قال دبلوماسيون بريطانيون مطلعون ل«الأهرام» إن الغرب يواجه معضلة متزايدة فى التعامل مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بعد محاولة أجنحة من الجيش التركى الانقلاب عليه. وأوضح الدبلوماسيون، الذين خدموا فى السفارة والقنصلية البريطانية فى تركيا، أن هناك «مخاوف غربية عميقة من فترة عدم استقرار سياسى فى تركيا» قد تؤثر سلبيا على محاولات الغرب دفع تركيا لوقف تسرب مئات الآلاف من اللاجئين غير الشرعيين إلى سواحل أوروبا، ومحاربة داعش. كما قد تؤثر على عمل حلف شمال الأطلنطي، وتركيا عضو فيه، بسبب ما يبدو كانقسام حاد فى أوساط الجيش التركي. وأعربت الخارجية البريطانية عن قلقها من التطورات فى تركيا. وقال وزير الخارجية بوريس جونسون إن بريطانيا تراقب التطورات عن كثب. ودعا إلى الهدوء وتجنب إراقة الدم، قائلا:»من المهم دعم المؤسسات الديمقراطية التركية. كما دعا البريطانيين فى تركيا إلى عدم مغادرة منازلهم وتجنب الأماكن العامة. وتأتى محاولة أجنحة من الجيش التركى الانقلاب على أردوغان فى وقت تعانى فيه تركيا استقطابا وانقساما غير مسبوقين . وتتخوف المصادر الدبلوماسية فى لندن من أن محاولة الانقلاب «لن تؤدى إلا إلى تعزيز الشروخ والانقسامات داخل المجتمع التركى وداخل مؤسساته الأساسية وعلى رأسها الجيش». ففى الأيام المقبلة سيقوم أردوغان كما أعلن هو نفسه أمس ب»تطهير» الجيش وهو تعبير لطالما استخدمه منذ وصل للسلطة 2002 من أجل إقصاء كل المعارضين لنهجه الشمولى المتزايد فى الجيش. كما أن قبضته ستتعزز على الاعلام والقضاء ومؤسسات المجتمع المدني. غير أن أكثر التنظيمات التى ستتعرض للملاحقة إلى جانب الجيش ستكون حركة فتح الله جولن النافذة فى تركيا والتى حملها اردوغان مسئولية المحاولة الانقلابية رغم نفى زعيم الحركة من مقره فى امريكا أى دور للحركة فى تحركات الجيش. وينذر توعد اردوغان لحركة جولن بأيام صعبة للمعارضين لحكمه فى تركيا. يذكر أن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم استطاع خلال سنوات حكمه تكوين شبكة مصالح ومنافع واسعة من الموالين والأنصار المرتبطين عضويا بالحزب على مستوى المدن الكبيرة والقري. ويقدر بعض الخبراء، عدد المرتبطين عضويا بالحزب بنحو مليون شخص، الكثير منهم استجابوا لنداء اردوغان وخرجوا للشوارع فى الساعات الأولى من تحركات الجيش. إلا أن القاعدة الشعبية التى تحمى أردوغان «باتت ضيقة بشكل متزايد». وحاليا تتكون من الاسلاميين والقوميين المتشددين فى تركيا الذين يدعمون أردوغان بسبب لهجته الحادة ضد أكراد تركيا، لكن فى المقابل فإن المعارضين له يشكلون طائفة أوسع وهم أساسا العلمانيون، والقوى المدنية، والحركات اليسارية، والنقابات، والأكراد. وأمام الغرب معضلة فى التعامل مع أردوغان بسبب الاحتياج لدور تركيا الاستراتيجى كدولة مهمة فى المنطقة، لكن مع وجود تحفظات قوية فى العواصمالغربية على أردوغان نفسه. فالغرب يحتاج تعاون أردوغان فى العديد من الملفات الحساسة على رأسها محاربة داعش، والتصدى للمهاجرين غير الشرعيين، غير أن ممارسات اردوغان فى الداخل تثير قلق الغرب على نحو متزايد. وقال دبلوماسى غربى مطلع ل»الأهرام» إن حربه ضد أكراد تركيا وسوريا «أثارت امتعاضا شديدا لدى امريكا والدول الأوروبية لأن الأكراد هم القوة الأساسية على الأرض التى تحارب داعش. وهناك الأن قناعة فى الغرب أن أردوغان يلعب بورقة داعش بطريقة تهدد مصالح الغرب». وتعقد التطورات فى تركيا العلاقات بينها وبين الغرب على نحو كبير. فإلى جانب التصدى لداعش وأزمة المهاجرين، يحوم المزيد من الشكوك حول مساعى تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي. وقال أحد الدبلوماسيين البريطانيين بهذا الصدد: «أنضمام تركيا كان مستبعدا جدا قبل المحاولة الانقلابية، وبعدها يبدو شبه مستحيل خلال العقود المقبلة». وفيما خرج الالاف من أنصار حزب العدالة والتنمية لحماية نظام أردوغان، لزم ملايين الأتراك بيوتهم حتى هؤلاء الذين يعارضون حكم اردوغان. وتقول باساك بايرام، إحدى الناشطات التركيات التى شاركت فى تظاهرات ميدان تقسيم احتجاجا على تحويل منتزه غازى إلى مول تجارى ل»الأهرام»: فى 2013 خرج عشرات الآلاف من الأتراك فى أسطنبول وأنقرة وأزمير وأزميت وعشرات المدن الأخرى مرددين: (معًا ضد الفاشية ..واستقِلْ يا أردوغان). وأستخدمت الشرطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، وأصيب أكثر من ألف بينهم مئة بحروق وجروح خطيرة، وسبعة فقدوا بصرهم نتيجة إلقاء قنابل الغاز على وجوههم. ومع ذلك لم يتردد الناس فى الخروج. أمس كان مختلفا، فقد فوجئ الجميع، معارضو أردغان قبل أنصاره. ولم تكن الصورة واضحة، وهى ما زالت غير واضحة. الشئ الوحيد الواضح أن معارضى أردوغان من الحركات المدنية والعلمانية والنقابات وأحزاب المعارضة والأكراد والنساء والشباب واليسار التركى يريدون أن يكون التخلص من حكمه من خلال الشعب لأن أى طريقة أخرى ستكون مؤقتة»، مشيرة إلى أن «النقمة على حكم أردوغان باتت واضحة وجليه للعيان على المستوى الداخلى والدولي». وتحذر الدوائر الدبلوماسية فى بريطانيا من حالة «الغموض والغضب الذى يجتاج تركيا الآن»، موضحة أن البلد يعانى من أزمات أقتصادية وأمنية وسياسية وأستراتيجية غير مسبوقة و»أن أردوغان لا يجب أن يلوم إلا نفسه على هذه الفوضى».