يهتم الجميع الآن بانتخابات رئاسة الجمهورية وينشغل الجميع في البحث عن المرشح الأفضل وذلك من خلال متابعة برامج المرشحين ثم المناظرة التي عقدت بين اثنين من المتصدرين السباق هما عبدالمنعم أبو الفتوح وعمرو موسي. وكان من المفترض أن تعطي برامج المرشحين والمناظرة تصورا عما سيفعله المرشح حال فوزه بالرئاسة, لكن اتسمت البرامج المطروحة بالعمومية واسترضاء الجماهير ودغدغة أحلامهم بزيادة المرتبات وتوفير التعليم والتأمين الصحي وإعانات للمرأة المعيلة والعاطلين وأصحاب المعاشات, وكل ذلك مطلوب والسؤال الذي لم يجب عنه أحد بطريقة علمية هو من أين سيوفر الموارد المطلوبة لذلك وهي بالمليارات في وقت تعاني الميزانية من عجز يتزايد؟ لم يعط أي مرشح تصورا مقنعا لكيفية تنفيذ برامجه وماتحتاجه من مليارات فأحدهما يراهن علي علاقاته الخارجية التي ستأتي بالمعونات والقروض والمستثمرين, والثاني يضع الصناديق الخاصة والضرائب علي السجائر من مصادر التمويل, وكل هذا مشكوك فيه أو مبالغ فيه ولايمكن توفير المليارات المطلوبة من ذلك فقط, وبالتالي سيدفع المرشحون المواطنين إلي التحليق عاليا وانتظار زيادة المرتبات والتشغيل وتوفير الخدمات والسلع ثم تتلاشي أحلامهم وتتحطم توقعاتهم علي صخرة الواقع المجدب, مما يؤدي إلي اضطرابات سياسية واجتماعية تعيق إمكانية الإصلاح وليس التغيير وهو ماعانينا من حالة مماثلة بعد الثورة من زيادة المطالب والإحساس بأن وقت جني ثمار الثورة قد حان ثم مع الاستيقاظ علي الواقع الذي ازدادت مشاكله بدأ البعض يتراجع وتنطفئ جذوة الأمل لديه ويفتر حماسه للثورة, فهل نعيد نفس السيناريو بعد الانتخابات الرئاسية؟ مايزيد القلق علي المستقبل أن كل المرشحين في بحثهم عن أصوات الناخبين يقولون مايرضيهم ولكنهم يتجنبون الحديث عن المقابل والمثال الواضح لذلك الكل يعد بالحد الأدني للأجور وأن يرتبط الأجر بالأسعار وهذا جزء من المعادلة, لكن لم يتحدث أحد من المرشحين عن الجزء الآخر وهو أن الأجر مقابل عمل, وبالتالي لابد أن يكون مقابل زيادة المرتبات ضرورة الاهتمام بالإنتاج والانتاجية فلا يمكن أن يحصل الموظف علي زيادة في الأجر دون أن يقابل ذلك تجويد للعمل وهو مانفتقده في كل المجالات وبالتالي تراجعنا عن عدد كبير من الدول ذات الظروف المشابهة التي نتغني ويطالب المرشحون بأن نقلدها. لماذا لايعلن المرشح موقفا حازما من أن القضية الأهم في المجتمع التي تحتاج إلي تعبئة عامة حولها هي قضية ربط الأجر بالانتاج وانه لن يتهاون مع المدرسين الذين أضربوا لزيادة مرتباتهم ثم تركوا المدارس خاوية وخرجوا لإعطاء الدروس الخصوصية وانه لن يسمح بأن يستمر السائقون الذين أضربوا لزيادة مرتباتهم وحوافزهم في ترك الأتوبيسات عاطلة ليتفرغوا لقيادة التاكسيات, وانه لن يسمح لأمناء الشرطة الذين اعتصموا لزيادة مرتباتهم بالتهاون في استعادة الأمن المفقود, وهكذا في كل المجالات الكل يطالب بالحصول علي أجور وحوافز أعلي دون أن يفكر أحد في مقابل ما يطلب وهذه هي آفة مجتمعنا الآن والتي ستؤدي إلي انهياره لو استمر هذا الوضع الخاطئ فأين المرشحون من ذلك وأليس في هذا التجاهل ما يقلقنا علي المستقبل؟ المزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل