في أثناء إقامة معرض القاهرة للكتاب خرجت الناس بكل بهجة, ووسط برد لم يألفوه كثيرا وقد ملأ الدفء قلوبهم بحثا عن السعادة في ظل الكتاب, وشهدنا تزاحما حقيقيا عند الأجنحة وفي قاعات الندوات والعروض الفنية, والتقي القراء بالمؤلفين بالناشرين, ولاحظت أنه في سور الأزبكية مثلا تباع الكتب الجديدة بثلث أسعارها الموجودة لدي دور النشر الكبري, وكان السؤال هل هذه الكتب استعمال ثان مثل كل الكتب الموجودة في سوق الكتب العريق. إنها ظاهرة قديمة جديدة هي عمل طبعات غير رسمية للكتب التي تباع بأعداد كبيرة ويعاد نشرها لدي الناشر الأصلي, هذه الظاهرة زحفت إلي حياتنا الثقافية منذ سنوات قليلة, حيث يقوم أشخاص مجهولون بإعادة تصوير وطبع الكتب الأكثر مبيعا في طبعات شعبية لا تختلف كثيرا عن الكتاب الأصلي ويباع بسعر قد يكون في إمكان القارئ العادي أن يدفعه. الأمر مثير للتساؤل, فهل هذه الظاهرة قانونية, أم ضد القانون, وهل هذا الأمر يعني ازدهار أحوال القراءة, أم أن الأمر لا يتعدي أن يكون اقتناء شيء ثمين بسعر أرخص, فقد علمتنا ظاهرة القراءة للجميع أن الناس تقتني الكتب عندما تكون أرخص سعرا, وليس ذلك أنهم يقرأونها, وإلا لكنا قد أصبحنا الشعب الأكثر ثقافة, وعلما طوال عشرين عاما هو عمر هذا المشروع الذي لايزال مزدهرا حتي الآن, فالناس تفضل شراء الكتاب بسعر أرخص بصرف النظر عن أنهم يقرأونها أم لا, لكن الكثير من الكتب التي ظهرت في السنوات الأخيرة قد طبعت في أكثر من طبعة, ولم يشترك بها ناشروها, أو مؤلفوها في مشروع القراءة للجميع, وقد أغري هذا النجاح لصوص نشر الكتب أن يقوموا بعمل اصدارات مزورة تباع بأرقام كبيرة لدي الناشر الأصلي, هذا التزوير ضيع علي الناشرين الأصليين أرباحا طائلة, لكن البعض حاول معالجة الأمر بإصدار طبعا شعبية أرخص من الرواية نفسها علي غرار ظاهرة كتاب الجيب في العالم. وكان الرابح هم المؤلفين, وأيضا المزورين الذين تضخمت اصداراتهم, وأنشطتهم, وفشلت الدولة في مواجهة هذه القرصنة, أو أنها لم تول الأمر ما يستحق من اهتمام, ونحن لسنا مع المزورين بالطبع, لكن هناك سؤالا يطرح نفسه إنه إذا كان الناشر المزور, ناشرا في الأصل, ويفضل أن نسميه مزورا طابعا, إذا كان يكسب الكثير من التزوير, فلماذا يغالي الناشر الأصلي في تحديد أسعار الكتب, خاصة الروايات بأسعار فلكية لم تشهدها مصر من قبل, اجابة هذا السؤال موجودة لدي أطراف كثيرة, لكن الرابح الحقيقي هو القارئ, والمؤلف, بالاضافة أيضا الي الناشر الأصلي بدليل أنه يصدر طبعات جديدة من الكتب في فترات قياسية, وبالأسعار نفسها العالية, وبدليل الاستمرار في اخراج المزيد من العناوين. لكنه الجشع يفرض أسعار عالية واحتكار أسماء بعينها من الكتاب الأكثر قراءة عند الناس, الموضوع معقد وفي حاجة الي تدخل حكيم من اتحاد الناشرين, إنها لغة الايرادات العالية التي تلهب جيوب الناشرين فيغالون في رفع أسعار الكتب يوما وراء يوم.