لا شك أن انتشار عدوى فيروس «زيكا» السريع فى دول أمريكا اللاتينية أخذ العالم بأجمعه على بغتة. منذ أيام قليلة. أعلنت منظمة الصحة العالمية أن حالات التشوهات الجنينية، التى يُعتَقَد حتى الآن أنها نتيجة لعدوى فيروس «زيكا»، تُعتَبَر طارئة صحية تمثل تهديداً عالميا. ويقول د. إسلام حسين الباحث المتخصص فى علم الفيروسات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية إن العالم ينظر الآن بترقب شديد إلى حالات العدوى التى بدأت تنتشر إلى أمريكا وأوروبا، خاصةً و أن دورة الألعاب الأوليمبية التى سَتُعقَد فى البرازيل فى الصيف المقبل ستجذب العديد من المسافرين لهذه البقعة التى تنتشر فيها العدوى الآن بمعدلات عالية. صاحبت هذه التطورات السريعة شعوراً بالقلق لدى الكثيرين، وسيل من الأسئلة التى لا نمتلك إجابات واضحة على العديد منها للأسف. التفسير وراء ذلك كما يشير د. إسلام مرتبط بحداثة الاهتمام بالفيروس، الذى لم يشغل بال الكثيرين من العلماء حتى شهور قليلة ماضية. وإلى أن تؤتى هذه الجهود البحثية ثمارها، فنحن نعلم أن هناك فرضية قائمة بأن انتشار عدوى «زيكا» مسئولة عن الازدياد الملحوظ فى عدد حالات صغر حجم الرأس للمواليد ولكن هذه العلاقة غير مؤكدة حيث تم بناء هذه الفرضية على التزامن بين الحدثين وتمكن بعض الباحثين من الكشف عن وجود الفيروس فى عدد عينات قليل مأخوذ من أجنة تعانى هذه التشوهات. هذا فى الوقت الذى لا تزال تفاصيل إنتقال الفيروس من الأم للجنين غامضة. و إذا كان بالفعل فيروس «زيكا» هو المسئول عن حالات صغر حجم الرأس، لا ندرى كيف يُحدِث هذا التأثير على وجه التحديد. أيضاً لا نمتلك حتى الآن إحصائيات واضحة عن نسبة حدوث حالات صغر الرأس ما بين الحوامل المصابات بالعدوى، لكنها بالتأكيد ليست 100٪. فهناك حالات إصابة بالفيروس لا ينتج عنها تشوهات بالأجنة، و لا ندرى حتى الآن ما هى العوامل المتحكمة فى ظهور أو عدم ظهور هذه التشوهات.. فما نعلمه أن الفيروس ينتقل عن طريق لدغة بعوض Aedes aegypti، و لكن هذا ليس هو الطريق الوحيد لانتقال العدوى. منذ أيام قليلة سجلت ولاية تكساس بالولاياتالمتحدة انتقالا للفيروس عن طريق الاتصال الجنسى كما تم العثور على الفيروس فى لعاب الشخص المصاب، مما استدعى بعض الشكوك حول انتقال العدوى عن طريق التقبيل. ويضيف د. إسلام حسن أننا نعلم أن عدوى فيروس «زيكا»، كغيرها من حالات العدوى الحادة، تؤدى لظهور أعراض لفترة قصيرة ثم يتغلب الجهاز المناعى على الفيروس و يتعافى المصاب. لكن لا ندرى على وجه التحديد إلى متى يظل المصاب قادر، على نقل العدوى ولا ندرى أيضاً إذا كان هذا الفيروس يتمكن من الاختباء فى أى من أنسجة الجسم مثل الجهاز العصبى على سبيل المثال، خصوصاً وأنه تم الربط بين عدوى فيروس «زيكا» و بعض المضاعفات العصبية المعروفة ب Guillain-Barré syndrome، و التى تظهر على هيئة ضعف عام فى العضلات نتيجة لتأثير الفيروس على الأعصاب الطرفية، ومن الممكن أن يتطور إلى شلل وقد يؤدى إلى الوفاة. هناك إعتقاد أن هذه الحالة تنشأ نتيجة لرد فعل عنيف من الجهاز المناعي، و لكننا لا زلنا نجهل الكثير عن ميكانيكية حدوثها. ومن أهم الأسئلة التى يبحثها العلماء حاليا هو ما الذى طرأ على هذا الفيروس الموجود منذ سنوات طويلة و لم يسبب حالات مرضية تثير القلق، ثم فجأةً انتشر بهذه السرعة. هل كان هذا نتيجة لطفرات جينية حدثت مؤخراً و نتج عنها هذا التغير المفاجئ فى سلوك الفيروس؟ ويشير د.تيمور مصطفى أستاذ الأمراض التناسلية بطب القاهرة إن دائرة الصحة فى مقاطعة دالاس فى الولاياتالمتحدة أوضحت أن مريضا أصيب بالفيروس بعدما أجرى إتصالا جنسيا بشخص مريض عاد من بلد ينتشر فيه الفيروس" ولكن المتحدث باسم المراكز الوطنية لمراقبة الأمراض والوقاية منها "CDC" أكد أنه لم يتم التحقق من كيفية انتقال العدوى إلى هذه الحالة بالتحديد. وإذا تأكد أن هذه العدوى التقطت بالفعل عن طريق الاتصال الجنسي، تكون هذه ثانى حالة إنتقال لعدوى زيكا جنسيا بالولاياتالمتحدة. هذا التطور لانتشار الفيروس يضاف لقائمة الأمراض الفيروسية المنتقلة من خلال الممارسة الجنسية مع شخص مصاب مثل الهربس التناسلى والإيدز ومؤخرا الإيبولا التى تم اكتشاف تواجد الفيروس بالسائل المنوى بفترة النقاهة حتى 90 يوما. وتوضح الدكتورة سناء عبد الشافى استاذ التحاليل الطبية بطب القاهرة ومديرة بنك الدم بمعهد ناصر أن الخطورة من الفيروس تكمن فى انتقاله فى الشهور الثلاثة الأولى من الحمل حيث إن هذا الفيروس يؤدى لضمور حجم رأس المواليد وغالبا مايكون مصحوبا بخلل بالمخ، مشيرة انه لا توجد اختبارات حالية للفيروس فى الدم نفسه ولكن الدراسات قائمة على البحث عن الأجسام المناعية المضادة للفيروس والتى تظهر أثناء فترة إصابة المريض بالفيروس. ودعا د.علاء العلوان المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية الحكومات إلى العمل معاً للحفاظ على الإقليم وحمايته من هذا الفيروس. وأوضح أنه حتى الآن لم يبلغ عن حالات إصابة بالفيروس فى إقليمنا، ولكن هذا النوع من البعوض "الزاعج" موجود فى 7 دول بالإقليم وهى مصر والسودان والسعودية واليمن والصومال وجيبوتى وباكستان، لذلك ينبغى على قادة هذه الحكومات اتخاذ خطوات لمنع الفيروس من الانتشار. وأشار إلى أن معظم المصابين بفيروس «زيكا» يعانون حمى خفيفة وطفح جلدى والتهاب الملتحمة، ويعرف أيضاً بالعين القرنفلية، لمدة تصل لأسبوع. وحيث إنه لا يوجد علاج أو لقاح متاح حالياً، فإن أفضل وسيلة للوقاية هى الحماية من لدغات البعوض. ولحماية سكان إقليم شرق المتوسط، طالب د.العلوان جميع الدول على تعزيز المراقبة للكشف المبكر عن الإصابة بفيروس «زيكا»، خاصة بين العائدين من الدول التى ينتشر فيها الفيروس حالياً. كذلك اكتشاف تجمعات البعوض عالية الكثافة،والتوسيع فى أنشطة الحد من تجمعات البعوض، خاصة مواقع تكاثرها بالمياه الراكدة، وايضا رفع مستوى الوعى لدى الناس الذين يعيشون فى البلدان عالية المخاطر حيث تقع حالات حمى الضنك والحمى الصفراء، والتأكيد على تدابير الحماية الشخصية لمنع لدغات البعوض، وخصوصاً خلال النهار وهو الوقت الذى تميل فيه هذه الأنواع من البعوض للدغ. و يمكن للمواطنين حماية أنفسهم وذويهم من خلال استخدام طوارد الحشرات، وارتداء الملابس التى تغطى أكبر قدر من الجسم قدر الإمكان. من ناحيتها أكدت رنا صيدانى المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط بأن الحكومة المصرية إستطاعت منذ عدة أشهر التخلص من كميات كبيرة من بعوضة «الزاعج» بالتعاون مع المنظمة، من خلال حملات الرش التى قضت على معظم البعوض الناقل للعديد من الفيروسات منها حمى الضنك وفيروس زيكا، وأنه من المهم الاستمرار فى حملات المكافحة الحشرية بصورة دورية خاصة مع بداية فصل الربيع للحد من ظهور أجيال جديدة من البعوض الناقل للعدوى الفيروسية.