عندما بدأت فرقة النور والأمل للمكفوفات كانت مجرد فكرة جريئة ومبتكرة قد تثير التعاطف أو تدفع للفضول .. ولكن أعضاء الفرقة بحماسهن وإبداعاتهن الموسيقية الفذة وإحساسهن الرفيع وصلن للعالمية و أصبح اسم النور والأمل يرمز للفن المتميز ويشير للنبوغ المصرى فى مختلف أنحاء الدنيا مثلما فعل العباقرة نجيب محفوظ وعمر الشريف ود. أحمد زويل .. وعرض العطر الذى يقدم على مسرح الطليعة يحمل بذرة وفكرة جديدة لفرقة مختلفة من الشباب الصم الموهوبين فى التمثيل ،وإن حرمتهم الظروف من التعبير عن أنفسهم بالكلام.. وايمانا بضرورة دمج ذوى الإحتياجات الخاصة داخل المجتمع وعدم التفرقة بينهم وبين أقرانهم قدمت مسرحية العطر 7 مواهب من الصم و5 آخرين من الممثلين المؤمنين بالتجربة فى مزج رائع بين لغة الإشارة ولغة الحوار.. بين التعبير بالجسد والتعبير بالصوت.. وبين الصمت بكل ما يطرحه من معان ومشاعر إنسانية وبين الصراخ بالألم أوالبوح بالحب .. المسرحية من تأليف واخراج الموهوب محمد علام الذى قدم من قبل على نفس المسرح عرضا ناجحا هو «ثرى دى» ولكن عرضه هذه المرة يحمل مشروعا فنيا وانسانيا شديد الطموح لتكوين فرقة مسرحية جديدة تجمع بين مبدعين متكلمين وآخرين من الصم.. وهى فكرة تحتاج الى حماس ودعم وزير الثقافة ومن خلفه الحكومة بأكملها باعتبار أنه يقدم خدمة ثقافية لشريحة تقدر بخمسة ملايين مواطن على أقل تقدير.. والعرض يطرح ببساطة حلم المبدعين الصم فى الوقوف على خشبة المسرح.. ويتحمس لهم مخرج شاب يسعى لتحقيق مجد شخصى بتقديم رائعة شكسبير «هاملتب دون كلام .. ولكنه فى أثناء البروفات يقترب أكثر من مشاكل هؤلاء المبدعين الشباب ويشعر أنه يخون قضيتهم بأنانيته فيتنازل عن عرض هاملت ليحمل صرخاتهم الإنسانية والاجتماعية فى عرض واقعى الى من يهمه الأمر.. وتدور الأحداث فى لوحات سريعة متنوعة تجمع بين الغناء والرقص والمشاهد الحوارية ويتخلل العمل المسرحى صورة سينمائية موازية تحكى عن قصة حب صامتة بين شاب وفتاة صماء فقدت حقيبتها ووجد الشاب فى الحقيبة تليفونها المحمول وعطرها وحاول أن يتقرب اليها بالحديث ومن أجلها تعلم لغة الإشارة ثم رسم لها لوحة بورتريه وهكذا جمع الحب بينهما دون كلمة واحدة.. وأدى دور الشاب الفنان أحمد عثمان الفائز بجائزة احسن ممثل فى المهرجان القومى للمسرح بينما قدمت دور الفتاة الفنانة كارولين عزمى وتألق على خشبة المسرح من الصم سيف الذى يبشر بموهبة فنية واعدة وقد يكون أول طالب ينضم لمعهد الفنون المسرحية من الصم تطبيقا لقانون منح5 %من الفرص لذوى الاحتياجات الخاصة.. وهى بالطبع سابقة تحسب للدكتور أشرف زكى عميد المعهد ومن ضمن إنجازاته العلمية والنقابية.. كما تألقت مادونا من الشباب الصم وآية وصفوت وجمال وحمادة واحمد.. بينما تألق من باقى الفريق المتكلم هانى الذى قام بدور المخرج بطل العرض.. وغريب الذى يتمتع بحضورقوى وتوافق عصبى عضلى وحركة مسرحية رشيقة.. ونورا المتميزة فى التمثيل والرقص بنفس القدر .. ولقاء مصممة الرقصة الهندية ونور التى تتمتع بموهبة خاصة فى الغناء.. وكلهم يتحلى بروح جماعية هى أجمل ما فى العرض .. وبغض النظر عن وجود بعض لحظات الإطالة وتكرار المعانى فى أكثر من لوحة ومشهد غليظ الحس وغير مضحك عن شم الروائح الكريهة أقترح على المخرج حذفه إلا أن هذه الهنات لا تقلل أبدا من قيمة وأهمية مسرحية العطر كصرخة فنية راقية فى وجه تجاهل حقوق الصم والبكم .