الدكتور عبد الجليل سالم أحد أهم رموز محاربة الفكر المتطرف فى تونس ,خاض معركة شديدة مع المتطرفين عندما كان رئيسا لجامعة الزيتونة بين عامى 2011 و2014 , وهى السنوات التى شهدت سطوة جماعات التطرف الدينى عقب الثورة التونسية مباشرة أربع سنوات حارب فيها محاولات المتطرفين إلغاء أقسام العلوم الدينية بالجامعة وعلى رأسها علم الكلام الذى كان يرأسه لسنوات هو واجهة ليبرالية تماما لوزارة أصبحت تتعامل مع اشد ملفات تونس بل والعالم سخونة, ورغم ذلك لا يصنف وزير الشئون الدينية التونسى التطرف باعتباره أزمة بل يراه نتاجا لأزمة يعيشها العالم العربى كله ويدعو للفصل التام بين الدين كرسالة مقدسة وبين الفكر الدينى وظواهره المختلفة، «الأهرام» التقت وزير الشئون الدينية وأستاذ علم الكلام والمفكر الليبرالى المعروف فى تونس دكتور عبد الجليل سالم على هامش ندوة نظمها المركز الدولى للدراسات الإستراتيجية والأمنية بتونس بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية.. و حملت عنوان «نحو خطاب دينى لمواجهة الفكر التكفيرى وإرساء ثقافة السلام». كيف يمكن أن تفسر التنامى الغريب للتطرف الدينى فى دولة كانت تشتهر بعلمانيتها وتجددها فكريا ودينيا مثل تونس ؟ لم نلحظ هذه الظاهرة قبل الثورة فقد كان الرئيس المخلوع بن على يتعامل مع الظاهرة على الطريقة الأمنية البحتة ,وكان يعرف الظروف والوضع جيدا ويعالجه بطريقته , بينما نحن كمثقفين لم نكن نملك تصور علمى واضح للظاهرة إلا أننا اكتشفنا بعد سقوط النظام الوضع المزعج الذى كان يختفى تحت الرماد خاصة أن تونس اشتهرت دوما بتنوعها وتصالحها وحياتها المنفتحة وحتى إسلامنا السياسى لم يكن أبدا بهذا التشدد, ونتيجة لهذا الاكتشاف عشنا أزمة كبيرة مع التيارات السلفية وأنصار الشريعة وأنصار القاعدة, ومنهم عدد كبير كانوا ممن خرجوا من السجون وكأنهم خرجوا من تحت الأرض وفوجئنا بالتيار التكفيرى السلفى بنوعيه الجهادى والعلمى وأصبحنا خلال شهور نعيش عالم أخر لم نكن نعرف عنه شيئا بعد ، كشف لنا هؤلاء عن أنفسهم وأفكارهم بل وبدأوا يتحركون داخل المجتمع والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية , و كنت وقتها رئيسا لجامعة الزيتونة وفوجئت بالتيار السلفى يريدون اكتساح الجامعة وفرض سطوتهم على الطلاب والأساتذة وطلبوا أن نتوقف عن تدريس علوم نعتبرها من صميم العلوم الإسلامية كعلم الكلام وعلم التصوف والفلسفة وغيرها كان هدفهم نسف المدرسة الإصلاحية الدينية التونسية تماما, لذلك هالنى وأنا أستاذ ورئيس جامعة هذه الهجمة الشرسة علينا خاصة فى ظل غياب الدولة وعدم تماسكها ولم يكن أمامنا وقتها سوى المقاومة الشديدة ومحاربتهم بالفكر والعلم. وكان يساندنا فى تلك المعركة أن هؤلاء لا يملكون علما ولا يملكون معرفة ولذلك وقفنا لهم بالعلم والأكاديمية والتخصص وقاومنا لأكثر من عامين أى عمليات للتحكم فى الجامعة ومناهجها إلى أن عادت للدولة هيبتها وقوتها واستقرت بعد عام 2014 واسترجعنا الكثير من المؤسسة الدينية خاصة المساجد والمنابر التى كانوا يسيطرون عليها لحد كبير. ربما الآن نحن فى وضعية أفضل كثيرا , لكن الإرهاب لم يزل والفكر المتطرف موجود والخطر لا زال قائما وهذا يتطلب جهد كبيرا وأن نقدم بدائل جديدة لهذا الفكر سواء من جانب المؤسسات الرسمية أو الدينية ,واكبر التحديات الآن هو تحدى خلق خطاب دينى مغاير للخطاب التقليدى السائد يتميز بكونه خطاب علميا وحقيقيا وبعيد عن الغيبيات. وهل بدأتم خطوات حقيقية لتحقيق هذا طالما لديكم رؤية واضحة للحل ؟ الحل ليس بهذه السهولة فليس لدينا حاليا من يستطيع أن يقدم هذا الخطاب ,والتحدى الحقيقى الآن هو وضع مناهج لتطوير أداء الوعاظ كما أننا بدأنا بالفعل فى تأسيس معهد ضخم فى القيروان للخطابة والإرشاد الدينى , فليس من الطبيعى أن تكون هناك وزارة للإرشاد الدينى بدون أن يكون لديها معهد يخرج الآلية الأولى لعملها وهو الكادر الإنسانى والسؤال الآن هو كم من الوقت يلزم لكى نكون إماما وهذا يتطلب وقتا طويلا والخطابة فن فى المحتوى وطريقة توصيل هذا المحتوي. هل هناك مساجد فى تونس لا زالت تخضع لسطوة المتشددين خاصة مع التقارير التى تتحدث عن كثافة وجود هؤلاء فى المدن الصغيرة والقرى ؟ المساجد بشكل عام تابعة لوزارة الشئون الدينية ولكن هناك تيارات سيطرت عليها كما قلت فى فترة ما ولكننا استرجاعها ,وان كان ذلك لا يمنع من وجود أئمة لديهم أفكارا مخالفة ومتشددة. الكلام عن 15 ألف متشدد -فى تقدير البعض –ألا يثير الخوف ؟ بداية أنا كوزير لا استطيع أن أؤكد أو انفى هذا الرقم ,لا املك رقما محددا لكن ما اعرفه أن التشدد والتطرف اجتاح العالم العربى كله, ربما لا تهمنى الأرقام الآن ولكن ما اعرف تماما أن النسبة عالية سواء فى تونس أو الجزائر أو مصر نحن الآن نحتاج من يقف على أسبابها وكيفية التعامل معها وان نبحث فى أسباب نشأتها والذى أرى أهمها هو هذه الحالة من حلم العودة للدين والعودة للإسلام وما يقال أن الشريعة هى الحل بدون أن نقرأ التاريخ الذى يخبرنا انه فى كل أوقات الأزمات التاريخية ,كانت الأصولية والتشدد يصعدان بشكل غريب وتكرر الأمر تاريخيا كثيرا, فمثلا عندما سادت الأزمة الاقتصادية والثقافية فى أوروبا بين الحربين صعدت الفاشية والنازية وكان يتصور أنها حل للأزمة , والمعتاد أن الدولة الوطنية عندما تدخل أزمة تقدم التيارات الأصولية والفكرية المتشددة نفسها كبديل وحل ونحن شهدنا أزمات أدت لظهور تلك التيارات, وهذه التيارات هى تعبير عن أزمة وليست تعبير عن حل أو حتى فكر بديل وما يروجونه من تصورات تتعلق بنسبتهم العالية أو أنهم الاختيار الحالى للشعوب هو أمر غير حقيقى بالمرة ,لأنهم مشروع أزمة وليسوا مشروع حل ,هم إفرازات أزمات تاريخية وثقافية وحضارية فى وقت ما وهم احدى مظاهر الأزمة الحضارية التى نعيشها وتعبير حقيقى عن خيباتنا وإحباطاتنا وربما لا زال بعض الناس تتصور أن هذه التيارات سواء المعتدلة منها أو المتطرفة تملك حلا ولكن سرعان ما سيكتشفون الحقيقة وهو ما حدث لديكم فى مصر كنموذج ناجح. الإقتراب من الدين كمقدس والتشكيك فى إمكانية أن يقدم حلا أمرا ليس سهلا فكيف يمكن التعامل مع تلك المساحة ؟ المشكلة ليست فى الأديان , المشكلة انه أن الأوان عندما نتعامل مع الظواهر الدينية أن نحللها تحليلا علميا وان نفصل بين الدين وبين الفكر الدينى والظواهر الدينية ,هذا الخلط لا زال قائما وازداد الآن بشكل غريب نحن نخلط بين الدين والتدين والغرب وقع فى تفسيره للإسلام السياسى فى نفس الأزمة واعتبر أن الإسلام مرادف للإرهاب من نفس المنطلق لأنه تعامل مع التدين التكفيرى الذى يعانى منه باعتباره هو الدين الإسلامى وهل يمكن ان نجد لدينا من يملك جرأة التعامل مع الظاهرة بنفس الآلية؟ نحن الآن كمثقفين ومهتمين لابد أن نمتلك تلك الجرأة العلمية والفكرية وبشكل شخصى أنا مهتم تماما بكيف نفرق بين المقدس وغير المقدس بين الدين فى نصوصه وبين القراءات التاريخية له والتى باتت ملحة جدا الآن , بين النص والتأويل. مؤتمر مواجهة الفكر التكفيرى فى تونس ما يزيد على عشرين عالما ومفكرا دينيا كانوا حضور المؤتمر الذى نظمه المركز الدولى للدراسات الإستراتيجية والأمنية بتونس بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية.. والذى حمل عنوان «نحو خطاب دينى لمواجهة الفكر التكفيرى وإرساء ثقافة السلام» . عنوان المؤتمر رغم ما يبدو علية من تقليدية الفكرة ,, إلا انه وعبر يومين كاملين من جلسات العمل والنقاش وتبادل الأوراق والأفكار بين مفكرين عرب من العراق ومصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب ظهر تماما حجم المشكلة التى تعانى منها الدول العربية مع الفكر التكفيرى وأزمة استغلال الدين لتكون مرجعية لهذا الفكر رغم كل محاولات رجال الدين الوسطيين لبيان ما بالدين من سماحة واعتدال تونس : تعد تونس احد أكبر مورد للتكفيريين فى سورياوالعراق، بالإضافة إلى 1500 آخرين توجهوا إلى ليبيا، مع توقعات بزيادة ذلك الرقم فى المستقبل القريب، وترجح التقديرات الرسمية تعداد المقاتلين التونسيين فى صفوف التنظيمات المتطرفة بحوالى 6 آلاف، يرتفعون إلى 7 آلاف فى تقديرات أخرى، وهو ما يمثل 55 مقاتلا مقابل كل مائة ألف من إجمالى تعداد سكان تونس المقدر ب11 مليون نسمة، ويشكل المقاتلون التونسيون حوالى نصف تعداد القوات الأجنبية فى ليبيا. وتعتبر بن قردان أكبر حاضنات التكفيريين فى العالم، بتوريدها 15% من إجمالى مقاتلى البلاد فى الخارج، ومسقط رأس منفذى هجمات رئيسية مثل عملية متحف باردو التونسى فى مارس 2015، وعملية منتجع سوسة فى يونيو من العام ذاته.