هل نمتلك الجرأة التى امتلكها الأولون لصياغة فقه جديد وفتاوى واجتهادات عصرية تتماشى مع ما يستجد فى حياة الناس وتقضى على ظاهرة الإرهاب والتطرف الفكرى التى ترتكز على بعض الفتاوى والاجتهادات القديمة؟ ولماذا لا ننقى الكتب الفقهية القديمة من الفتاوى المتشددة التى لا تستقيم مع عصرنا؟ ولماذا لا تفتح الباب لاجتهاد وصياغة فقه جديد يتماشى مع عصرنا، كما اجتهد العلماء الأولون وأخرجوا فقها يناسب أزمنتهم وعصورهم التى عاشوا فيها؟ المتخصصون فى الفقه والعلوم الشرعية من علماء الأزهر يؤكدون أننا بحاجة إلى فقه جديد للقضايا المعاصرة يضاف إلى ما تركه لنا فقهاؤنا القدامى من الفقه الذى غطى كل صور حياتهم. وآخرون يؤكدون أن المذاهب الفقهية القديمة لم تدع إلى الإرهاب، وأن المناهج الدينية التى تدرس بالأزهر بريئة من تلك التهمة التى التصقت بها بسبب فكر وافد على مصر بلد الأزهر. وأن هناك أسبابا واقعية هيأت وجود مناخ الإرهاب منها تغييب الأزهر ودوره لعقود متعاقبة. الشعب والفقه يقول الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن السابقين من الفقهاء لم يكونوا أوصياء بل محركين للشعوب فى الفقه حتى يخرج الشعب فقيها، والظهير الشعبى فى الفقه هو الضمانة لحماية المجتمع من التطرف ومن الرأى التعسفي، فالذى سيواجهه هو الشعب وليس الفقهاء أو النخب، أما الآن فيقتصر الفكر على النخب التى تحتكر الفكر لذاتها، وكان على النخب ألا يكونوا أوصياء على المجتمع، بالتوجيه والحشد والتجنيد، وحسبهم أن يأخذوا بيد الشعب إلى معرفة الرأى والرأى الآخر، وأن يدركوا أن جميع الآراء الفقهية بشرية، وأن المواطن سيد قراره فى تحمل المسئولية عند الاختيار، وعليه أن يدلى بالحكم على قول الفقيه. وأكد د. الهلالي، أن الأوصياء الدينيين حشدوا المصريين على عشرات المسائل، وضرب بها الشعب عرض الحائط، منها على سبيل المثال، الحشد بتحريم الصور الفوتوغرافية والأحزاب والتليفزيون والسينما، والأغانى والموسيقي، والمصايف، والإقامة فى بلاد الإفرنجة، والشعب داس على كل ذلك، وأتى بفقهه الوسطي، من وحى ضميره، وهناك مثال آخر أقوى صدر من بعض نساء مصر عمليا بأن خرج أكثرهن محتشمات عفيفات محصنات ولم يكن غطاء الرأس الذى حشد له الأوصياء مانعا من إحساسهن بكمال دينهن، وكان من أهم أسباب ظهور الإرهاب، تعظيم أوصياء الدين وجعلهم رموزا وزعامات دينية، تحولت إلى الحشد لذاتها، وتغرير الشباب المريدين لهم، بما يفقد الشباب ثقته فى نفسه، ويضع ثقته الكاملة فى الزعيم الديني، مما جعله أداة يمكن تحريكها كيف شاء، وتفخيخه وهو يظن أن يتقرب إلى الله بذلك. ونعيش فى خطاب دينى ثابت محفوظ، ما سمعناه بالأمس نسمعه اليوم، وذلك بسبب عدم تفرغ أصحاب الخطاب الدينى للجانب العلمي، وتفرغهم للإدارة الإفتائية يريدون من الناس أن تسمع وتطيع لما يقولون، ولا يتعلمون أبعاد المسألة. من جانبه يرى الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء، حاجتنا الملحة إلى فقه جديد ولكنه يضع عددا من الشروط والضوابط لذلك ، ويوضحها قائلا: إن العلم الشرعى يعطى الجديد كل يوم فى العلاقات بين الأفراد والجماعات والجديد من التصرفات وإبراز الكثير من الحقائق العلمية، ومن المستقر فى