الإجابات كلها صحيحة هذا شيء واضح مثل الشمس, يشبه واحد زائد واحد يساوي اثنين.. هذه عبارة شائعة كثيرا ما ننهي بها مناقشاتنا, لكني في نيويورك وجدتهم يعلمون الأطفال شيئا آخر. فعندما دخلت أحد فصول السنة الثانية الابتدائية في زيارة مع أحد كبار رجال التربية, رأيت علي السبورة المسألة التالية: إذا كان مع نانسي(19) قطعة حلوي, بعضها أحمر وبعضها لونه أصفر, فما عدد القطع من كل لون التي يمكن أن تكون مع نانسي؟ ثم كتبت المعلمة: يمكن أن تكتب سبعة حلول علي الأقل لهذه المسألة. وبعد لحظات رفعت تلميذة صغيرة يدها لتقول في دهشة: أنا كتبت ثماني إجابات. ثم أشارت إلي الصبي الذي يجاورها وقالت: لكن جيمي كتب سبع إجابات تختلف كلها عن إجاباتي!! وابتسمت المعلمة وهي تلقي نظرة علي إجابات الصبي والصبية, ثم قالت: لكن كلها إجابات صحيحة. قال لي الخبير التربوي ونحن ننصرف: هكذا يتعلم الصغار منذ طفولتهم, أنه أحيانا يمكن أن تكون للمسألة الواحدة أكثر من إجابة صحيحة. وأنه يمكن أن تكون إجابات الآخرين مختلفة عن إجابتي, لكن قد تكون صحيحة أيضا, فالصواب قد يكون له أكثر من وجه!! ........................................................ الدوران حول المكعب في زيارة لأحد فصول روضة أطفال باليابان, عمر أطفالها من خمس إلي ست سنوات, كان الأطفال يجلسون في دائرة, وفي منتصف الفصل منضدة صغيرة عليها, في مستوي بصر الأطفال, مكعب خشبي كبير الحجم مغطي بغطاء أبيض. تقدمت المشرفة ورفعت الغطاء, فاتجه بصر كل طفل ناحية وجه المكعب المواجه لعينيه. سألت المدرسة طفلا يجلس إلي يسار المكعب: ما لون المكعب الذي أمامك ؟, وبغير تردد قال الطفل, وقد ركز بصره علي وجه المكعب المواجه له: أحمر. عندئذ سألت المشرفة طفلا يجلس علي يمين المكعب: وأنت.. ما لون المكعب ؟, وبغير تردد أيضا أجاب وهو يحدق في وجه المكعب المواجه له: أزرق. هنا أشارت المدرسة إلي طفل يجلس في صدر الفصل وسألته: وأنت.. ما لون المكعب ؟, وللمرة الثالثة يجيب هذا الطفل أيضا بغير تردد: أصفر, ذلك أنه كان ينظر إلي وجه المكعب المواجه له. عندئذ تقدمت المشرفة ناحية المكعب, وأدارته نصف دورة, وعادت تسأل نفس الأطفال الثلاثة عن لون المكعب. ولما كان وجه المكعب المواجه لعيني كل طفل قد تغير, فقد اختلفت إجاباتهم عن المرة الأولي, فمن سبق وقال إن لون المكعب أحمر قال إنه أصفر, ومن قال إنه أزرق أجاب هذه المرة بأنه أحمر, ومن قال إنه أصفر قال إنه أزرق. عندئذ اختارت المدرسة تلميذا رابعا وقالت له: وإذا سألتك أنت, ما لون المكعب, فبماذا تجيب ؟ قال التلميذ الرابع: المكعب لونه أحمر وأزرق وأصفر. لكن تلميذا خامسا وقف وقال: وأخضر أيضا, فقد رأي هذا التلميذ الخامس وجها رابعا للمكعب. عندئذ سألت المدرسة أطفال فصلها: ما سبب اختلاف إجاباتكم الأولي عن إجاباتكم الأخيرة ؟ وانطلقت من الأطفال إجابات كثيرة متنوعة, وفي النهاية قالت طفلة: قبل أن أجيب, يجب أن أدور حول المكعب, لأراه من مختلف جوانبه, ومن أعلاه أيضا. وفي نهاية النهار قالت لنا المشرفة: لقد لعبت معي مشرفات روضة الطفل وأنا طفلة هذه اللعبة مرات متعددة, بمكعبات تختلف ألوان أوجهها كل مرة, وقد جعلتني هذه اللعبة, كلما تقدمت في العمر, عندما استمع إلي وجهة نظر في شيء ما, أن أتمهل قبل تكوين رأيي والتصريح به, وأنا أقول لنفسي: لابد أن أدور أولا حول المكعب, لأتعرف علي مختلف أوجهه. ......................................................... الشمبانزي الذي ضحك في حديقة الحيوانات, وقف الدب الأبيض تحت رشاش الماء المتساقط فوقه من سقف القفص الواسع. كان يحلم بصحراء شاسعة من الجليد الأبيض شديد البرودة عاش فيها فترة طفولته, يختفي تحت الثلوج خلال سكونه في الشتاء, وفي الصيف يبحث عن صيده من الفقمات وسباع البحر. شاهد الدب الأبيض في القفص المجاور له دبا ضخما أسمر اللون, فصاح به: ما الذي غير لونك إلي هذا اللون الداكن ؟ اذهب فاغتسل لتزيل عنك هذا اللون الذي يفسد نظافة الفراء الأبيض. في دهشة أجابه الدب الأسمر: بل هو لوني الذي أحبه.. لولاه لما استطعت أن أعيش.. إنه لون أبي وأمي وإخوتي.. ولدت به, ولن أعيش إذا غيرته. بإصرار صاح الدب الأبيض: بل اللون الأبيض هو الذي يحمي الدب فيعيش.. لوني الأبيض يخفيني بين الثلوج فلا يراني الصيادون.. كما يخفيني عن الصيد الذي أصطاده فأستطيع أن أجد طعامي. في تكاسل جلس الدب الأسمر وهو يقول رافضا كل ما يسمعه من الدب الأبيض: أما أنا فأعيش في الغابات, واللون الأسمر يخفيني بين ظلال الأشجار فلا يراني الصيادون, وأستطيع به أن أتخفي فأصيد ما أشاء من القرود والخنازير البرية أكمل بها طعامي, وأحيانا من الأسماك وعسل النحل.. لن تعيش الدببة إلا إذا اكتست باللون الأسمر. أدار الدب الأبيض وجهه بعيدا في ضيق رافضا أن يصل إلي سمعه شيء آخر من الدب الأسمر وهو يقول: هذا غريب.. أنا واثق أنه بغير اللون الأبيض لا يمكن للدب أن يعيش.. أنت تقول كلاما فارغا لا يدخل عقل أي دب عاقل. أحس الدب الأسمر بالغضب والإهانة, فزأر صارخا في الدب الأبيض: بل أنا واثق أنه بغير اللون الأسمرلا يمكن لأي دب عاقل أن يعيش! سمع الشمبانزي هذا الحوار الغريب من مقره المجاور, فضحك في أسف وهو يقول لزوجته: أجسام ضخمة وعقول ضعيفة.. كل واحد منهما لا يريد أن يتصور نفسه في بيئة الآخر, وفي وسط ما يحيط به من متغيرات واحتياجات أمن وغذاء, فتجمد خياله وتعطل تفكيره, فانقطعت صلتهما بالحكمة وسلامة التفكير!