هناك حكايات وراء الأغنيات الرمضانية الشهيرة التى كتبها كبار الشعراء ولحنها أساطين الموسيقى وتغنى بها نجوم الغناء فى مصر والوطن العربى فى زمن الفن الجميل ، مضى على انتاج بعضها أكثر من أربعين عاما والبعض الآخر حوالى نصف قرن من الزمان ورغم ذلك ومازالت تعيش فى وجدان الجماهير وترددها الأجيال المتعاقبة جيلا ً بعد جيل وتبثها الإذاعة والتليفزيون مع ظهور هلال الشهر الكريم كل عام وتستمر إذاعتها طوال هذا الشهر ويستقبلها الناس ويشعرون معها بقدوم الشهر الكريم ولا يمكن تأخيرها أو تأجيلها لموعد آخر لارتباطهم بها كما يرتبطون بأغانى العيد والربيع والنصر وغيرها من أغانى المناسبات الدينية والوطنية ، علماً بأن هناك أغنيات عديدة أبدعها أصحابها طوال السنوات الماضية ولكن لم يكتب لها البقاء والاستمرار ولم تحقق النجاح والازدهار الذى حققته أغانى أسلافهم من كبار جيل الرواد العظام ولذلك لم نسمع عنها لأنها لم تحقق نفس القبول عند الجماهير واختفت دون قصد من خريطة البرامج الإذاعية والتليفزيونية ونسوها حتى الذين وضعوا هذه الخرائط ليبقى الفن الأصيل وحده موجودا ومتصدرا مائدة الغناء فى رمضان ، وأستطيع القول إن وراء كل أغنية من هذه الأغنيات حكاية كانت سببا ً فى نجاحها وبقائها واستمرارها سواء من حيث الكلمة أو اللحن أو الأداء . وقد عرضنا فى مقالنا السابق حكاية الأغنية الشهيرة «رمضان جانا .. وفرحنابه .. بعد غيابه» التى غناها مطرب الشعب الكبير محمد عبدالمطلب ولحنها الموسيقار محمود الشريف ، ونعرض اليوم حكاية أغنية أخرى اقتسمت معها نفس الشهرة وحققت نفس النجاح فى الزمن نفسه وتبثها الإذاعة عبر الأثير من أول رمضان وهى أغنية «مرحب شهر الصوم مرحب» التى كتبها الشاعر الكبير محمد على أحمد ولحنها وغناها الفنان الكبير عبدالعزيز محمود ونستأذن الشاعر الصديق رحمه الله فى تعديل بعض كلمات المذهب لتتناسب مع نهاية الشهر الكريم الذى نودعه بعد ثلاثة أيام مع الاحتفاظ بنفس الوزن والقافية لتكون «مهلا شهر الصوم بدلاً من مرحب» وكانت لجنة النصوص بالإذاعة المصرية بشارع الشريفين قد وافقت على النص الأصلى للأغنية عندما كان الموسيقار محمد حسن الشجاعى مراقب عام الموسيقى والغناء فى ذلك الوقت ليختار الشجاعى بنفسه بعد ذلك الملحن والمطرب الذى يغنيها وهو ما حدث بالفعل عندما اختار الفنان عبدالعزيز محمود لتلحينها وغنائها فى نفس الوقت ثم عرضت على لجنة الاستماع التى كانت تضم نخبة من كبار الموسيقيين الذين أقروا الأغنية بالإجماع حسب النظام المتبع فى ذلك الوقت مما جعل هذه الأغنيات بمثابة كنوز غنائية ثرية تزخر بها مكتبة الإذاعة ويقدمها فى رمضان كل عام حيث كان الشجاعى لا يقبل أى أغنيات غير موافق عليها من لجنة النصوص ولجنة الاستماع أو قبول أى أغنيات من جهة خارجية أو السماح لمطرب بالغناء غير معتمد من لجنة الاستماع ، وكان الفنان عبدالعزيز محمود وصديق مشواره الفنى محمد عبدالمطلب يتقابلان معا ً فى حديقة معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس قبل تحويلها إلى مسرح جلال الشرقاوى وذلك لإجراء بروفات أغنياتهما فى إحدى الغرف المخصصة بالمعهد ثم ينتقلان بعد ذلك إلى قاعة المسرح الكبرى التى كان يحضرها طلاب المعهد ويستمعون إلى إبداعات النجمين الكبيرين وقد لاقت الأغنية إقبالا كبيرا من كل من استمعو إليها سواء فى البروفات أو التسجيل أو التغنى بها فى حفلات أضواء المدينة التى كانت امنية لكل مطرب أو مطربة تقدمه الإذاعة من خلالها وقد استطاع الفنان عبدالعزيز محمود بموهبته اللحنية أن يجعل أداء الكورال أساسيا ً فى هذه الأغنية مما أضاف لها رواجا أكبر ونجاحا اكثر ومذاقا ً أحلى خاصة فى المذهب الذى يستهل به الغناء لتكون بعد التعديل «ودع شهر الصوم ودع .. لياليك عدت فى أمان .. بعد انتظارنا وشوقنا إليك .. جيت يا رمضان» ويتبادل المطرب مع الكورال الغناء «نحلم بقدومك يا رمضان .. وتعود ونصومك يا رمضان» ويتجلى عبدالعزيز محمود فى المقطع الذى أبدعه محمد على أحمد من واقع إحساسه بروحانية الشهر الكريم وبركاته وكراماته « زيك مفيش بين الأيام .. كلك حسنات .. بيزيد معاك نور الإسلام .. فضل وبركات .. لياليك محلاها يا رمضان .. ويا محلى بهاها يا رمضان «ويتجلى المطرب عبدالعزيز محمود أكثر فى المقطع الذى صاغه الشاعر باقتدار «المؤمن يستنى هلالك فرحان وسعيد . . وتروح وتزيد فى جلالك أيام العيد» وتحقق الأغنية نجاحا كبيرا كواحدة من الأغانى الرمضانية التى تنتظرها الجماهير فى أول رمضان من كل عام وتشع فى نفوس المستمعين جوا من البهجة والاستحسان الذى حققته اغنية رفيق مشواره الغنائى محمد عبدالمطلب «رمضان جانا .. أهلا رمضان» ليتقا سما معا القبول الجماهيرى الواسع وترحيب كل محبيهما الذين كانوا يستمعون إليهما فى حفلات أضواء المدينة خلال الشهر الكريم ، ولم يكن هذا الثراء الغنائى الرمضانى الذى أنتجته الإذاعة المصرية فى زمن الفن الجميل متوقفا عند هاتين الأغنيتين فقط بل ترك لنا الشجاعى رحمه الله مجموعة من الأغنيات الرمضانية الأخرى التى نستمع إليها كل عام وأخص بالذكر أغنية «سبحة رمضان» التى تحرص الإذاعة على تقديمها فى الأيام الأولى من رمضان لجمال فكرتها وحسن صياغتها الشعرية التى أبدعها مراد فؤاد واعتبارها من مختارات الإذاعة ويقول مطلعها «سبحة رمضان .. لولى ومرجان .. بتلاته وتلاتين حباية .. تلاته وتلاتين .. منهم تلاتين .. ايام رمضان .. نور وهداية .. وتلاته العيد .. ونقول ونعيد .. ذكر الرحمن .. أية بآية .. ايام رمضان رحمة وغفران .. رضا الرحمن وحده كفاية» وأبدع فى تلحينها الموسيقار على اسماعيل وغناها الثلاثى المرح وهو الذى لحن أيضا ً لزوجته الشاعرة المبدعة نبيلة قنديل أغنيتها الشهيرة « أهو جه يا ولاد « لتصبح واحدة من أجمل الأغانى فى شهر رمضان وكانت واحدة من إنجازات الشجاعى للثلاثى المرح خلال الشهر الكريم بالإضافة إلى غناء النجمين الكبيرين عبدالمطلب وعبدالعزيز محمود رحمهما الله .