عندما تثور الشعوب, تهرب عقول الفاسدين من رءوسهم وعند شعورهم باقتراب النهاية, تصير الرءوس جماجم مفرغة من الوعي, مخلفة وراءها أوراما تفرز شرا. ولعلنا نميط اللثام عن حقيقة أن فلول الحزب الوطني وتوابعه مازالوا يتوهمون أنه من الممكن أن تعود مصر إلي عصر الاستبداد من جديد.. يتصورون أن الحرية التي فجرتها ثورة25 يناير مؤقتة والاستبداد مؤبد, وأن المعتقلات مغلقة لإجراء تصليحات ثم تفتح أبوابها من جديد, وأن الديمقراطية التي مات الشهداء وهم يهتفون لها سوف توضع في المتحف مع مومياء قدماء المصريين. المثير للأسي أن بعض الناس مازال يفضل أن يكون حذاء في قدم ظالم, علي أن يكون رأيه في يد مصلح! يتوهم أن حذاء الظالم يعلو كل الرءوس, ورايات العدالة تمسح أحذية الطغاة! يبهر بالجبروت, ويهزأ من الرحمة! يستهويه العنف, عموده الفقري من الكاوتشوك ينحني وينثني ولا يعرف أن يستقيم, الصلابة في رأيه حماقة والاستسلام حكمة, الهوان أمانة والكرامة خطر! يستسهل الركوع للقوة ويستصعب الوقوف أمامها.. آلهته مقاعد وأصنامه مناصب ومبادئه زلفي للكبير وتنمر للصغير! يبرر الخطايا ويفلسف الجرائم ويهلل للمذابح. ثم يكتشف بعد فوات الأوان أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلي قيام الساعة, وأن الباطل هو غبار يعلو فوق الرءوس ثم لا يلبث أن يتساقط تحت الأقدام, ويسرع فيندم علي ما فعل, ويتوب مما ارتكب, ويحتج بأنه عندما يصبح الوحش سيد الغابة فعلي سكان الغابة جميعا أن يتحولوا إلي فئران, وأنه كان مضطرا مغلوبا علي أمره, لينجو من براثن وأنياب ملك الغابة المفترس.. صحيح أنه ليس في قدرة الجبان أن يقاوم الجبروت, وأن يصارع الطغاة, ولكن أضعف الإيمان ألا يصفق للظلم, وألا يزغرد للطغيان, وألا يهلل لمن يدوسون بأقدامهم علي رقاب الأبرياء! إن شجاعة الصمت أحيانا تخيف الظالم ولكن نفاق الضعفاء والمهزومين الخائفين الجبناء يفتح شهيته لظلم أكثر! إذا لم تستطع أن تقول لظالم لا فاقفل فمك.. ولا تقول له ما أعدلك! [email protected] المزيد من أعمدة محمود المناوى