الله جل جلاله يريدنا أن نلتفت إلى أننا في الحج انتصرنا على الشيطان .. بأن امتنعنا عن كل ما نهى الله عنه .. ليس امتناعا يشمل ما حرم الله في الأوقات العادية .. ولكن التحريم امتد إلى بعض ما كان مباحا .. فكأن التحريم زاد ورغم ذلك قدرنا عليه .. وقضينا مناسك الحج في ذكر الله والانشغال بالعبادة والدعاء .. بمعنى أننا لسنا قادرين فقط على طاعة المنهج .. بل إننا قادرون على طاعات أكبر وأكثر! لكن ما هي قصة رجم إبليس؟ أراد الله سبحانه وتعالى بقصة إبراهيم وإسماعيل مع إبليس أن يعلمنا بعد أن وقفنا بعرفات وغفر لنا ذنوبنا، أنه لكي نحافظ على هذه التوبة, لا بد أن نرجم الشيطان في أنفسنا رجما معنويا فلا نجعل له فيها مدخلا, فإذا وسوس لنا بمعصية فلن نستمع إليه، ليبتعد عنا ويتركنا ولا يكون له علينا سلطان، بل نرجم نزغاته على الفور بالعصيان. بعض الناس يتساءل : نحن نرجم حجراً .. فما علاقة الشيطان بهذا الحجر؟ وهل الشيطان موجود فيه؟ بعض العلماء يقولون إن الشياطين تُحبَس في هذه الأحجار في أيام منى.. ونحن نقول سواء أكان هذه صحيحا أم غير صحيح.. فإنه اختبار كما قلنا للإيمان في القلب.. فعلّة الأسباب الإيمانية ليست في أن نفهمها.. أو نعرف الحكمة منها.. وإنما علّتها في أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بها.. فإننا نُقبِّلُ حجرا ونَرجُمُ حجرا.. والواجب أن نطيع الأمر.. ذلك أن هناك أسرارا كثيرة في الكون لا يعلَمُها إلا الله. يريد الله سبحانه وتعالى أن نعرف إنه مادمنا قد أتممنا الحج، فإن الشيطان لن يتركنا بمجرد غفران الذنب, ولكنه يحاول أن يدفعنا في ذنوب ومعاص جديدة وبمجرد عودتنا من الحج، سيعمل على أن يفسد علينا الطاعة ويضع في نفوسنا المعصية. وبما أننا قضينا مناسك الحج في ذكر الله، فإننا قادرون على طاعات أكبر وأكثر، فإذا تذكرنا هذه الحكمة التزمنا تقوى الله بعد أداء مناسك الحج.. ويقول الحق سبحانه وتعالى: ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشدُ ذكراً فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق)- سورة البقرة. وعلينا أن نذكر الله سبحانه وتعالى، فيجب أن يكون ذكرنا لله أشد من ذكرنا لآبائنا، لأن الآباء مهما طال بهم العمر انتهوا وماتوا، واللهُ أزليٌ لا يموت. وبعد النجاح الذي حققه إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام وصمودهم أمام البلاء، في حدث الفداء، كما يروي القرآن الكريم: (وفديناهُ بذبحِ عظيم* وتركنا عليه في الآخرين* سلامٌ على إبراهيم* كذلك نجزي المحسنين* إنه من عبادنا المؤمنين* وبشرناهُ بإسحاق نبياً من الصالحين) سورة الصافات. إذن، ساعةَ أمرَ اللهُ إبراهيمَ أن يذبحَ ابنَهُ لم يكن عندهُ إلا إسماعيل، ورغم شدة الابتلاء فإن إبراهيم وإسماعيل سلَّما الأمر لله واستجابا له، ولذلك وصف الله إبراهيم بأنه حليم أوّاب. ( فلما أسلما وتلَّهُ للجبين)- الصافات.. أي بدأ التنفيذ فعلا، وأمسك إبراهيم بالسكين ليذبح إبنه، أمرَ اللهُ السكينَ بألا تذبح فلم تذبح، ونادى الله سبحانه إبراهيم كما جاء في قول الله تبارك وتعالى: (وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا )- الصافات.. فالله سبحانه وتعالى يريد من خلقه أن يؤمنوا بحكمة أوامره، وأن يقبلوا على تنفيذها برضاه، فإن الله لا يرفع قضاءه إلا إذا رضي الإنسان بالقضاء والبلاء. وإبراهيم صدق الرؤيا, وما دام قد صدقها برضا نفس وقبول وتسليم بحكمة الله سبحانه فيما يأمر به، رفع القضاء عنه وقيل له لا تقتل ابنك، ونزلت الآية الكريمة: (وفديناهُ بذبحِ عظيم). صدق الله العظيم، وأتى الفداء بكبش نزل من السماء، ليفدي الله به إسماعيل.. ليس هذا فقط, ولكن الله سبحانه وتعالى بدلا من أن يُميتَ الإبن الوحيد لإبراهيم وهو إسماعيل، بشره بغلام ثان هو إسحاق! إذن، الحكمة من وراء رجم الشيطان، هو إنك حينما تأتي لترجِمَه، فأنت في الواقع تريد أن تَسُدَ عليه المداخل التي يدخل منها إلى نفسك، وتقوم برجم الشيطان سبع مرات. من قلبي: كل هذه الأمور حسيّة مادية، ولكن هناك حكمة للأمر يجب ألا تخفي علينا، وهي أن الله سبحانه وتعالى يريد منا بعد أن أدينا مناسك الحج أن نتَقيه وأن نتقبل قضاءه كله بالرضا مهما بدا لنا، وأن نعلم أن ما قضى الله به هو الخير، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الآية 216 البقرة.. صدق الله العظيم. من كل قلبي: كل عام وأنتم جميعا بخير، اللهم ارزقنا وإياكم جميعا الوقوف بعرفات العام القادم ورجم الشياطين بعدها.. اللهم أمين يا رب العالمين. [email protected] لمزيد من مقالات ريهام مازن