شدنى عنوان مقرر يتم تدريسه فى كلية واشنطنالأمريكية تحت اسم «نحو تخضير عقولنا؛ ويدرس لطلاب العلوم بهدف تعريفهم بما يجرى حولهم فى البيئة المحيطة بهم والعلاقة مع الكيمياء كعلم مهم يحدد آفاق المستقبل ويربطه بحاجة المجتمع. وحين وصل الإنسان إلى عصر العلم والتقنية واهتدى إلى الكثير من أسرار الطبيعة وإلى ما فى البيئة من تفاعلات بين المادة والطاقة صارت مهمته أن يوظف البيئة فى خدمته ليحقق لنفسه المستوى الأفضل، ويأتى دور علم الكيمياء الذى أسهم بالدور الأعظم فى هذه النهضة الحضارية التى شملت كل مجالات الحياة، لكن الإنسان أسرف فى استغلال الثروات الطبيعية من مصادر الوقود والنشاط الصناعى حين لوث الأنهار والبحار والهواء، كما أسرف فى استخدام المخصبات والمبيدات فأفسد الأرض الزراعية». كل هذا أخل بالتناغم الذى نشأ بينه وبين بيئته. وهنا تباينت الآراء وسار السؤال هل كان الكيميائيون ملائكة للرحمة حينما قدموا للبشرية بضاعتهم التى وفرت للشعوب سبل الرفاهية التى تأسست عليها حضارتهم فى مختلف مناحى الحياة، أم كانوا شياطين الجن الذين دأبوا على تدمير الإنسان والبيئة من خلال تفاعلاتهم النووية ومتفجراتهم وأسلحة الدمار الشامل من أسلحة كيميائية وبيولوجية. بجانب مخلفات صناعتهم الكيميائية التى قضت على الزرع والضرع ولوثت الماء والهواء والتربة وتسببت فى أمراض جديدة لم تعرفها البشرية من قبل، بالإضافة إلى الكوارث البيئية العديدة من تغير فى المناخ واحتباس حرارى وتدمير لطبقة الأوزون؟ وفى هذا الصدد أتحدث عن ذلك الفرع الجديد من فروع علم الكيمياء والذى يعنى بتصميم منتجات كيميائية أكثر رفقا بالبيئة وتقلل الأثر السلبى على صحة الإنسان وبيئته بالإقلال أو الإقلاع عن استخدام أو إنتاج المواد ذات الخطورة، وتقليل الانبعاثات الناتجة عن عمليات التصنيع وابتكار مواد كيماوية جديدة تعود بالخير على البيئة وهو «الكيمياء الخضراء» الذى بدأت أولى ارهاصات الاهتمام به فى الولاياتالمتحدة عام 1962 عندما نشرت البيولوجية المشهورة راشيل كارسون كتابها المهم «الربيع الصامت» وألقت فيه الضوء على الكوارث التى سببها الاستخدام المفرط للمبيد الحشرى د.د.ت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفى عام 1990 تم توقيع قانون منع التلوث الذى يهدف إلى حماية البيئة عن طريق تخفيض الانبعاثات الضارة من المصدر نفسه. وبموجب القانون تم تقديم منح لتطوير المنتجات الكيميائية من خلال المعاهد والجامعات المختلفة لتقليل مخاطر تلك المواد. وتطورت أهداف المنح المقدمة لإنتاج مواد كيمائية تعمل على معادلة المواد الضارة وتقليل التلوث ووضع بدائل للمواد الكيمائية التى تؤدى عمليات استخلاصها لتلويث البيئة. وفى عام 1998 نشر كل من بول انستاس وجودن وارنر كتابا تحت عنوان «الكيمياء الخضراء: النظرية والممارسة» وهما من جامعة أوكسفورد أوردا فيه تفاصيل اثنى عشر مبدأ لتقديم خريطة من الطرائق للكيميائيين لتطبيق مفهوم الكيمياء الخضراء وحماية البيئة وتمكين الشركات الصناعية من التوفير فى نفقاتها على المدى الطويل، فالكيمياء الخضراء فرع حديث يسعى لجعل الكيمياء علما متكاملا عن طريق تقليل ومنع ما يسببه التصنيع الكيمائى للصناعات الصيدلانية والدوائية وصناعات البترول والبلاستيك من تلوث. وقد طبقت فى صناعات مهمة مثل تطوير دهانات مائية بدلا من الدهانات التى تعتمد فى اساسها على المذيبات السامة وايضا تطوير منظفات ومواد لاصقة آمنة بيئيا من أصول نباتية. إن الجهود الرامية إلى تطوير الوعى البيئى تحقق نجاحا أكبر حين تبدأ من النقطة الصحيحة أى منذ السنوات الأولى التى يتفتح فيها وعى أبناء هذا المجتمع على الدنيا من حولهم، ومن هنا فإننى من خلال متابعتى لهذا المقرر أقدم مبادرة مهمة لكل القطاعات ذات الصلة بالتوعية ونشر المعرفة بالبيئة، وسبل حمايتها بطريقة ممنهجة وتأتى الجامعات فمن اوائل تلك القطاعات المنوط بها دعم وتنفيذ مخططات على مستوى الدولة لجعل عملية تخضير عقول ابنائنا تسير بشكل متواز مع ما يدرسونه من مقررات عملية وعلمية، فالتعليم البيئى يسعى إلى تقديم معلومات متعلقة بالبيئة وعناصرها ووظائفها وكيفية التفاعل مع تلك المكونات وتلفت النظر إلى مخاطر تهدد كوكبنا، بالاضافة إلى نشر القيم البيئية وتطوير المهارات اللازمة للمساعدة على اتخاذ القرارات والإجراءات وتجديد السلوكيات الصحية للتعامل مع البيئة والموارد الطبيعية والانظمة البيئية ايضا، ومع التطور العمرانى والتقدم الاقتصادى وزيادة عدد السكان زادت الحاجة إلى الموارد الطبيعية لذا يجئ التعليم البيئى لتزويد الطلبة وأفراد المجتمع بتلك المعلومات والقيم التى تؤدى إلى مجتمع واع بقضايا البيئة والمخاطر التى تواجهها. ومن ثم المساهمة فى الحلول، إما بشكل فردى أو جماعى أو بمساعدة جهات حكومية. إن التطورات الحديثة الجارية فى العالم اليوم تحت مفهوم الكيمياء الخضراء هى جزء من اتجاه عالمى يدعو إلى المجتمع الأخضر أو ما يسمى بالتنمية المستدامة. د. حامد عبدالرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة