بمرور مائة عام على صدور «وعد بلفور»،و70 على التقسيم، و50 عاما على الاحتلال، اتجهت إسرائيل أكثر نحو تصعيد خطاب الضم وتفكيك حل الدولتين، والتنصل من أي مبادرات تتمحور حول إنهاء الاحتلال، انسجاما مع ما تشهده داخليا من تكريس اليمين الجديد برئاسة نيتانياهو وتركيبته اليمينية المتطرفة وتحكمه بالمشهد الإسرائيلي وبوجهته المستقبلية. ويواصل اليمين مساعيه الدؤوبة، لتعميق سيطرته على النخب، وامتلاك مفاتيح مؤسسات الدولة المختلفة، وما يعتبره قلاعا تقليدية لليسار، مثل الإعلام والمحكمة العليا، وسط تشديد خطابه على يهودية الدولة على حساب «قيم الديمقراطية»، وتحويل أيديولوجيته المعادية للفلسطينيين، إلى سياسة يومية أكثر عدوانية وأشد عنفا. وتأتى ذكرى مائة عام على الوعد المشئوم مع تغيرات إجتماعية تمر بها إسرائيل، مهدت لوصول اليمين المتشدد وبقائه على قمة القرار السياسى من حيث تحولها التدريجي إلى مجتمع أكثر تديناً ومحافظة، ودخول الشرقيين إلى النخب بعد أن كان الأشكنازية «اليهود الأوربيين»، هم الدولة والنخبة والمؤسسات، وزيادة قوة المستوطنين في الخريطة السياسية وتوحشهم واختيارهم بإرادة حره الإستيطان فى الأراضى الفلسطينية تحت دعاوى توراتية وتلمودية ومزاعم تاريخية عن ارض الأجداد، وانطلقت قطعان المستوطنين تصيغ المستقبل السياسى وتشكل الخريطة الإنتخابية وتمارس إرهابها وتطرفها ضد السكان الأصليين الفلسطينيين مدعومه بقوات الجيش والشاباك والحكومة. وعد «بلفور» هو الاسم الشائع الذي أطلق على الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، وقال فيها إن «الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وإنها ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية»، وبهذه المناسبه سلم الرئيس الإسرائيلى رؤوبين ريفلين، وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون رسالة للعائلة الملكية في بريطانيا، ووفق الإذاعة العبرية العامة، فإن الرسالة تحمل دعوة العائلة الملكية لزيارة دولة إسرائيل بمناسبة مرور مائة عام على وعد بلفور. ويجرى الشعب الفلسطينى فاعليات تحضير للذكرى المشئومة التى خلفت دولة على انقاض دولتهم وطالبوا بمحلاحقة بريطانيا على إصدارها وعد بلفور، ومحاكمتها ومطالبتها بالاعتذار وتعويض الشعب الفلسطيني. وتعمل لجنة عالمية يقودها فلسطينيو المهجر مع لجان إقليمية تعمل على رفع مستوى الوعي على جريمة وعد بلفور، وتقدم معطيات إحصائية مقارنة بين إعداد اليهود في فلسطين وحجم امتلاكهم أراض عند إطلاق الوعد، وأعدادهم اليوم، وحجم ما يسيطرون عليه من الأرض الفلسطينية. وتسعى بكل السبل لإدانة بريطانيا وملاحقتها قانونيا وقضائيا مع الرفض لتنصلها من أى مسئولية، رغم أن بريطانيا ما تزال تقف إلى جانب الدولة المحتلة تعاطفا ومناصرة ودعما، لأن ما حمله وعد بلفور سواء من تعاطف بريطانيا مع اليهود بإنشاء وطن قومي كان على حساب الفلسطينيين، ولا يزال هذا التعاطف مع اليهود مستمرا. كما أنها ومن خلال هذا الوعد أوفت بما التزمت به ناحية اليهود لكنها لم توف بالتزاماتها ناحية الفلسطينيين، وإنما لاتزال تقف عائقا أمام حقوق الفلسطينيين في الأممالمتحدة. ولكن بعد مائة عام وقع ما يزيد على 11 ألف بريطاني على طلب الاعتذار عن وعد بلفور، وهو ما يلزم الحكومة البريطانية بالرد وطالب الموقعون بتقديم اعتذار للشعب الفلسطيني عن مسئوليتهم التاريخية في إعطاء وعد بلفور وما ترتب عليه من معاناة للفلسطينيين على مدى مائة عام وتهدف الحملة إلى جمع مائة ألف توقيع لإجبار مجلس العموم على مناقشتها. وكشف تقرير أطلقه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» عن الخلفية العميقة لتحكم اليمين الجديد في إسرائيل، مع الأفول المستمر للنخب التقليدية للصهيونية المؤسسة التى حكمت إسرائيل حتى صعود اليمين للحكم العام 1977، والذي يتألف من كل من الأحزاب الحريدية «المتشددة دينياً»، والأحزاب المتدينة القومية، والمستوطنين، وأعضاء الكنيست المتطرفين في حزب الليكود، والجماعات القومية المتطرفة المنضوية ضمن حزب «إسرائيل بيتنا»، وحركات دينية متطرفة مثل حماة التوراة وحراس التلمود، وبهذه التركيبة العنيفة توظّف إسرائيل حالة الاضطراب الدموية السائدة في العالم العربي، والصراع في سوريا والعراق، وصعود قوة الحركات المتطرفة التي تستخدم الدين في أيديولوجيتها، من أجل التهرب من إنهاء الاحتلال، وادعاء أن المواجهة مع الفلسطينيين هي مواجهة ثقافية وحضارية بين «العالم المتحضر» و»العالم الظلامي»، عزفا على وتر اليمين الجديد في أمريكا وبعض الدول الأوروبية. تكشف علاقة المستوطنين مع حكومتهم انحيازها الكامل لعنفهم وتطرفهم وتلخص الموقف من الاحتلال والاستيطان، حيث شهد عام 2016 محاولات مستمرة من أجل ترسيخ مكانة المستوطنين والمستوطنات ضمن الإجماع الرسمي، وتعدت هذه المحاولات الأدوات التقليدية، من حيث سيطرة الدولة ومنظومتها على أدوات قضم الأرض عبر المصادرة ووضع اليد بحجج مختلفة، إلى تبييض سرقة الأراضي على يد الأفراد من خلال تمرير قانون التسوية، وهو ما يعني أن الدولة صارت تتقاسم «أدوات العنف» والسيادة مع المستوطنين، وتحولت إلى أداة من أجل تبييض خروجهم عن القانون الذي سنته وشهد ايضا عام 2016 تصعيد هدم البيوت خاصة في النقب، التي واجهت محاولات هدم قرية أم الحيران بهدف إقامة قرية «حيران» المخططة لتكون قرية يهودية خالصة على أنقاض القرية الفلسطينية، فى محاولة لحسم الصراع مع الفلسطينيين عبر مساعي ضم مناطق (ج)، وإبقاء الواقع السياسي للسلطة باعتباره الحل النهائي.