تعيش مصرنا الحبيبة هذه الأيام حربًا شعواء على الإسلام وأهله، من لدن الإعلام المأجور الذي راح يهاجم كل ما هو ديني، ويسخر من المتدينين على اختلاف توجهاتهم، وراح يشعل حربًا ضروسًا بين الاتجاهات السياسية والفكرية، لمصلحة من هذا لا أدري؟! ولماذا كل هذا؟ هل ظلم المسلمون أحدًا عندما حكموا البلاد؟ هل قتلوا امرأة أو صبيًّا أو شيخًا كبيرًا؟ هل روعوا آمنًا ولو كان كافرًا؟ هل أهدروا نخلاً أو شجرًا مثمرًا؟ هل أحرقوا بلدانا بأكملها؟ هل منعوا متعبدًا من ممارسة طقوسه الدينية؟ كلا لم يحدث كل هذا!! وهنا يزداد المواطن المصري حيرة أمام هذا السيل الجارف من الهجوم على كل من يمت للدين بصلة، وهو ما يجعل المواطن يشك في ثوابته ودينه، ويوشك أن يسب الثورة والثوار، ويلعن ذلك اليوم الذي قامت فيه الثورة، ولكن لا بد من الثبات على الحق وعدم الخوف، فلا بد أن نصمد كي نستعيد حقوقنا وبلدنا الذي نهبه المفسدون وأعوانهم، وعلينا ألا نصفق أبدًا للظالمين مهما اشتدت آلات التخويف والترويع والتهديد وازدادت الإغراءات، وتعددت أساليب التهديد والترويع، فنصر الله آت لا محالة والأرض لله يورثها من يشاء. والقرآن الكريم يحدثنا عن نموذج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم في غزوة الأحزاب، عندما جمّع اليهودُ قبائلَ العرب وحاصروا الرسول والمسلمين في المدينة، صبر المسلمون ولم يتزعزع إيمانهم بل ازدادوا إيمانًا، قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا *مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 22-26]، لقد كان الهول الذي واجهه المسلمون في هذا الحادث من الضخامة؛ وكان الكرب الذي واجهوه من الشدة؛ وكان الفزع الذي لاقوه من العنف، بحيث زلزلهم زلزالاً شديداً، كما قال عنهم أصدق القائلين: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا}، لقد كانوا ناسًا من البشر، وللبشر طاقة، لا يكلفهم الله ما فوقها، وعلى الرغم من ثقتهم بنصر الله في النهاية، وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، تلك البشارة التي تتجاوز الموقف كله إلى فتوح اليمن والشام والمغرب والمشرق، على الرغم من هذا كله، فإن الهول الذي كان حاضرًا يواجههم، كان يزلزلهم ويزعجهم ويكرب أنفاسهم، فهذا لا يقع إلا في أقصى درجات الزلزلة، وإلى جانب الزلزلة، وزوغان الأبصار، وكرب الأنفاس، كانت هناك الصلة التي لا تنقطع بالله؛ والإدراك الذي لا يضل عن سنن الله؛ والثقة التي لا تتزعزع بثبات هذه السنن؛ وتحقق أواخرها متى تحققت أوائلها، ومن ثم اتخذ المؤمنون من شعورهم بالزلزلة سببًا في انتظار النصر؛ ذلك لأنهم صدقوا قول الله سبحانه من قبل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}[البقرة: 214] (تفسير الظلال بتصرف). فنصر الله آتٍ لا محالة، ولكن علينا التحلي بالصبر، وعدم الانزعاج والانسياق وراء الأفاكين الذين يروجون الشائعات هنا وهناك تلقاء ثمن بخس يتقاضونه كي يتلاعبوا بمشاعر الناس وخاصة البسطاء منهم، أين القيم؟ أين المبادئ؟ حدث ولا حرج، ضاعت كل هذه الأشياء وصرنا نسمع أخبارًا ملفقةً هنا وهناك وكلامًا يوغر الصدور ويزرع فيها الشحناء والبغضاء، فلا بد أن نتحلى بالخُلُق الحسن، ونجتهد بالأخذ بالأسباب ونحرص على الإدلاء بأصواتنا في جولة الإعادة لمن نراه يرضي الله تعالى ويتقيه فينا ويراقبه سبحانه ليل نهار، لقد سئمنا الظلم والظالمين، أما آن لنا أن نتنسم عبير الحرية ونعيش في رحاب دولة العدل؟! فالحرية ثمنها غالٍ ورحم الله أمير الشعراء حيث قال: وللحريةِ الحمراءِ بابٌ *** بكلِّ يدٍ مُضرَّجةٍ يُدَقُّ