مثلما فتحت ثورة يناير الطريق أمام حدوث تغيرات داخلية في مصر, فإن قدوم رئيس جديد سيفرض بدوره تحديات علي سياسة مصر الخارجية، الأمر الذي يدفع للتساؤل عما إذا كانت السياسة الخارجية سوف تشهد تحولات جوهرية تجاه العلاقة مع الغرب وخاصة الولاياتالمتحدة, وهل ستطال التغيرات محيطها العربي والإفريقي, وتشمل إيران؟ أو بمعني آخر هل ستحدث مراجعة وإعادة نظر في الدوائر الثلاث الأساسية للسياسة الخارجية المصرية وهي العربية والإفريقية والإسلامية, التي تعد المجال الحيوي لمصر؟ وهنا يشير المراقبون إلي أنه عقب الثورة مباشرة حاولت مصر أن تبدأ عهدا جديدا مختلفا ومتميزا يصلح ما سبق وأفسده النظام السابق, وتسبب به في إهمال مصالح مصر الاستراتيجية والحيوية, ومن ثم فإن التحدي أمام الرئيس الجديد هو صياغة سياسة خارجية تعيد مكانة مصر لتتماشي مع مقوماتها, وتستعيد بها قوتها إقليميا ودوليا. وبينما يبدي البعض تخوفه من أن يقف الوضع الداخلي المعقد والتحديات الاقتصادية للمرحلة الراهنة حجر عثرة أمام الطموحات الخارجية, الأمر الذي ربما يقود لوضع السياسة الخارجية علي هامش اهتمامات الرئيس الجديد, فإن البعض الآخر يستبعد ذلك, خاصة وأنه بعد الثورة مباشرة تبلور إطاران عامان للسياسة الخارجية المصرية, يتمثل الأول في إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية, بحيث تم تقديم ملفات الأمن القومي علي العلاقة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, ويتمثل الثاني في عودة المؤسسة الدبلوماسية لتتولي إدارة السياسة الخارجية بعد فترة غياب سحبت منها خلالها عدة ملفات, فضلا عن الحضور القوي للدبلوماسية الشعبية, حيث بدأت مصر تلقي بثقلها الدبلوماسي خلف قضايا معينة وهو ما أدي إلي حدوث طفرة في بعض الملفات, ومن ثم سيكون من المنطقي أن يعطي وجود رئيس منتخب دفعة أكبر للسياسة الخارجية. فإذا بدأنا بالملف الإفريقي سنجد أن إفريقيا تمثل أهمية كبري لمصر نظرا لارتباط الأمن المصري بالأمن الإفريقي سواء من الناحية الجغرافية, أو مياه النيل, خاصة في ملفي دول حوض النيل ومنطقة القرن الافريقي علي البحر الأحمر, بالإضافة إلي القضية السودانية المرشحة للتصاعد بسبب المواجهات بين الشمال والجنوب, أخذا في الاعتبار أن السودان يشكل عمقا استراتيجيا لمصر. التحدي الثاني ربما يكون أكثر تعقيدا, وهو العلاقة مع إيران, التي تحتل أهمية خاصة في المشهد الإقليمي, وقد بدأت بعد الثورة مباشرة بوادر تحسن في العلاقات الإيرانية المصرية, ظهرت أولي مؤشراتها عقب سقوط مبارك مباشرة بالسماح لسفينتين إيرانيتين بعبور قناة السويس, أعقب ذلك بفترة زيارة وفد شعبي لطهران, فيما اعتبر مؤشر قوي يمهد للتقارب, ولكن التراجع حدث سريعا ليظل التحدي المطروح أمام الرئيس الجديد, هل سيكون من المفيد الإسراع بوتيرة إعادة العلاقات مع طهران, أم الانتظار بسبب تحفظات دول الخليج, وفي كل الأحوال فإن إعادة العلاقات مع إيران أمر يحتاج لدراسة جادة, فمصر وتركيا وإيران يمثلون ثلاثة أضلاع للقوة في الشرق الأوسط. ويبقي بعد ذلك ملف العلاقات مع الولاياتالمتحدة, التي طالما وصفت بأنها استراتيجية, وهنا يري البعض أنه مع الحرص علي استمرار خصوصية هذه العلاقات بسبب المعونة الاقتصادية والعسكرية التي تتلقاها مصر من الولاياتالمتحدة, فإنها يجب مع ذلك أن تعمل علي استعادة دورها الريادي الذي تراجع في الآونة الأخيرة وان تخرج من عباءة الولاياتالمتحدة وإسرائيل, وهو أمر تستطيع أن تفعله علي الأقل في القضية الفلسطينية, وهنا لا يخفي المحللون الأمريكيون خشيتهم من أن يؤدي انتقال السلطة لرئيس منتخب يكون ولاؤه للشعب إلي حدوث انعكاسات بعيدة المدي علي المصالح الأمريكية في المنطقة, خاصة إذا كان هذا الرئيس ذا خلفية إسلامية, هنا وطبقا لتحليل نقلته صحيفة' واشنطن بوست' الأمريكية عن ميشيل دان المتخصصة في شئون الشرق الأوسط, فإن هذا الرئيس الإسلامي من المحتمل أن تكون رؤيته للسياسة الخارجية مختلفة جذريا فيما يخص الاستقرار الاقليمي, فواشنطن التي اعتادت علي أن السياسة الخارجية لمصر خلال الفترة الماضية تدافع عن النظام أكثر من دفاعها عن مصالح الأمة, تبدو حذرة في توقعاتها من الرئيس القادم, وإن كان الاحتمال الأرجح في الدوائر الأمريكية أن اي تغيير في شكل العلاقة مع الولاياتالمتحدة سوف يستغرق وقتا حتي يصل الي نقطة التوازن. وايا كان الأمر فإن مهمة الرئيس الجديد فيما يخص السياسة الخارجية ستتمثل في وضع أهداف وأولويات محددة تساعد مصر لكي تصبح صاحبة مبادرة في محيطها الإقليمي دون إغفال طرف, أو تقديمه علي حساب المصلحة المصرية, وأن السياسة الخارجية علي المدي القصير ربما لا تتغير ولن تشهد تغيرات حادة, ولكن علي المدي البعيد ربما تشهد تطورا مع الكثير من الدول واللاعبين الدوليين, ومن ثم فإن الرئيس الجديد سيقع عليه عبء أن تستعيد مصر ريادتها الإقليمية ومكانتها في العالم العربي, فالقصور في دور مصر الإقليمي لم يكن في التوجه أو الرؤي, بقدر ما كان في استقلالية قرار السياسة الخارجية.