نحن الآن علي شفا كارثة محققة ربما تطال أكثر من26 مليون مصري, فكلما اقترب البرلمان من مناقشته أو وضعه علي الأجندة التشريعية, يبدو قانون إيجار المساكن القديمة مثيرا للجدل بين القانونيين من ناحية, ومن ناحية أخري يثير حالة من الترقب والقلق بين الملاك والمستأجرين, ففي الوقت الذي ينحاز فيه البعض لوجهة نظر الملاك, نجد آخرين يناصرون المستأجرين, وهو ما يلقي بالتبعات علي مجلس النواب في التأني لإصدار تشريع متوازن يحقق المصلحة العامة, ويسهم في الاستفادة بملايين الشقق المغلقة بسبب سفر أصحابها, أو هجرتهم منذ سنوات طويلة, فهل يتحقق مطلب بعض الملاك علي حساب المستأجرين بعد طول انتظار؟. الواقع المر يؤكد أن الأمر جد خطير, خاصة في ظل مخطط يقوده بعض الحزبيين لتمرير مشروع تحرير تلك العلاقة الملتبسة بين المالك والمستأجر, بشكل يعرض مستقبل أكثر من26 مليون مصري للطرد والتشريد من شققهم, وتحويلهم إلي لاجئين في بلادهم, في حال وقعوا تحت سيف القانون الذي سيجردهم من مساكنهم, خصوصا أن هذا القانون سيشرد- حال إقراره-5 ملايين و700 ألف مستأجر, و3 ملايين و100 ألف منشأة صناعية ومحال تجارية. الكارثة تتلخص في أن هنالك اجتماعات مكثفة تجري علي قدم وساق لأصحاب المصالح من الملاك وحيتان العقارات, في إحدي البنايات بمنطقة الفلكي, للبحث في صياغة قانون جديد للمالك والمستأجر يصب في مصلحة ملاك العقارات, والذين يقدر عددهم- بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ب مليون و200مالك بدعم من جمعيات مجتمع مدني تتبني قضايا وهموم هؤلاء الملاك, دون الوضع في الاعتبار أن ذلك سيتسبب في أزمات لملايين المصريين الذين سيجدون أنفسهم في الشارع, ويبدولافتا أن هناك عضو مجلس نواب عن إحدي دوائر القاهرة يقود هؤلاء المنتفعين من الملاك من خلال حملة شرسة داخل البرلمان بدعم من بعض الأحزب المصرية للأسف. أما الأخطر في الأمر أن هناك رجل أعمال شهيرا يمضي قدما نحو تسريع تمرير قانون جديد للمالك والمستأجر من تحت قبة البرلمان, بحيث يدور في فلك خدمة الملاك, عبر وضع شروط وبنود تعجيزية من شأنها تقنين طرد المستأجرين خلال فترة انتقالية لا تتجاوز3 سنوات, وبشكل يعيد إلي الأذهان قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر, فيما يتعلق بالأراضي الزراعية والمعروف ذلك القانون الجائر, الذي صدر في24 يونيو1992 والمعروف بقانون1992/96 بتعديل بعض أحكام قانون178/.1952 الأخير هو قانون الإصلاح الزراعي الأول, أما تعديلاته فعرفت رسميا بقانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية وعرفت لدي الفلاحين بقانون طرد المستأجرين, فقد أعطي هذا القانون في حينه مهلة خمس سنوات انقضت في الأول من أكتوبر1997, وهو اليوم الذي فقد فيه ما يقرب من مليون عائلة أراضي كانوا حتي صدور القانون يتمتعون فيها بحيازة آمنة, وكانت الغالبية الساحقة منهم من صغار المزارعين الفقراء, وبفقدانهم الأرض فقدوا مصدرا رئيسيا لرزقهم ولأمانهم الغذائي أيضا. وهنا نذكر إنه كان تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر جزءا من قانون الإصلاح الزراعي الأول, والذي صدر في9 سبتمبر1952, والذي لم تقتصر أهميته علي إعادة توزيع الأراضي المنزوع ملكيتها خارج الحد الأقصي المنصوص عليه فقط, ولكن الجانب الأهم والأكبر أثرا من القانون كان هو الخاص بتنظيم العلاقات الإيجارية, حيث حدد الإيجار بسبعة أمثال ضريبة الأرض, بالإضافة إلي جعل العلاقة تعاقدية