«الكيمياء الخضراء» منهج جديد اهتمت به المؤسسات والمنظمات العلمية والبيئية الدولية لتحقيق فوائد استخدام المواد الكيماوية، وتفادى أضرارها، من خلال تطبيق قواعد وآليات، تضمن السيطرة عليها وإدارتها بطريقة علمية وبيئية آمنة، فى الأنشطة البشرية المختلفة، لا سيما فى قطاعى الزراعة، والصناعة. وتعمل «الكيمياء الخضراء» على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتطبيق التزامات الاتفاقيات الدولية، والتشريعات الوطنية، ومنع المخاطر الناتجة عن الحوادث الصناعية، والعمليات الإرهابية، وتعزيز التداول الآمن للكيماويات. ويقول خبير البيئة الدولى الدكتور محمد الزرقا: «أدت الكيمياء على مر العصور والحضارات دورًا مهمًا فى حياة المجتمع البشرى، وأصبحت إحدى الوسائل الأساسية التى حققت له نصرًا هائلاً فى كفاحه من أجل التقدم، وتحسين ظروف حياته ورفاهيته، إذ تستخدم الكيماويات فى العلاج والغذاء والزراعة والصناعة والطاقة والإسكان والكساء ومستحضرات التجميل والنقل والمواصلات والاتصالات وغزو الفضاء والصواريخ والذخائر والحرب الكيماوية». وقد أسهمت صناعة وتجارة الكيماويات فى دعم الاقتصاد العالمي، وتحسين مستوى المعيشة، وفرص العمل. وفى الجانب الآخر أدى استخدامها إلى كثير من المخاطر على الصحة البشرية، والبيئة. «الربيع الصامت» آثار كتاب «الربيع الصامت» للباحثة الأمريكية راشيل كارسون - الذى صدر فى عام 1962، وتحدث عن اختفاء الطيور فى فصل الربيع بسبب استخدام المبيدات - اهتماما بالغًا بين متخذى القرار، حتى أمر الرئيس الأمريكى نيكسون عام 1970 بإيقاف استخدام بعض المبيدات، ومن بينها مبيد DDT. ويشير د. الزرقا إلى اهتمام منظمات الأممالمتحدة ومنظمات وهيئات دولية وإقليمية عدة منذ منتصف القرن الماضى بالكيماويات، إذ عقدت مؤتمرات ومبادرات دولية، وأُبرمت اتفاقيات دولية مثل: اتفاقية روتردام للإخطار المسبق عن التجارة الدولية للكيماويات الخطيرة والمبيدات، واتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون، واتفاقية ستوكهلم للملوثات العضوية الثابتة، واتفاقية ميناماتا الخاصة بالزئبق، واتفاقيات منظمة العمل الدولية للأمان الكيميائى فى بيئة العمل ومنع الحوادث الصناعية، واتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية، واتفاقية بازل للتحكم فى نقل المخلفات الخطيرة، واتفاقية الأممالمتحدة الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو، والنهج الاستراتيجى للإدارة الدولية للكيماويات. كما وُضِعَت تشريعات وطنية لتقويم مخاطر الكيماويات، والحد من تلك المخاطر، ووُضِعَ نظام دولى موحد لتصنيف الكيماويات، ووضعت أنظمة لتداول الكيماويات بطرق آمنة، صحيًا وبيئيًا، من خلال دورة حياتها، بدءًا من التصنيع والنقل والتخزين والتوزيع والاستخدام حتى التخلص الآمن من مخلفاتها. وأُجريت بحوث لإيجاد بدائل وطرق آمنة للكيماويات الخطيرة مثل المبيدات والمواد المستنفدة لطبقة الأوزون والملوثات العضوية الثابتة وكذلك الكيماويات مزدوجة الاستخدام التى تصلح للاستخدامين: المدنى والحربي. وفى عام 1991 أطلق عدد من الباحثين الذين يعملون فى قسم السموم بوكالة حماية البيئة الأمريكية عبارة «الكيمياء الخضراء»، التى تعنى تصميم وتطوير واستخدام المنتجات الكيميائية، وعمليات التصنيع بتكنولوجيا توفر فى استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وتقلل أو تمنع استخدام كيماويات خطيرة، أو تنتج مخلفات خطيرة، على الصحة البشرية، والبيئة. وتعتمد «الكيمياء الخضراء» على: اقتصاد الذرة (الذى يعنى تحويل جميع الذرات المتفاعلة إلى المنتج النهائي)، علاوة على منع التلوث على مستوى الجزيئات، وتطبيق الحلول العلمية للمشكلات البيئية، فى العمليات والمنتجات الكيميائية، لتقليل التأثيرات السلبية للعمليات والمنتجات الكيميائية على الصحة والبيئة. كما تعتمد «الكيمياء الخضراء» على تصميم العمليات والمنتجات الكيميائية للحد من المخاطر، وتقليل تولد المخلفات طوال كامل دورة حياتها، على أن تكون المنتجات قابلة لإعادة التدوير والاستخدام، مع تعظيم كفاءة الموارد، وتوفير الطاقة، والموارد غير المتجددة، وكذلك استخدام المحفزات فى عمليات التصنيع، وتصميم المنتجات الكيميائية، التى تتحلل بعد استخدامها، وانتهاء مدة صلاحيتها، ولا تتراكم فى البيئة. والأمر هكذا، أصبح ضروريا - بحسب الدكتور محمد الزرقا - أن تتم مراقبة العملية الصناعية فى أثناء مدة التصنيع، وإجراء القياسات والاختبارات فى كل مرحلة من مراحل التصنيع؛ للتأكد من سيرها فى المسار الصحيح، مع تجنب تولد المخلفات. كما يتم اختيار المواد الكيميائية المستخدمة فى العمليات الصناعية، وصورتها الطبيعية، بشكل مناسب، لتقليل احتمالات وقوع الحوادث.