيخ علي جمعة مرة عن مذهب مالك انه يقول ببدعة تغطية الوجه، فقام عليه الجهلة والأغرار مكذبين اياه طاعنين في دينه، منتقصين من علمه والحق ان الصواب في جانب شيخنا وأن الأحق بالطعن والانتقاص هو الجاهل المتسرع والذي يسطو علي العلوم وهو من غير أهلها (ص66).. فقد قال سيدي الدردير في شرح المختصر إن تغطية المرأة وجهها في الصلاة مكروهة لأنها من الغلو، ويقول العلامة الشيخ محمد عليش في أن انتقاب المرأة أي تغطية الوجه إلي عينيها سواء كان في الصلاة أو خارجها يكره لأنه من الغلو في الدين ما لم تكن من قوم عادتهم ذلك. ويمضي الأستاذ احمد ممدوح قائلا ويحصل في بعض لاحوال ان تري الزوجة ستر وجهها ويري الزوج ألا تفعل..وطاعة الزوج واجبه. ثم يأتي بنا المؤلف إلي موضوع الإجماع، ويشرح لنا الامر ووقوع الاجماع.. كالإجماع علي الصلوات الخمس وعلي اركان الاسلام الخمس وغيرها من الاحكام التي اتفق عليها جميع أهل الاسلام ولا خلاف بين المسلمين عليها. ويقول البعض هذه الاشياء تثبت بالتواتر فترد علي هؤلاء بأن التواتر يستند إلي الاجماع. والاجماع حجة من جملة الحجج الشرعية وهو امر متفق عليه، ولم يخرق هذا الاتفاق إلا من لا عبرة بخلافهم من الطوائف كالخوارج. المبتدعه ولا يعتد بموافقتهم أو مخالفتهم.. لأن الله تعالي قد حكم لمن ألزمنا قبول شهادتهم من الامة بالعدالة. قال الجصاص ولأجل ما قد بينا فإنه لا يعتد بخلاف الخوارج وسائر فرق الضلال. لكن ذلك لم يمنع البعض مثل الشوكاني من القول إن الاجماع ليس بممكن لاتساع البلاد الاسلامية وكثرة الحاملين للعلم وتعذر الاستقراء التام. ولكن المؤلف يقول إذا ذاع رأي رآه جمهرة الفقهاء في أي قرن من القرون من غير أن يعلم أهل الشأن مخالفة أحد من الفقهاء لهذا الرأي فالعاقل لا يشك في أن هذا الرأي مجمع عليه ولكنني أعتذر إذ أسأل فمن منا يعرف كل فقهاء عصرنا ورأي كل واحد منهم وهم علي اتساع العالم موجودون ومن منا يتابع تغير المواقف وتجددها مع تجدد الاكتشافات والعلوم والتكنولوجيا وهو ما أرهقنا انفسنا وارهقت مجموعة علماء هذه الموسوعة انفسها سعيا وراء تجديد متجدد علي الدوام.. فكيف يكون الاجماع قائما وفاعلا وابديا.. الامر صعب يا سيدي.. صعب جدا. وأواصل كي اصل إلي المجلد الخامس. فإلي لقاء. لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد;