ما من عاقل يرفض أن تكون هناك معايير موضوعية صحيحة لاختيار رؤساء إدارات وتحرير الصحف القومية, تضمن لهذه الصحف المزيد من المصداقية والمهنية والحرص علي حق القاريء في أن يعرف, ورواج الصحيفة واحترامها لنفسها وقارئها, لكن المشكلة لم تكن أبدا في تحديد المعايير التي يمكن أن يعدها طالب إعلام في أول أعوامه الجامعية, ولكنها كانت دائما وأبدا في من يطبق هذه المعايير علي نحو صحيح ويضمن حياد التطبيق وشفافيته, بحيث ينتفي منه كل صور التمييز. ولا أظن أن المطلوب منا أن نخترع العجلة من جديد, لأن تاريخ الصحافة المصرية وحاضرها, القومية والحزبية والخاصة, يحفل بتجارب ناجحة لرؤساء إدارات ورؤساء تحرير نهضوا بصحفهم وأخرجوها من أزمة ركود طويل, وأعادوا لها قدرتها علي المنافسة وجذب المزيد من القراء, لأنهم اعتمدوا في عملهم علي معايير مهنية لا يخالطها انحيازات سياسية أو حزبية. وأظن أن جوهر المشكلة هنا هو مدي استقلال مؤسسات الصحافة القومية عن ضغوط السلطة التنفيذية وفرص نجاحها في أن تكون قومية بالفعل, تتجاوز دورها التقليدي في خدمة الحكومة والرئيس الذي درجت عليه طويلا لتصبح منبرا لكل المصريين, تقف علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية وتدير الحوار بأمانة ونزاهة بين كل قوي المجتمع, وتملك شجاعة التعبير عن الرأي والرأي الاخر وتنتصر لحق الخلاف, وتعكس الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع علي نحو أكثر صدقا وتوازنا.., ومن ثم يصبح المطلوب قبل الحديث عن معايير اختيار رؤساء التحرير والادارة التي يريد مجلس الشوري تطبيقها تحقيق استقلال المؤسسات الصحفية القومية بما يمكن مجالس ادارتها من القدرة علي المبادرة واتخاذ القرار وإدارة هذه المؤسسات وما من شك أن تعزيز سلطة مجالس ادارات الصحف القومية يجعلها الاقدر علي اختيار رؤساء التحرير من بين الصحفيين العاملين في كل صحيفة, ويلزمها أن تكون الاكثر شفافية في تطبيق معايير الاختيار احتراما للرأي العام داخل كل صحيفة, في اطار عقد واضح بين الادارة ورئيس التحرير الجديد يتضمن شروطا واضحة, تضمن زيادة رواج الصحيفة والمحافظة علي مصداقيتها ورفع قدرتها علي المنافسة, يمكن تجديده لمدتين أو أكثر ما لم يخل أي من الطرفين بشروط التعاقد. ولا أظن ان اختيار مجالس ادارات الصحف لرؤساء التحرير, كما يحدث الآن في الصحف الخاصة, يخل بحقوق مجلس الشوري الذي آلت إليه ملكية هذه الصحف, لأن ما يهم مجلس الشوري هو حسن الادارة المالية والاقتصادية لهذه المؤسسات, وضمان الرقابة علي المال العام, وليس السيطرة السياسية علي هذه الصحف التي ينبغي أن تكون مستقلة وحرة احتراما لحرية الرأي والتعبير, تلتزم شأنها شأن كل المؤسسات الصحفية الخاصة والحزبية بمواثيق الشرف الصحفية, وتحترم حكم القانون والقضاء.., ولأن أنجح النظم وأكثرها كفاءة هي النظم الاكثر بساطة ووضوحا, يكاد يكون هذا النموذج في اختيار رؤساء التحرير الاكثر شيوعا في كل ديمقراطيات العالم بعد أن فشلت تجربة صحيفة لومونا الفرنسية في انتخاب رئيس تحريرها من بين أعضاء هيئة تحريرها لأن الانتخابات مزقت علاقات الصحفيين داخل الصحيفة, وزادت من مخاطر الشللية وجعلت رئيس التحرير أسيرا لضغوط ناخبيه. بل لعل واجب الصراحة يلزمني أن أقول أن هذه الصيغة هي الصيغة المثلي التي تضمن تصحيح وتطوير دور ومهام المؤسسات الصحفية التي تستوعب أكثر من07 في المائة من أعداد الصحفيين المقيدين في جداول النقابة, وتغطي إصداراتها ما يقرب من08 في المائة من حجم توزيع الصحف المصرية, وتتعرض لضغوط اقتصادية هائلة نتيجة الهياكل المالية المختلة منذ زمن في عدد من هذه المؤسسات, في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة بين الصحف القومية والخاصة والحزبية, تلزم الجميع ضرورة تحسين جودة انتاجهم الصحفي لأن المنافسة لن ترحم أحدا, صحيح أن بعض اصدارات المؤسسات الصحفية القومية خاسر وراكد لأنها صدرت دون دراسات جدوي حقيقية, لكن تحسين قدرة مجالس إدارات الصحف القومية علي اتخاذ القرار الصحيح يمكن أن يساعد علي حل هذه المشكلات. وبدون تحقيق استقلال مجالس ادارات الصحف القومية, وإعادة تشكيلها علي نحو يضمن حسن تمثيلها للرأي العام المصري, سوف يتعذر علي المؤسسات الصحفية القومية, المتخمة بإعداد هائلة من الصحفيين لا يتمكنون من تحقيق ذواتهم, الصمود في سوق المنافسة أمام مؤسسات صحفية خاصة أقل عددا وأكثر حيوية ونشاطا, تصدر صحفا ناجحة لأنها تختار هيئات تحريرها في اطار معايير مهنية صرفة تضمن النجاح لإصداراتها. ومع الأسف لا توفر المعايير التي أعدها مجلس الشوري لاختيار رؤساء التحرير, ولا الآلية التي تقترحها مذكرة المجلس لتطبيق هذه المعايير أية ضمانات تكفل حسن الاختيار وموضوعيته وحياده, فالمعايير المقترحة غريبة وفضفاضة تمنع علي سبيل المثال من عملوا كمستشارين للحكومة أو بعض الشركات المحلية والعالمية من تولي منصب رئيس التحرير دون أي مسوغ, لكن الأغرب من هذه المعايير آلية تطبيق هذه المعايير التي عهد بها الي لجنة من31 عضوا يرأسها رئيس لجنة الثقافة والإعلام بينهم ستة من رؤساء لجان المجلس لا علاقة لهم البتة بالصحافة اضافة الي6 أعضاء يختارهم مكتب المجلس من شيوخ الصحافة وأساتذة الاعلام والادارة والقانون واثنين من أعضاء المجلس الأعلي للصحافة اضافة الي نقيب الصحفيين. ولا أظن أن لجنة يتشكل غالبيتها المطلقة من التيارين الاساسيين اللذين يشكلان عضوية مجلس الشوري جماعة الإخوان والتيار السلفي يمكن أن تكون مؤهلة لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية علي نحو محايد لا يخالطه الانحياز لتيار فكري وعقائدي بعينه, في ظل مناخ تسيطر عليه الهواجس والشكوك وفقدان الثقة المتبادلة نتيجة الاتهامات المرسلة التي صدرت عن بعض قيادات هذين التيارين, تتهم الصحف مرة بأنهم سحرة فرعون الذين ينبغي استئصالهم!, أو علمانيين مشكوك في إيمانهم!, يناصبون جماعة الاخوان العداء بسبب بعض الانتقادات التي اتهمت الجماعة بالرغبة في الاستحواذ علي كل السلطات, وتعويق تشكيل اللجنة التأسيسية التي لا تزال رهينة لمناورات مجلس الشعب في صراعه مع المجلس العسكري, وتفصيل قوانين خاصة علي قياس الجماعة, أبرزها مشروع قانون لم يمر, يحجب عن المحكمة الدستورية سلطتها في الرقابة علي دستورية القوانين, ويجعل تطبيق أحكامها أمرا غير ملزم, وهي انتقادات لم يكن مصدرها الأصلي الجماعة الصحفية, ولكنها شاعت علي كل لسان في الشارع السياسي وأثرت علي مصداقية الجماعة وأفقدتها نصف الأصوات الانتخابية التي حصلت عليها في الانتخابات البرلمانية, وبدلا من أن تعيد الجماعة النظر في بعض مواقفها وتحاول تحسين صورتها, صبت جام غضبها علي الصحافة والصحفيين, وما يزيد من سوء المناخ سوء التوقيت الذي عرض فيه مجلس الشوري معاييره الجديدة وسط أزمة سياسية عنيفة, زادت من حجم الاستقطاب السياسي في المجتمع وربما يسأل البعض, لماذا تزداد هواجس الصحفيين في المؤسسات الصحفية القومية الآن, وقد عاشوا عقودا طويلة تحت ظلال ملكية مجلس الشوري لمؤسساتهم القومية, وأظن أن السبب يعود الي أن مجلس الشوري لم يكن يمارس أية سلطات فعلية علي عمل المؤسسات الصحفية ولم يكن يتدخل في أي من شئونها, خاصة أنه عهد بمسئولية الرقابة المالية علي هذه المؤسسات الي الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يحتفظ بمندوبين له في كل مؤسسة صحفية قومية يراقبون كل القرارات وكل الأوراق, كما أن اختيار رؤساء التحرير كان يتم في كواليس رئاسة الجمهورية, وفي الأغلب لم يكن المجلس يعرف شيئا عن تعيينات رؤساء التحرير, الا أن تأتيه الترشيحات من مكتب رئيس الجمهورية في اللحظة الاخيرة لتصدر باسم مجلس الشوري المالك الصوري للصحافة القومية بعد جلسة قصيرة تعقدها اللجنة العامة للمجلس تقر فيها هذه الترشيحات دون أي تعديل! لكن المشروع الذي يقدمه مجلس الشوري الجديد بعد ثورة52 يناير ينطوي علي تفاصيل عديدة تزيد من وزن وثقل تدخل المجلس في أعمال المؤسسات الصحفية القومية الي حد دخوله طرفا في تفاصيل صغيرة تتعلق بإدارة هذه المؤسسات, فالمجلس يصر علي تقييم ومحاسبة قيادات المؤسسات الصحفية ومراقبة جميع اصداراتها وبحث امكانية دمج الاصدارات المختلفة وإنشاء جهاز يتبعه يراقب أرقام التوزيع, ويصر علي ضرورة وضع هياكل تنظيمية جديدة وجداول توصيف للوظائف والمرتبات, ولا مراء في أن دخول المجلس طرفا في هذه التفاصيل يمكن أن يضعف استقلالية هذه المؤسسات ويقلل قدرتها علي المبادرة والمنافسة واتخاذ القرار, فإذا أضفنا الي ذلك أن المجلس سوف يختار رؤساء التحرير عبر لجانه المشكلة علي النحو السابق ذكره التي يصعب أن تكون حيادية, يصبح الخوف علي مستقبل المؤسسات الصحفية القومية مبررا, في الوقت الذي تتمتع فيه المؤسسات الصحفية الخاصةة بحرية الحركة والقرار! وأظن أن التذرع بوجود بؤر فساد كبيرة في المؤسسات الصحفية القومية هو مجرد ذريعة, لأن أحدا لم يمنع الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يراقب كل الاوراق والقرارات من ممارسة عمله, ولم يصادر علي حقه في ابلاغ النائب العام عن أي فساد محتمل داخل هذه المؤسسات, لكن الأمر لا يعدو أن يكون ذريعة لتبرير تدخل سافر في العمل اليومي للمؤسسات الصحفية القومية, من شأنه أن يشل قدرة هذه المؤسسات علي اتخاذ القرار الصحيح ويهدد حرية الرأي والتعبير داخلها, ويحرمها من القدرة علي منافسة المؤسسات الصحفية الخاصة, وأخيرا هل يمكن بعد ثورة52 يناير التي قامت في الأصل دفاعا عن حرية الرأي والتعبير أن تزيد القيود علي صحافتنا القومية بدلا من فك وثاقها وقيودها, وما هو الخطر الذي يمكن أن نخشاه من أن نعطي للمؤسسات الصحفية القومية استقلالها وحقها في المبادرة واتخاذ القرار, إن كان الجهاز المركزي يقبع في كل المؤسسات يراقب كل القرارات والأوراق, ولا أظن أن الرئيس الجديد المنتخب سوف يكون له بعد كل الذي جري للرئيس السابق الارادة أو الرغبة في أن يحمي الفساد داخل أي من مؤسسات الدولة والمجتمع. من فضلكم ارفعوا أيديكم عن المؤسسات الصحفية القومية وأعطوها الفرصة كي تتنفس هواء حرا طليقا حتي تستطيع أن تنهض بمسئوليتها في حماية الصالح الوطني العام الذي أصبح نسيا منسيا وسط الخلافات البائسة التي تمزق كل القوي الوطنية والثورية تمنعها من التوافق حول أبسط حقوق الوطن وأكثرها ضرورة. إن ملكية مجلس الشوري للمؤسسات الصحفية القومية لا تبرر حقه في فرض سيطرته السياسية علي هذه المؤسسات, ولا ينبغي أن تعطيه حق تسمية وتعيين رؤساء تحرير صحف هذه المؤسسات بعد ثورة52 يناير التي حررت حرية الرأي والتعبير من كل قيد سوي سلطة القانون, وحصرت دور المجلس في الرقابة علي الاداء المالي والاداري لهذه المؤسسات باعتباره المالك الذي آلت اليه ملكية هذه الدور, وإذا كنا نطالب بدولة المؤسسات التي تضمن لكل مؤسساتها القدرة علي أداء مسئولياتها اعتمادا علي ذاتها, وترفع عنها القيود التي تكبلها وتمكنها من حرية اتخاذ القرار في اطار يضمن شفافية التصرف في المال العام ويعطيها حرية الحركة في سوق تستعر فيها المنافسة بحثا عن الأكثر جودة, يصبح من غير المقبول أو المعقول أن نكبل حرية المؤسسات الصحفية في اتخاذ القرارات التي تكفل نهضتها وتقدمها. ما من عاقل يرفض أن تكون هناك معايير موضوعية صحيحة لاختيار رؤساء إدارات وتحرير الصحف القومية, تضمن لهذه الصحف المزيد من المصداقية والمهنية والحرص علي حق القاريء في أن يعرف, ورواج الصحيفة واحترامها لنفسها وقارئها, لكن المشكلة لم تكن أبدا في تحديد المعايير التي يمكن أن يعدها طالب إعلام في أول أعوامه الجامعية, ولكنها كانت دائما وأبدا في من يطبق هذه المعايير علي نحو صحيح ويضمن حياد التطبيق وشفافيته, بحيث ينتفي منه كل صور التمييز. ولا أظن أن المطلوب منا أن نخترع العجلة من جديد, لأن تاريخ الصحافة المصرية وحاضرها, القومية والحزبية والخاصة, يحفل بتجارب ناجحة لرؤساء إدارات ورؤساء تحرير نهضوا بصحفهم وأخرجوها من أزمة ركود طويل, وأعادوا لها قدرتها علي المنافسة وجذب المزيد من القراء, لأنهم اعتمدوا في عملهم علي معايير مهنية لا يخالطها انحيازات سياسية أو حزبية. وأظن أن جوهر المشكلة هنا هو مدي استقلال مؤسسات الصحافة القومية عن ضغوط السلطة التنفيذية وفرص نجاحها في أن تكون قومية بالفعل, تتجاوز دورها التقليدي في خدمة الحكومة والرئيس الذي درجت عليه طويلا لتصبح منبرا لكل المصريين, تقف علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية وتدير الحوار بأمانة ونزاهة بين كل قوي المجتمع, وتملك شجاعة التعبير عن الرأي والرأي الاخر وتنتصر لحق الخلاف, وتعكس الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع علي نحو أكثر صدقا وتوازنا.., ومن ثم يصبح المطلوب قبل الحديث عن معايير اختيار رؤساء التحرير والادارة التي يريد مجلس الشوري تطبيقها تحقيق استقلال المؤسسات الصحفية القومية بما يمكن مجالس ادارتها من القدرة علي المبادرة واتخاذ القرار وإدارة هذه المؤسسات وما من شك أن تعزيز سلطة مجالس ادارات الصحف القومية يجعلها الاقدر علي اختيار رؤساء التحرير من بين الصحفيين العاملين في كل صحيفة, ويلزمها أن تكون الاكثر شفافية في تطبيق معايير الاختيار احتراما للرأي العام داخل كل صحيفة, في اطار عقد واضح بين الادارة ورئيس التحرير الجديد يتضمن شروطا واضحة, تضمن زيادة رواج الصحيفة والمحافظة علي مصداقيتها ورفع قدرتها علي المنافسة, يمكن تجديده لمدتين أو أكثر ما لم يخل أي من الطرفين بشروط التعاقد. ولا أظن ان اختيار مجالس ادارات الصحف لرؤساء التحرير, كما يحدث الآن في الصحف الخاصة, يخل بحقوق مجلس الشوري الذي آلت إليه ملكية هذه الصحف, لأن ما يهم مجلس الشوري هو حسن الادارة المالية والاقتصادية لهذه المؤسسات, وضمان الرقابة علي المال العام, وليس السيطرة السياسية علي هذه الصحف التي ينبغي أن تكون مستقلة وحرة احتراما لحرية الرأي والتعبير, تلتزم شأنها شأن كل المؤسسات الصحفية الخاصة والحزبية بمواثيق الشرف الصحفية, وتحترم حكم القانون والقضاء.., ولأن أنجح النظم وأكثرها كفاءة هي النظم الاكثر بساطة ووضوحا, يكاد يكون هذا النموذج في اختيار رؤساء التحرير الاكثر شيوعا في كل ديمقراطيات العالم بعد أن فشلت تجربة صحيفة لومونا الفرنسية في انتخاب رئيس تحريرها من بين أعضاء هيئة تحريرها لأن الانتخابات مزقت علاقات الصحفيين داخل الصحيفة, وزادت من مخاطر الشللية وجعلت رئيس التحرير أسيرا لضغوط ناخبيه. بل لعل واجب الصراحة يلزمني أن أقول أن هذه الصيغة هي الصيغة المثلي التي تضمن تصحيح وتطوير دور ومهام المؤسسات الصحفية التي تستوعب أكثر من07 في المائة من أعداد الصحفيين المقيدين في جداول النقابة, وتغطي إصداراتها ما يقرب من08 في المائة من حجم توزيع الصحف المصرية, وتتعرض لضغوط اقتصادية هائلة نتيجة الهياكل المالية المختلة منذ زمن في عدد من هذه المؤسسات, في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة بين الصحف القومية والخاصة والحزبية, تلزم الجميع ضرورة تحسين جودة انتاجهم الصحفي لأن المنافسة لن ترحم أحدا, صحيح أن بعض اصدارات المؤسسات الصحفية القومية خاسر وراكد لأنها صدرت دون دراسات جدوي حقيقية, لكن تحسين قدرة مجالس إدارات الصحف القومية علي اتخاذ القرار الصحيح يمكن أن يساعد علي حل هذه المشكلات. وبدون تحقيق استقلال مجالس ادارات الصحف القومية, وإعادة تشكيلها علي نحو يضمن حسن تمثيلها للرأي العام المصري, سوف يتعذر علي المؤسسات الصحفية القومية, المتخمة بإعداد هائلة من الصحفيين لا يتمكنون من تحقيق ذواتهم, الصمود في سوق المنافسة أمام مؤسسات صحفية خاصة أقل عددا وأكثر حيوية ونشاطا, تصدر صحفا ناجحة لأنها تختار هيئات تحريرها في اطار معايير مهنية صرفة تضمن النجاح لإصداراتها. ومع الأسف لا توفر المعايير التي أعدها مجلس الشوري لاختيار رؤساء التحرير, ولا الآلية التي تقترحها مذكرة المجلس لتطبيق هذه المعايير أية ضمانات تكفل حسن الاختيار وموضوعيته وحياده, فالمعايير المقترحة غريبة وفضفاضة تمنع علي سبيل المثال من عملوا كمستشارين للحكومة أو بعض الشركات المحلية والعالمية من تولي منصب رئيس التحرير دون أي مسوغ, لكن الأغرب من هذه المعايير آلية تطبيق هذه المعايير التي عهد بها الي لجنة من31 عضوا يرأسها رئيس لجنة الثقافة والإعلام بينهم ستة من رؤساء لجان المجلس لا علاقة لهم البتة بالصحافة اضافة الي6 أعضاء يختارهم مكتب المجلس من شيوخ الصحافة وأساتذة الاعلام والادارة والقانون واثنين من أعضاء المجلس الأعلي للصحافة اضافة الي نقيب الصحفيين. ولا أظن أن لجنة يتشكل غالبيتها المطلقة من التيارين الاساسيين اللذين يشكلان عضوية مجلس الشوري جماعة الإخوان والتيار السلفي يمكن أن تكون مؤهلة لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية علي نحو محايد لا يخالطه الانحياز لتيار فكري وعقائدي بعينه, في ظل مناخ تسيطر عليه الهواجس والشكوك وفقدان الثقة المتبادلة نتيجة الاتهامات المرسلة التي صدرت عن بعض قيادات هذين التيارين, تتهم الصحف مرة بأنهم سحرة فرعون الذين ينبغي استئصالهم!, أو علمانيين مشكوك في إيمانهم!, يناصبون جماعة الاخوان العداء بسبب بعض الانتقادات التي اتهمت الجماعة بالرغبة في الاستحواذ علي كل السلطات, وتعويق تشكيل اللجنة التأسيسية التي لا تزال رهينة لمناورات مجلس الشعب في صراعه مع المجلس العسكري, وتفصيل قوانين خاصة علي قياس الجماعة, أبرزها مشروع قانون لم يمر, يحجب عن المحكمة الدستورية سلطتها في الرقابة علي دستورية القوانين, ويجعل تطبيق أحكامها أمرا غير ملزم, وهي انتقادات لم يكن مصدرها الأصلي الجماعة الصحفية, ولكنها شاعت علي كل لسان في الشارع السياسي وأثرت علي مصداقية الجماعة وأفقدتها نصف الأصوات الانتخابية التي حصلت عليها في الانتخابات البرلمانية, وبدلا من أن تعيد الجماعة النظر في بعض مواقفها وتحاول تحسين صورتها, صبت جام غضبها علي الصحافة والصحفيين, وما يزيد من سوء المناخ سوء التوقيت الذي عرض فيه مجلس الشوري معاييره الجديدة وسط أزمة سياسية عنيفة, زادت من حجم الاستقطاب السياسي في المجتمع وربما يسأل البعض, لماذا تزداد هواجس الصحفيين في المؤسسات الصحفية القومية الآن, وقد عاشوا عقودا طويلة تحت ظلال ملكية مجلس الشوري لمؤسساتهم القومية, وأظن أن السبب يعود الي أن مجلس الشوري لم يكن يمارس أية سلطات فعلية علي عمل المؤسسات الصحفية ولم يكن يتدخل في أي من شئونها, خاصة أنه عهد بمسئولية الرقابة المالية علي هذه المؤسسات الي الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يحتفظ بمندوبين له في كل مؤسسة صحفية قومية يراقبون كل القرارات وكل الأوراق, كما أن اختيار رؤساء التحرير كان يتم في كواليس رئاسة الجمهورية, وفي الأغلب لم يكن المجلس يعرف شيئا عن تعيينات رؤساء التحرير, الا أن تأتيه الترشيحات من مكتب رئيس الجمهورية في اللحظة الاخيرة لتصدر باسم مجلس الشوري المالك الصوري للصحافة القومية بعد جلسة قصيرة تعقدها اللجنة العامة للمجلس تقر فيها هذه الترشيحات دون أي تعديل! لكن المشروع الذي يقدمه مجلس الشوري الجديد بعد ثورة52 يناير ينطوي علي تفاصيل عديدة تزيد من وزن وثقل تدخل المجلس في أعمال المؤسسات الصحفية القومية الي حد دخوله طرفا في تفاصيل صغيرة تتعلق بإدارة هذه المؤسسات, فالمجلس يصر علي تقييم ومحاسبة قيادات المؤسسات الصحفية ومراقبة جميع اصداراتها وبحث امكانية دمج الاصدارات المختلفة وإنشاء جهاز يتبعه يراقب أرقام التوزيع, ويصر علي ضرورة وضع هياكل تنظيمية جديدة وجداول توصيف للوظائف والمرتبات, ولا مراء في أن دخول المجلس طرفا في هذه التفاصيل يمكن أن يضعف استقلالية هذه المؤسسات ويقلل قدرتها علي المبادرة والمنافسة واتخاذ القرار, فإذا أضفنا الي ذلك أن المجلس سوف يختار رؤساء التحرير عبر لجانه المشكلة علي النحو السابق ذكره التي يصعب أن تكون حيادية, يصبح الخوف علي مستقبل المؤسسات الصحفية القومية مبررا, في الوقت الذي تتمتع فيه المؤسسات الصحفية الخاصةة بحرية الحركة والقرار! وأظن أن التذرع بوجود بؤر فساد كبيرة في المؤسسات الصحفية القومية هو مجرد ذريعة, لأن أحدا لم يمنع الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يراقب كل الاوراق والقرارات من ممارسة عمله, ولم يصادر علي حقه في ابلاغ النائب العام عن أي فساد محتمل داخل هذه المؤسسات, لكن الأمر لا يعدو أن يكون ذريعة لتبرير تدخل سافر في العمل اليومي للمؤسسات الصحفية القومية, من شأنه أن يشل قدرة هذه المؤسسات علي اتخاذ القرار الصحيح ويهدد حرية الرأي والتعبير داخلها, ويحرمها من القدرة علي منافسة المؤسسات الصحفية الخاصة, وأخيرا هل يمكن بعد ثورة52 يناير التي قامت في الأصل دفاعا عن حرية الرأي والتعبير أن تزيد القيود علي صحافتنا القومية بدلا من فك وثاقها وقيودها, وما هو الخطر الذي يمكن أن نخشاه من أن نعطي للمؤسسات الصحفية القومية استقلالها وحقها في المبادرة واتخاذ القرار, إن كان الجهاز المركزي يقبع في كل المؤسسات يراقب كل القرارات والأوراق, ولا أظن أن الرئيس الجديد المنتخب سوف يكون له بعد كل الذي جري للرئيس السابق الارادة أو الرغبة في أن يحمي الفساد داخل أي من مؤسسات الدولة والمجتمع. من فضلكم ارفعوا أيديكم عن المؤسسات الصحفية القومية وأعطوها الفرصة كي تتنفس هواء حرا طليقا حتي تستطيع أن تنهض بمسئوليتها في حماية الصالح الوطني العام الذي أصبح نسيا منسيا وسط الخلافات البائسة التي تمزق كل القوي الوطنية والثورية تمنعها من التوافق حول أبسط حقوق الوطن وأكثرها ضرورة. إن ملكية مجلس الشوري للمؤسسات الصحفية القومية لا تبرر حقه في فرض سيطرته السياسية علي هذه المؤسسات, ولا ينبغي أن تعطيه حق تسمية وتعيين رؤساء تحرير صحف هذه المؤسسات بعد ثورة52 يناير التي حررت حرية الرأي والتعبير من كل قيد سوي سلطة القانون, وحصرت دور المجلس في الرقابة علي الاداء المالي والاداري لهذه المؤسسات باعتباره المالك الذي آلت اليه ملكية هذه الدور, وإذا كنا نطالب بدولة المؤسسات التي تضمن لكل مؤسساتها القدرة علي أداء مسئولياتها اعتمادا علي ذاتها, وترفع عنها القيود التي تكبلها وتمكنها من حرية اتخاذ القرار في اطار يضمن شفافية التصرف في المال العام ويعطيها حرية الحركة في سوق تستعر فيها المنافسة بحثا عن الأكثر جودة, يصبح من غير المقبول أو المعقول أن نكبل حرية المؤسسات الصحفية في اتخاذ القرارات التي تكفل نهضتها وتقدمها. المزيد من مقالات مكرم محمد أحمد