علوم الشريعة الإسلامية أن كل عمل يقوم به الإنسان له حكمه الشرعى، وأما الأمور التى تتغير فيها وجوه المصلحة من عصر إلى عصر، فيقاعد فيها قواعد عامة، وأصولا تلتزم فى بيان أحكام القضايا الجديدة. والواجب الشرعى يقتضي، أن يجتهد الفقهاء فى كل وقت لبيان الأحكام لما يجد فى حياة الناس فى كل المجالات. وأضاف: إننا محتاجون إلى فقه جديد للقضايا المعاصرة يضاف إلى ما تركه لنا فقهاؤنا القدامى من الفقه الذى غطى كل صور حياتهم، بل زاد عليها فيما يتخيلوه من صور عديدة ومن حسن الحظ أن كثيرا من جيلنا الحالى من الفقهاء فى مصر الأزهر والبلاد العربية والإسلامية مدرك لهذه الحقيقة، ويبذل كثير من الفقهاء المعاصرين جهودهم العلمية للتعرف على أحكام الجديد فى القضايا المعاصرة، وتعقد المؤتمرات بين الحين والحين لبحث الجديد من القضايا، إلا أن هذه البحوث لا يعطيها الإعلام حقها من عرضها على الجماهير. لكن هذا كله لا يمنعنا من المطالبة ببذل المزيد من الجهد العلمى لاستنباط الأحكام الشرعية لقضايا كثيرة جدت فى حياة الناس. براءة مناهج الأزهر الدكتور عبدالفتاح عبدالغنى العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، له رأى مخالف ويبرئ مناهج الأزهر وكتب الفقه القديمة من تهمة الترويج للفكر المتطرف، ويقول : إن الفقه القديم لا يوجد فيه ما يدعو إلى التطرف وارتكاب الأعمال الإجرامية إنما التطرف وارتكاب الأعمال الإجرامية، يقع فى الأعم الأغلب من أناس لم يتحصنوا بالثقافة الأزهرية الوسطية، ذلك لأن المناهج الأزهرية من الفقه والتفسير والحديث وغيرها من العلوم التى بنت الشخصية الأزهرية تمثل قمة الوسطية، وتربى عليها أجيال حملوا بين جنباتهم معنى دقيقا لسماحة الإسلام، وعرفوا وسطية الإسلام، وكان حب الوطن مغروسا فى فطرهم، فما كان منهم يوم أن رأوا أدنى اعتداء على الوطن من أى نوع من الاستعمار إلا وهبوا بحكم حبهم لوطنهم بمقاومة المستعمر حتى أجلوا المستعمر. وأشار إلى أن الأزهر كان معهدا عتيقا للتعليم والتعلم فى مصر، لكن الجماعات المتطرفة التكفيرية ما نالت حظها من ثقافة الأزهر ولو تحصنت بثقافته لكانت صاحبة عقل ومنطق سديدين، ترى الأمور بعين البصيرة قبل البصر، إنما هؤلاء لعدم تحصنهم بفكر الأزهر تلقوا ثقافتهم الدينية المغلوطة من فكر خارجى لا هوية له، قائم على التكفير المؤدى للتفجير، تسرب هذا الفكر إلى مصر حينما تغاضت السلطات أحيانا وحينما أضعفت السلطات الأزهر أحيانا أخري، فى أجيال متتابعة، أما قبل أن يصل إلى مصر مثل هذا الفكر المظلم المتشدد كانت ثقافة المصريين منشؤها الأزهر فحسب، وما وجدنا أحدا دعا إلى التفجير أو التدمير أو قتل الأبرياء والأنفس المعصومة. فقه جديد على الشاشات وأشار العواري، إلى أن ما نراه على الساحة من خروج أناس على شاشات التلفاز ويزعمون أنهم أتوا (بفقه جديد)، كل ما يقولونه وما استمعنا إليه، وقد يخفى على كثير من عوام الناس ومن غير المتخصصين، إنما هو أقوال شاذة غريبة حكيت بصيغة التعريض فى كتب الفقه، وطلعوا بها علينا ليوهموا المستمعين من العوام وأنصاف المثقفين، وغير المتخصصين بأن هذا فقه جديد، وهو فى الحقيقة لا يمت إلى قول راجح بصلة، وليس له ما يدعمه من دليل نقلى أو عقلي.