من حق أي أحد أن يعطي صوته لمن يريد من مرشحي الرئاسة, بل ومن حقه أيضا أن يمارس له دعاية انتخابية بشكل أو بآخر في حدود القانون. لكن ليس من حق أحد أن يضلل الرأي العام, لاسيما إذا كان هذا الذي يفعل ذلك يعد من رموز النخبة في مصر... هنا أتحدث عن بعض هذه الرموز التي أعربت عن تأييدها للفريق شفيق ربما نكاية في الدكتور مرسي أو عداء للإخوان, كما صرح أحدهم للفضائيات. ورغم أنه من المؤسف أن تبني النخبة مواقفها علي أساس المشاعر أو المصالح والعلاقات الشخصية فإن تلك ليست قضيتنا; إنما قضيتنا هي أن يسوق البعض في أسانيد هذا التأييد ما يعد نوعا من المغالطات التي ينبغي ألا تمر أو نمر عليها مر الكرام. وأقصد تحديدا أمرين: الأول هو طرح مقولات حق يراد بها باطل من أمثلة أن شفيق وصل إلي الإعادة بطريقة ديمقراطية توجب احترام نتيجة صندوق الانتخابات أيا كانت. والثاني هو المغالطة في تكييف الموقع الحقيقي لكل من مرسي وشفيق في الخريطة السياسية وتصوير الواقع علي أنه صراع بين الدولة الدينية التي يمثلها مرسي والدولة المدنية التي يمثلها شفيق. وأظن أن ماكتبه الدكتور أسامة الغزالي حرب في جريدة الأهرام بتاريخ 6/6/2012 يقدم مثالا واضحا لمثل هذه المغالطات بما يستوجب الرد, مع التأكيد علي أنه أستاذي ولي أن أفخر بذلك. تحدث الدكتور أسامة عن ضرورة احترام الديمقراطية الوليدة في مصر وحمايتها والإلتزام بنتائجها; وهذا كلام صحيح في ذاته, لكنه لاينطبق علي الوضع في مصر الآن; فالديموقراطية وسيلة وليست غاية- وسيلة لتحقيق رغبات الجماهير وتجسيد إرادتها بالطرق السلمية, والانتخابات هي مجرد آلية من آليات الديمقراطية لتحقيق هذا الهدف. ثم إن صندوق الانتخابات ليس إلا مفردة واحدة في منظومة كبيرة هي العملية الانتخابية. ومن ثم لايصح أن نختزل الديمقراطية في مجرد العملية الانتخابية, كذلك لايجوز أن نختزل العملية الانتخابية في مجرد التصويت في يوم الانتخابات; ذلك أن العملية الانتخابية بمثابة نظام متكامل من القوانين والممارسات والتوازنات التي تترجم إرادة الجماهير ترجمة دقيقة وحقيقية. ومعني ذلك ببساطة أن الديمقراطية والانتخابات عندما تأتي بنتائج لايرضي عنها قطاع كبير من الجماهير فإن ذلك يعد دليلا علي وجود عطب في المنظومة ويصبح احترام النتيجة مسألة فيها نظر. ماحدث في مصر سواء في انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات الرئاسة هو حرية التصويت أو نظافة الصندوق (مع وجود تحفظات علي ذلك أيضا) وذلك لايعني نزاهة الانتخابات بأي حال من الأحوال. وإذا ركزنا علي انتخابات الرئاسة فلعل الجميع يعرف أن مخطط الانفلات الأمني والتأزيم الاقتصادي كان مقصودا به تشويه الثورة ومن ثم تزييف وعي الجماهير أو الضغط عليها لدفعها لتأييد مرشح معين من أعداء الثورة. والحقيقة أن عيوبا كبيرة في جل قواعد اللعبة الانتخابية تحدث عنها الكثيرون ولاداعي لتكرارها. هناك نصير أمام معضلة; هل نقبل نتيجة الانتخابات أم نرفضها؟ وهنا يري الدكتور أسامة أن هناك فصيلا يقبل النتيجة مادامت في صالحه ويرفضها في الحالة الأخري, وهذا غير مقبول وأنا معه في ذلك. غير أن المنطق السياسي الذي ينهض علي الحس الوطني يحتم أن نتغاضي عن تجاوزات العملية الانتخابية بقدر ما تنتصر للثورة. تحدث الدكتور الغزالي أيضا عن أنه إذا كان الفريق شفيق ينتمي إلي النظام القديم فإن الإخوان أيضا وباقي أحزاب المعارضة كانوا جزءا من هذا النظام, ويري أن المعارضة دائما تمثل قسما أصيلا في بنية النظام ويستشهد بما هو حاصل في بريطانيا وأمريكا. وفي تقديري أن في ذلك مغالطة كبيرة; فثمة معارضة من داخل النظام تتفق معه في التوجهات الأساسية وتحافظ علي بقائه, وتختلف معه في المواقف والسياسات, ومن ثم فهي جزء منه, وثمة معارضة مضادة للنظامanti-system تسعي إلي تقويضه وتغييره جذريا ومن ثم لاتحسب عليه, وهذا هو حال الإخوان وباقي فصائل المعارضة في النظام الساقط أيضا يذكر أنه شخصيا كان ينتمي للنظام السابق ولكنه شريك أساسي في الثورة, وهذا صحيح, وهو يقصد أن ليس كل من ينتمون إلي النظام السابق هم فلول يجب استبعادهم, أو يقصد أنه إذا كانت هناك إدانة فهي تشمل الجميع. والحقيقة أنه يجب أن نميز في النظام السابق بين جلادين وضحايا, والجلادون هم باليقين من كانوا في مواقع صنع القرار, وهم معروفون بالاسم وبالإثم أيضا, ولانفرق بين أحد منهم. وبالتالي فإذا كان شفيق رجل دولة كما يزعم الدكتور أسامة فإن ذلك يعني أنه علي رأس قائمة الفلول, لأن الدولة التي تدرب في مؤسساتها هي دولة الفساد والاستبداد. لاشك أن لدينا تحفظات علي الإخوان ولسنا راضين عن أدائهم السياسي وقد نختلف معهم إلي أقصي مدي, لكن لايصح أن نساوي بينهم وبين الفلول. وفي اللحظة الراهنة فإن معركة انتخابات الرئاسة ليست بين الدولة الدينية والدولة المدنية, وإنما هي بين معسكر الثورة ومعسكر الفلول..... الدكتور مرسي في هذه المعركة يمثل الثورة, والفريق شفيق يمثل أعداء الثورة. وعليه فإن الواجب الوطني يحتم أن نصوت للدكتور مرسي مع التأكيد علي أننا مدركون تماما بأن الإخوان خطفوا الثورة أو سرقوها, لكن شتان بين من خطف الثورة ويحافظ عليها حية حيث يمكن استردادها, وبين من يريد قتلها وهم الفلول. لايوجد في الدنيا ما يسمي دولة دينية حتي يمكن التخويف منها; فليست هناك دولة تعطي من يطلق اللحية الحق في تولي المناصب العامة, ولا لمن يرتدي الجلباب الحق في الدعم, وليست هناك دولة تقوم بتسيير شئونها العامة بالصلاة وكثرة التسبيح..... وإنما هناك سلطة دينية يدعي شاغلها أن ما يقوله هو حكم الشريعة, وأعتقد أن هذا مرفوض تماما وأنه لم يعد من حق أحد أن يتحدث باسم السماء وإن كان له أن يجتهد كما يجتهد غيره. عموما إذا كانت هناك مخاوف من السلطة الدينية التي يمكن أن يمثلها الدكتور مرسي فإن الفريق شفيق يمثل السلطة العسكرية كما يمثل النظام البائد, وإذا كان قدر مصر أن تواجه مصيرا سيئا بعد الانتخابات فعليها أن تختار الدكتور مرسي بوصفه الأقل سوءا. المزيد من مقالات د.صلاح سالم زرنوقة