برهن مشهد التاريخ الإنسانى فى الصراعات الحضارية والوجودية والأصولية، وحصاد الحملات والغزوات العسكرية والثقافية والدينية وغيرها على أن الأمم والشعوب هى الباقية والمنتصرة دائماً، وأن المستعمرين والغزاة الأجانب منتكسون وراحلون، كما برهن على أن جميع الإمبراطوريات والأقطاب العظمى منحصرون ومندثرون فى ذاكرة التاريخ، وأكد تواصل ديناميكية الحياة ومنها أن الإمبراطوريات والحضارات التى تسقط وتزول وتختفي، يظهر ويقام على إرثها حضارات وإمبراطوريات جديدة بأهداف متجددة، وأن لكل زمان رجاله وزعماءه ودوله وأقطابه، فقد حفظت فى ذاكرة التاريخ والأمم والشعوب، الحضارات الفرعونية والبابلية وحضارات وادى النيل القديمة، كما اختفت الخلافة الأموية والعباسية، وسقطت الخلافة العثمانية وتهاوت وتمزقت الإمبراطورية البريطانية العظمى وسقطت النازية وسقط الاتحاد السوفيتي، وها هى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى طريقها إلى الانحسار والانهيار. أيضا فإن بداية تراجع وتقلص واختفاء مظاهر الوجود الأمريكى والغربى فى دول المنطقة العربية والشرق الأوسط سوف تبدأ مع بداية تقلص مخزونات منابع وآبار النفط فى دول الخليج العربى والمنطقة، كما أن بداية انحسار ونهاية الإمبراطورية الأمريكية سوف تبدأ بتراجع وانهيار الاقتصاد الأمريكى مع زيادة معدلات الفقر والبطالة بين الشعب الأمريكى متزامناً مع تزايد الأعباء والنفقات المالية والعسكرية الأمريكية المطلوبة لحماية وتأمين قواعد وأساطيل وأحلاف وحلفاء وتحالفات الولاياتالمتحدةالأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وحول العالم، كما أن بداية تفكك الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة عالمية ودولة مركزية موحدة سوف تبدأ بتراجع أمريكا داخل حدودها، وانفجار واشتعال الصراعات والحروب والانقسامات العرقية والعنصرية داخل المجتمع الأمريكى متعدد الأعراق، والعناصر والإيديولوجيات، والعقائد والمعتقدات والأجناس, وأيضا مع بداية الحركات المطالبة بالانفصال والإدارة والحكم الذاتى للولايات والأقاليم الأمريكية عن الحكم والإدارة المركزية للاتحاد الفيدرالى للولايات المتحدةالأمريكية، وهذا ما حدث من قبل بتفكك وانفصال واستقلال الجمهوريات السوفيتية عن الاتحاد السوفيتى السابق، ومن هنا فإن أمريكا وروسيا والقوى الكبرى سوف تختفى قريباً من خريطة الإمبراطوريات العالمية إلى داخل حدودها الإقليمية وفقا لسنة الله فى خلقه، وتطبيقا وتماشيا مع ديناميكية حركة التاريخ، وسوف تقوم إمبراطوريات عظمى جديدة فى المستقبل القريب والمنظور بتوجهات وأهداف استعمارية عنصرية وأصولية متجددة، وهذا ما تتجلى مظاهره، وتحدث وقائعه وأحداثه الآن فى اشتعال صراعات وحروب دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وكذلك تراجع تأثير الدور الأمريكى إقليميا وعالمياً مع تزايد الوجود الروسى فى مسارح الأحداث الإقليمية والعالمية، علماً بأن هناك آليات وتكتيكات ومخططات استعمارية للقوى الاستعمارية العظمى للهيمنة على المنطقة والعالم، وإعادة تقسيم الشرق الأوسط. إن الحرب العالمية الثالثة المنتظرة والمرتقبة قد تجلت ملامحها ودقت طبولها على مسارح الأحداث، فأين نحن العرب والمسلمين من المتغيرات العالمية المرتقبة والمنتظرة، وهل سنظل دائماً فى مركز جغرافيا الأرض وعلى هامش التأثير فى صناعة التاريخ البشرى والإنساني؟ . د.مهندس حسن صادق هيكل منيا القمح الشرقية