مرت منذ أيام فى هدوء الذكرى ال 95 لميلاد الفنان الكبير كمال الشناوى وهي مناسبة للحديث عن هذا الفنان الذي تمثل حياته قصة درامية من الدرجة الأولي، خاصة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تخرج من كلية التربية الفنية وعين مدرسا للرسم في إحدي مدارس أسيوط، ومنها تمرد علي الوظيفة دون أن ينكر أهمية المعلم، ومهنة الرسم الذي لم يكن فقط محور عمله، وإنما أيضا هوايته وغرامه طول عمره. ولقد عاش كمال الشناوي حياته تحكمه مجموعة من المبادئ الأساسية، منها الحرص الشديد في حياته وسلوكياته اليومية، وكذلك في أعماله الفنية، واحترامه لنفسه، وعدم سعيه إلي «الشلل» السينمائية، مما جعل البعض يتهمه بالغرور مثلما حدث في الستينيات عندما أطلق موزع سينمائي لبناني شائعة ضده تقول إنه لا يحترم الموزعين، وإن أفلامه تباع رغما عنهم، فكان أن تكاتفوا ضده فظل لسنوات دون عمل، مما كان له تأثير سلبي علي نفسيته، وعلي دخله المادي، وقد عشت معه تلك السنوات العجاف، كان يزورني في مكتبي ب «الأهرام» بين يوم وآخر وكثيرا ما كنا نسهر معا مع زملاء في «الأهرام»، إلي أن أسند إليه المنتج السينمائي المتميز رمسيس نجيب دورا مهما في فيلم «دمي ودموعي وابتسامتي» أمام نجلاء فتحي، وحسين فهمي، ثم حدث أن التقي الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، وكان وزيرا للإعلام والثقافة، وعرض عليه فكرة برنامج «صور وحكايات» ليقدمه بنفسه في التليفزيون، وهو موجه للصغار والكبار، يعرض ظواهر واكتشافات معاصرة وتاريخية بأسلوب بسيط مدعم بوسائل إيضاح من المواد الفيلمية، والصور الفوتوغرافية.. ثم حدثت انفرادة ونقلة مهمة في حياته عندما اتجه إلي المسلسلات التليفزيونية، وبعدها ابتسمت له الدنيا وقام ببطولة أو بأدوار مهمة في عدد من الأفلام السينمائية، ووسط ذلك، في منتصف السبعينيات، مثل علي المسرح مسرحية «اللعب علي المكشوف»، التي كانت تعرض علي مسرح في حديقة الأندلس علي نهر النيل، وكانت من إخراج السيد راضي، وتمثيل كمال أمام مني جبر، وهياتم، ومحمد نجم. وفي مشوار حياة كمال الشناوي الفني توجد محطات مهمة، منها نجاح الثنائي المكون منه والفنانة العظيمة شادية، ومنها اهتمامه بالاشتراك في غناء الدويتات، فغني مع شادية «سوق علي مهلك سوق»، و مع صباح «زي العسل»، وغني مع غيرهما، كما أنه من أكثر الممثلين الذين لعبوا دور الصحفي، فقد تكرر هذا ثماني مرات، أبرزها في فيلم «الرجل الذي فقد ظله»، وفي مسلسل «زينب والعرش»، كما أننا نجد في مشواره محطة مهمة وهي قيامه بالإنتاج السينمائي لأفلام مهمة، مثلا «وداع في الفجر» حيث قام بدور طيار، وقد ظهر في الفيلم الرئيس الأسبق حسني مبارك في ثلاثة مشاهد، كما أنتج «طريق الدموع» عن حياة الفنان الراحل أنور وجدي، وفيلم «نساء الليل» مع حسن يوسف، وناهد شريف، وقد حصد عدة جوائز، وفيلم «تنابلة السلطان الذي أخرجه بنفسه. وفي حياة كمال الشناوي أربع زيجات، أولاها زواجه من