عندما يخاف الإنسان من المشكلات التى تعترض طريقه، يصبح أسيرا لخوفه، وهذا الخوف فى الغالب مصيره الاستسلام والفشل، ولكن إذا انتصر على خوفه وواجه الحياة وتمسك بالأمل لوجد لها لونا جميلا لا يدركه غيره، فهى فتاة صعيدية، حرمها والدها من التعلم، بحجة الإعاقة التى لحقت بها وخوفا عليها من المضايقات والسخرية أطاعته مجبرة، وبعد أن توفى الأب، التحقت بفصول «محو الأمية» وحصلت على الشهادة حينما كان عمرها 15 عامًا، ثم بدأت رحلة استكمال تعليمها حتى نالت درجة الليسانس فى الحقوق. هى عفاف البربرى حميد، بنت قرية «عرب الصبحة» التابعة لمركز دار السلام بمحافظة سوهاج، البالغة من العمر 35 عاما، تعمل باحثا قانونيا بالادارة البيطرية بمركز دار السلام، تروى قصة نحاجها. فى البداية تقول: بدأت حكايتى بتعرضى لحادث ترك لى عاهة مستديمة تشوه فى فقرات الظهر نتج عنه انحناء بالظهر وقصر قامة كانت سبب حرمانى من العديد من حقوقى المشروعة بالحياة وابسطها التعليم، حيث رفض والدى رحمه الله أن يلحقنى بالمدرسة، ولكن كان بداخله شغف وعشق للقراءة والكتابة، فبدأ يحفظنى بعضا من آيات القرآن والحروف الأبجدية وكتابة اسمى، وبعد وفاته بعامين كنت فى الخامسة عشرة من عمرى، وعلمت ببدء تنظيم فصول «محو الأمية» وتعليم الكبار بالقرية المجاورة لنا، ولم اصدق أن حلمى فى التعليم من الممكن أن يتحقق مرة أخرى، لحظتها قررت أن أشق طريقى الصعب، والتحقت بفصول لمحو الأمية فى هذه القرية، اذهب إليها يوميا سيرا على الأقدام مسافة 8 كيلو مترات ذهابا وعودة. وتضيف: كنت الأولى دائما على الفصل والطالبة المثالية، وتم ترشيحى لإلقاء كلمة فى حفل تكريم مندوب من هيئة اليونسيف من القائمين على مشروع محو الأمية وحصلت بفضل الله على شهادة محو الأمية عام 1997، وتقدمت بها إلى المدرسة الإعدادية، ولم يتم قبولى لانى تجاوزت 15 سنة، إلا بالدراسة من المنزل دون حضور حصص أو استلام كتب، ولحسن حظى كان أخى وابن عمى وثلاثة من الجيران بنفس الصف الدراسى، فكنت استعير منهم الكتب لكى أذاكر دروسى، ولم اشعر بأى نقص فى شىء ولتفوقى كان المدرسون يرسلون أوراق الاختبارات مع أخى ويعاودون تصحيحها تشجيعا لى. وتكمل: تحديت نفسى قبل أن اتحدي الآخرين، كان أخى يحضر الدروس، وأنا أذاكر بالمنزل، وفى نهاية كل عام أتفوق عليه بفارق 20 درجة، حتى وصلت إلى الإعدادية، وحصل أخى على ملحق، وأنا حصلت على مجموع 174 درجة عام 2000، وكانت قمة سعادتى لان هذا المجموع يلحقنى بالثانوى العام، ولكن صدمة عمرى حين اخبرني مدير المدرسة أنه لن يتم قبولى لانى تجاوزت سن 18 عاما، وتبخر الحلم فى أن أعيش شعور الطالبة التى تفخر بحالها وهى تذهب إلى المدرسة، وتساءلت بينى وبين نفسى، كيف يمكننى أن ادرس من المنزل «منازل» وأنا لا استطيع الحصول على دروس خصوصية لضيق الأحوال المادية لاسرتى، ولكن لم أترك لليأس طريقا ليتملك منى، واستعدت عزيمتى، وقررت أن التحق بالمدرسة الثانوية الفنية التجارية بنات، وأنا فى غاية السعادة بتحدى المجتمع الذى لا يعترف للمعاق بحقوق مشروعة، وتحملت المعاناة اليومية المليئة بالسخرية تارة والتهكم تارة أخرى، مرة من شكلى، ومرة من طريقة سيرى، وأنا اتمزق من داخلى، لكن كنت أعود وألملم نفسى من جديد واواصل السير فى طريق تحقيق حلمى. وتواصل: بفضل الله وإرادته حصلت على شهادة الثانوية التجارية بتقدير جيد عام 2003، ولم اكتف بذلك، بل قررت الالتحاق بالجامعة، ولكن بعد 5 سنوات لان لائحة من لوائح التعليم العالى تنص على مرور 5 سنوات على الحصول على المؤهل المتوسط للالتحاق بالجامعة بعدها تقدمت بأوراقى إلى كلية الحقوق بجامعة أسيوط لدراسة القانون، ووافقت على العمل بعقد موسمي لكى استطيع مواجهة الأعباء المادية التى تتعدى 2500 جنيه عن كل عام دراسى حتى حققت حلمى بالحصول على ليسانس الحقوق عام 2014، وبعدها بعام تم تعيينى رسميا ضمن نسبة ال 5 % من المعاقين، وقدمت بأوراق حصولى على مؤهل جامعى لنقلى إلى وظيفة أعلى وتغيير المسمى الوظيفى من كاتب شئون إدارية إلى باحث قانونى بالإدارة البيطرية بدار السلام وقد تم ذلك. وفى نهاية حديثها تطالب عفاف وزير التعليم العالى بأن يقبلها كحالة استثنائية كباحثة لاستكمال الدراسات العليا وحصولها على درجة الماجستير فى القانون حيث إن تقديرها العام مقبول بنقص 2.5 درجة عن تقدير جيد نظرا لوفاة شقيقها وقت أداء الامتحانات.