النجاح يولّد النجاح، والأمل يولّد الأمل، وكلما استطاع الإنسان تحقيق إنجاز فى أمر من الأمور أو ملف من الملفات اكتسب ثقة فى ذاته، وانفتحت شهيته لتحقيق نجاح آخر، ولا منتهى لآمال الإنسان وطموحاته، وفى المقابل كذلك فإن ضيق الصدر يولد ضيقا أشد، حتى يظل الإنسان يتخبط فى حالة من الكآبة والإحباط والحزن واليأس، إلى أن يدركه اللطف الإلهى بأمر يكسر هذه الدائرة المفرغة، وينتشله منها، ويقذف به سريعا إلى حالة سعة وانشراح، فإذا بالإنسان كأنه عاد حيا بعد موت. ويمكن قياس نجاح الأمم والشعوب بهذا المعيار، فإذا كانت مؤسساتها وأدواتها وتعليمها وإعلامها وحالة الشارع فيها تغرس فى نفس الإنسان هذه المعانى فإنه يستطيع التغلب على كل أزمة تعترضه، لأن السياق العام من حوله سيكون جارفا ومنهمرا ومتدفقا فى اتجاه النجاح والإنجاز وتفكيك الأزمات وتخطيها، وإذا كانت مؤسساتها وأدواتها على النقيض من ذلك فإن الإنسان يضيق صدره، ويظلم عقله، وينغرس فى أعماق وعيه عجز باطنه عن تفكيك أى أزمة، فيقف الإنسان فى أعماق نفسه منهكا خائر القوي، مظلم الأفق. ومعيار نجاح أى أمة أو حضارة فى اجتياز أزماتها هو بقاء الإنسان رغم الأزمات حيا، صاحب إرادة، لم ينهزم فى أعماقه، ولم ينكسر فى باطنه، ولم يقرر التخلى عن المثابرة وإدارة الأزمة، وقد انكسرت ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية لكن الإنسان الألمانى لم ينكسر، وانكسرت اليابان فى الحرب العالمية وتم قصفها بالقنبلة النووية لكن الإنسان اليابانى لم ينكسر، وانكسرت مصر فى النكسة لكن الإنسان المصرى لم ينكسر، بل ظل كل واحد من تلك النماذج الثلاثة يمتلك فى باطنه إرادة متأججة، وهمة متلاطمة، واستنفارا للعزيمة، وإيمانا مطلقا فى قدرته على اجتياز أزماته، وإعادة بناء ما تهدم، وثقة مطلقة فى أنه أكبر من الأزمة، وأنها لا تستطيع أن تحتويه أو أن تغرقه، بل هو أكبر منها، وقادر على اختراقها، وأنها لا تفزعه، ولا ترعبه، ولا تنال منه ومن همته. وأقول للإنسان المصرى: حرام أن يكون منتهى أملك هو اجتياز أزمة السكر والشاى والبنزين وسعر صرف الدولار وارتفاع الأسعار، لأنك أكبر من تلك الأزمات جميعا، ومفاتيح حلها فى يديك أنت، ونقطة البداية هى الخروج من حالة الهلع والحيرة والخوف التى تدفع الإنسان إلى الشح والمنازعة والاحتكار، واعتصار الناس فى أوقات أزماتهم لاستخراج النقود والثراء منهم، لأن حالة التشنج والاحتقان هذه تولد منظومة من القيم النفسية المنحرفة، الغارقة فى الأنانية والشح والاختزان والخوف من الغد، فتزداد الأزمة حدة واحتقانا، إن المفتاح الحقيقى هو اقتحام الخوف على المأكل والمشرب، وسرعة اختراق هذه الحالة النفسية المزمنة التى لا تزيد الإنسان إلا عجزا، والانتقال منها إلى حالة استنفار وعرق وجهد، وتشغيل عاجل لكل قطعة أرض، ولكل ميناء ومصنع، مع ثقة مطلقة فى أنك أكبر من هذه الأزمة، وأنها لا تعنيك مهما كان حجمها. المفتاح الحقيقى أن تتحرر من وهم الشح وضيق الأقوات وأن تجعل سقف آمالك مرتفعا فى أنك قادر على مغالبة نفسك، وعدم الانهزام أمام طمعك وشحك واحتكارك، وعدم الاستسلام لوهم اعتصار أزمة الناس لتخرج منها ببضعة آلاف من الجنيهات العاجلة التى لن تنفعك إذا ظل الناس من حولك فى حالة احتقان وشح. المفتاح الحقيقى هو أن يتحرر الإنسان المصرى سريعا من هذه الأغلال لينطلق إلى تشغيل ثروات بلاده، وتفكيك أزماتها، وإعادة الجدية إلى منظومة تعليمه مع الكرم النفسى وبذل الوقت والمجهود لتثقيف العقول وتعليمها ولو أن يجلس الأستاذ لتعليم طلابه على قارعة الطريق، حريصا على نقله ما عنده من المعرفة إليهم، وإعدادهم ليكونوا رجالا أوفياء للوطن. المفتاح الحقيقى ان يؤمن كل إنسان بأن مقصده الأكبر هو إعادة صناعة الحضارة، وإثبات الذات، وتحقيق المكانة التى تليق به وبوطنه، حتى تتصاغر فى نظره تلك الأهداف الوقتية المنحرفة التى تجعل قصارى أمله أن يجنى بضعة ألوف من أزمات الناس ليأكل بها ويشرب، ثم يغرق ويغرق الناس معه. إن إخراج الإنسان من حالة الوهم، وإعادة الثقة إلى الإنسان فى ذاته، وبيان التضاؤل والصغر لحجم الأزمات أمام قوته هو وهمته وإرادته، ورفع سقف طموحه ليخرج من طموح الشح والانتزاع والاعتصار للناس حتى ينطلق إلى الحضارة والتمدن والرخاء والسعة النفسية وإعطاء الناس وإغاثتهم فى وقت أزماتهم هو بداية الطريق الصحيح. لمزيد من مقالات د.أسامة السيد الأزهرى;