الفنانة الاستعراضية هاجر حمدي، التي أنجب منها ابنه محمد، الذي كان قد التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها ووصل إلي رتبة «نقيب»، لكن حب السينما كان يتملكه، لذلك التحق سرا بمعهد السينما في أكاديمية الفنون، ولما تخرج فيه في السبعينيات استقال من القوات المسلحة، وكان ذلك تحولا كبيرا في حياته، وخشي أن يفاتح والده في الأمر، ولم يجد إلا الاستعانة بالمخرج الراحل علاء كريم، الذي كان زميلا لمحمد في المعهد، لكي يوسطني في الأمر، وكنت قد تعرفت من قبل بعلاء، فجاءني وقال لي: إن محمد يعرف علاقتك بوالده، فلم يجد غيرك لإبلاغه بما فعل، وفعلا عندما قابلت كمال في اليوم نفسه أو اليوم الذي يليه، حدثته عن محمد، وبهدوء أخبرته باستقالته وتفرغه للسينما، فلم يكن أمامه إلا القبول علي مضض! المهم أن محمد الشناوي (الابن) تزوج بابنة عمه «عبدالقادر»، وهي ابنة السيدة علية (رحمها الله) الشقيقة الكبري للمطرب العندليب عبدالحليم حافظ، والمدهش أنه رغم زواج عبدالقادر (الشقيق الأصغر لكمال الشناوي) بشقيقة عبدالحليم التي كانت ترعاه، فإنهما (حليم وكمال) لم يلتقيا أبدا في أي عمل فني! أما الزوجة الثانية فهي السيدة زيزي الدجوي، التي أنجب منها ابنه علاء، الذي صار مهندسا معماريا، وتزوج وأنجب، لكنه انتقل إلي رحمة الله قبل والده، الذي حزن عليه حزنا مريرا. وبعد ذلك تأتي الزوجة الثالثة، وهي الفنانة ناهد شريف، التي اقترن بها في الستينيات، وكانا قد التقيا في فيلم «الوديعة» حيث قاما ببطولته مع الفنانة هند رستم، من إخراج حسين حلمي المهندس، الذي كان متزوجا بناهد شريف، ثم بعد ذلك انفصلا وتزوجها الشناوي لنحو عشر سنوات، ثم انفصلا إلي أن تزوجت هي بفنان لبناني ثم انفصلت عنه، وبعدها أصيبت بمرض خبيث إلي أن انتقلت إلي رحمة الله. أما زوجته الرابعة والأخيرة فهي السيدة «سمر»، من أصول سورية، وقد تزوجها في الثمانينيات، ورافقته في المرحلة الأخيرة من حياته حتي انتقل إلي دار البقاء بعد صراع مع المرض. وإذا كنت (كاتب هذه السطور) أكتب الآن عن كمال الشناوي.. الإنسان والفنان.. فإنني في واقع الحال أكتب عن بعض عمري، فقد تعرفنا وتعارفنا، وكنت ما أزال في بداية عملي الصحفي منذ أكثر من نصف قرن، ولقد خضنا معا تجارب سعيدة، وأخري مريرة، وعشنا النهار بطولة، والليل بغموضه، فهو أحد رفاق العمر الذين أفتقدهم، وأحد فناني مصر الكبار الذين لا أعرف لماذا لا تهتم النقابة واتحاد النقابات الفنية بالعمل والسعي لتقديرهم وتكريمهم، ولماذا لا يقام أسبوع لأفلام كمال الشناوي مع ندوات فنية لمناقشة مسيرته؟ ولماذا لا نجد شارعا يحمل اسمه؟ وبعد.. فإذا كنت أكتب عن كمال الشناوي في هذه المساحة الصغيرة المحدودة، فإن هناك آخرين من الفنانين والمبدعين هم بعض عقل مصر يستحقون التقدير والتكريم، ولكي يدرك الأحياء أن من رحل لم يرحل عن الذاكرة والاهتمام، وأعتقد أن وزير الثقافة الصديق حلمي نمنم.. خير من يعرف هذا ويقدره!