وغير محددة المدة, ولم يكن يسمح للمالك بطرد المستأجر( أو ورثته) إلا في حالة عدم دفع الإيجار المتفق عليه, كما أن المستأجرين كانوا مسجلين في الجمعيات التعاونية الزراعية كحائزين, شأنهم شأن الملاك الذين يزرعون أراضيهم. ومن ثم فإن ما يلفت الانتباه في تسريع إصدار قانون المساكن القديمة هو تصدير أزمة جديدة للحكومة, وخلق معضلة أمام النظام بشكل يضع العربة أمام الحصان في محاولة التهام مساكن المستأجرين عنوة ودون مراعاة البعد الاجتماعي, في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة, وهو ما يتجلي في أن إحدي شركات الاستثمار العقاري المملوكة لرجل أعمال شهير دخلت بقوة علي خطي الأزمة, وبدعم تحركات نواب حزبه داخل مجلس النواب لتمرير القانون, في ظل امتلاك هذه الشركة ل30% من عقارات منطقة وسط البلد, وجميع الأحياء الراقية في مصر, مثل الزمالك ومصر الجديدة وروكسي وغيرها. هذه الشركة تسعي بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة لتمرير القانون, حيث قامت بشراء ساعات من الهواء في عدد من الفضائيات بأسلوب الضغط, من خلال بعض الإعلاميين لتمرير القانون, وإيجاد رأي عام داعم لرفع الضرر المزعوم, أو ما يسمي برفع المظالم عن الملاك, علي جناح الدفع بعجلة تسريع القانون الجديد, وذلك تفاديا لما أخفقت فيه الجهود المكثفة داخل مجلس الشعب عام2010 لتمرير القانون, إلا أن قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير حال دون ذلك, وهو ما تكرر في برلمان الإخوان المنحل غير أن حكم الدستورية بحل البرلمان أفشل المخطط. يأتي كل ذلك في الوقت الذي تغيب فيه حقوق26 مليون متضرر مصري من القانون الجديد حال إقراره, فقد فرضت بعض القنوات الفضائية المؤجرة هواؤها فيتو علي ظهور المستأجرين علي الفضائيات لطرح وجهة نظر الطرف الأضعف في المعادلة, لاسيما أن حديث لوبي القانون يدعي بسوء قصد متعمد أن الدولة قادرة علي توفير شقق إسكان اجتماعي للملايين من المتضررين, وهي شهادة حق يراد بها باطل, بل لا تعدو كونها نوعا من النفخ في النار المتأججة بفعل جنون أسعار السلع والمواد الغذائية والوقود والطاقة, في إطار التصعيد نحو مزيد من الأزمات الجديدة التي تزيد من أعباء الدولة لإحداث مزيد من الغليان داخل الشارع المحتقن. لقد عكست تصريحات أخيرة ل مي عبد الحميد المدير التنفيذي لصندوق تمويل الإسكان الاجتماعي حالة من الشكوك في إمكانية منع تشريد الملايين, في ظل حديثها مع إحدي الفضائيات عن أن قيمة الوحدة السكنية ضمن الإسكان الاجتماعي ستصل بعد عام إلي250 ألف جنيه, ومرجح وصولها خلال3 أعوام إلي750 ألف جنيه, بشكل يعجز معه المستأجرون الغلابة من مرضي ومتقاعدين وورثة لا يستطيعون الوفاء بهذه النفقات, وسيلغي مشروع قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر حزمة من القوانين التي أقرت في ستينات وسبعينات القرن الماضي, منها القانون رقم7 لسنة1965 الذي قرر تخفيض القيمة الإيجارية بواقع35%, والقانون رقم49 لسنة1977, فضلا عن القانون رقم49 لسنة1979, والذي ينص علي استمرار العلاقة الإيجارية بعد وفاة المستأجر, أو تركه العين المؤجرة إذا بقيت فيها زوجته أو أولاده أو أي من والديه, مما يعني انحيازا مطلقا للمستأجر الذي أصبح مالكا, فيما أصبح المالك لا يجد سكنا لأولاده, وهو ما تركز عليه حملة الطرد التي يقودها أصحاب المصالح علي حساب البسطاء من أبناء هذا الوطن.. فهل من نصير لهؤلاء قبل أن تقع الكارثة ؟!.