في حديقة الحيوانات, وقف الدب الأبيض تحت رشاش الماء المتساقط فوقه من سقف القفص الواسع. كان يحلم بصحراء شاسعة من الجليد الأبيض شديد البرودة عاش فيها فترة طفولته, يختفي تحت الثلوج خلال سكونه في الشتاء, وفي الصيف يبحث عن صيده من الفقمات وسباع البحر. شاهد الدب الأبيض في القفص المجاور له دبا ضخما أسمر اللون, فصاح به: ما الذي غير لونك إلي هذا اللون الداكن ؟ اذهب فاغتسل لتزيل عنك هذا اللون الذي يفسد نظافة الفراء الأبيض. في دهشة أجابه الدب الأسمر: بل هو لوني الذي أحبه, ولولاه لما استطعت أن أعيش.. إنه لون أبي وأمي وإخوتي, ولدت به, ولن أعيش إذا غيرته. بإصرار صاح الدب الأبيض: بل اللون الأبيض هو الذي يحمي الدب فيعيش.. لوني الأبيض يخفيني بين الثلوج فلا يراني الصيادون.. كما يخفيني عن الصيد الذي أصطاده فأستطيع أن أجد طعامي. في تكاسل جلس الدب الأسمر وهو يقول رافضا كل ما يسمعه من الدب الأبيض: أما أنا فأعيش في الغابات, واللون الأسمر يخفيني بين ظلال الأشجار فلا يراني الصيادون, وأستطيع به أن أتخفي فأصيد ما أشاء من القرود والخنازير البرية أكمل بها طعامي وأحيانا من الأسماك وعسل النحل.. لن تعيش الدببة إلا إذا اكتست باللون الأسمر. أدار الدب الأبيض وجهه بعيدا في ضيق رافضا أن يصل إلي سمعه شيء آخر من الدب الأسمر, وقال: هذا غريب.. أنا واثق أنه بغير اللون الأبيض لا يمكن للدب أن يعيش أنت تقول كلاما فارغا لا يدخل عقل أي دب عاقل. أحس الدب الأسمر بالغضب والإهانة, فزأر صارخا في الدب الأبيض: بل أنا واثق أنه بغير اللون الأسمرلا يمكن لأي دب عاقل أن يعيش! سمع الشمبانزي هذا الحوار الغريب من مقره المجاور, فضحك في أسف وهو يقول لزوجته: أجسام ضخمة وعقول ضعيفة.. كل واحد منهما لا يريد أن يتصور نفسه في بيئة الآخر ووسط ما يحيط به من ظروف ومتغيرات, واحتياجات أمن وغذاء, فتجمد خياله وتعطل تفكيره, فانقطعت صلتهما بالحكمة وسلامة التفكير!.