«بنها الأهلية» تكرم القيادات السابقة للجامعة    لتحقيق أهداف التنمية.. مدبولي يتابع تطبيق إجراءات التعامل مع مشكلة الكثافات وسد العجز بمدارس الأقصر    غدًا.. ضعف المياه عن مدينة الفشن ببني سويف وضواحيها لانقطاع الكهرباء    الإشراف الدولية «DNV» تعتمد برامج أكاديمية قناة السويس للتدريب البحري والمحاكاة (تفاصيل)    «أكبر ضربة منذ الطوفان».. «القسام» تنفذ عملية موجعة ضد الجيش الإسرائيلي في غزة    أول رد من «الخارجية» على تصريحات حميدتي قائد مليشيا الدعم السريع    الأهلي يسابق الزمن لضم مهاجم أجنبي.. وظروف صحية وراء التأجيل    طارق يحيى: هناك حالة جيده داخل منتخب مصر تحت قيادة حسام حسن.. وقرار تجديد عبد الشافي محترم    خالد الغندور يعلنها: أنا ضد الأهلي فوق الجميع    اختلال عجلة القيادة.. تفاصيل إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص في منشأة القناطر    تفاصيل إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق في الحوامدية    ننشرحيثيات فوز الكورية هان كانج بجائزة نوبل فى الأدب2024    لقاءات للتوعية بالحفاظ علي النيل لقصور الثقافة ب دوري المكتبات في دورته الثانية    تشييع جثمان أم أبناء الدكتور حسام موافي (صور)    فاينانشيال تايمز: أوامر الإخلاء وتغير خطاب إسرائيل ينذران بحرب طويلة بلبنان    وزير الخارجية: نجاح مصر ب"مكافحة الهجرة غير الشرعية" نتيجة الجهود المتضافرة    تسليم 2218 شهادة استبيان تراخيص إقامة مباني داخل الحيز العمراني بالشرقية    هيئة الإشراف الدولية "DNV" تعتمد البرامج التدريبية لأكاديمية قناة السويس    عفت نصار: الزمالك رغم المعاناة يظل أكبر قلعة رياضية في مصر    أزمة بين كولر ولجنة التخطيط بالأهلي بسبب هذا اللاعب    خبراء الضرائب: 6 تعهدات من وزير المالية لبدء مرحلة جديدة مع الممولين    «مدبولي»: الدولة تولي اهتماماً خاصاً بالتوسع في الكليات التكنولوجية    حملة مرورية مكبرة تضبط 11 ألف مخالفة تجاوز سرعة مقررة    ضبط صاحب مخزن حبارات "بدون ترخيص" بالزيتون    مدير التنبؤات الجوية يكشف تفاصيل حالة الطقس.. ويوجه نصائح هامة    التقييمات الشهرية لطلاب المدارس.. «التعليم» تتيح النماذج عبر موقع الوزارة    وزارة الداخلية تقرر رد الجنسية المصرية ل 24 مواطن    شيخ الأزهر يستقبل رئيس معهد «ديا ماليلا» الإندونيسي ووفد طلاب «المعايشة اللغوية»    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تستهدف بلدات لبنان لتنفيذ العملية البرية    أمجد الشوا: غزة تخوض معركة من أجل البقاء على قيد الحياة    محمد منير.. أشهر عزاب الفن الذي أدخله يوسف شاهين عالم التمثيل    الحلقة 20 من مسلسل برغم القانون.. الشرطة تُلقي القبض على أكرم    المنظمات الفلسطينية: حجم المساعدات المقدمة لغزة لا يتجاوز 7% من الاحتياجات    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة غدآ.. تعرف عليها    يوم الجمعة: يوم البركة واستجابة الدعاء وراحة القلوب    الإسعاف تعلن عن توفير خدماتها بالجولف كار والإسعاف النهري والاسكوتر الكهربائي    صحة مطروح: تقديم 480 خدمة طبية خلال القافلة الخدمية الشاملة بواحة سيوة    إجراء 1274 جراحة مجانية ضمن مبادرة "القضاء على قوائم الانتظار" بالمنيا    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    الكشف عن قائد منتخب إنجلترا في غياب هاري كين    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرة مفخخة أطلقت من غزة نحو إسرائيل    ترتيب الأهلي والزمالك.. كاف يعلن تصنيف الأندية الأفريقية في آخر 5 سنوات    علوم حلوان الأهلية تختتم أسبوعها التعريفي للطلاب الجدد    برنامج تدريبي بجامعة القناة حول القيادة الاستباقية وتحليل البيانات للهيئات بالإسماعيلية    نائب وزير الإسكان يلتقي ممثلي إحدى الشركات العالمية المتخصصة في تنفيذ وإدارة المرافق    المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية: موقف إيران من تصنيع السلاح النووي ثابت ولم يتغير    رئيس هيئة الرعاية الصحية: الانتهاء من إعداد أكثر من 450 بروتوكولًا    محافظ المنوفية: قافلة طبية مجانية على مدار يومين بقرية المصيلحة بشبين الكوم    جدول مباريات اليوم.. يد الزمالك في إفريقيا.. دوري السيدات.. ومجموعة مصر    نائب وزير التعليم يكشف تفاصيل مسابقات تعيين معلمي الحصص في المدارس    لإسكات الأصوات.. جيش الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين الفلسطينيين    مدحت صالح نجم افتتاح مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال32    تراجع كبير في أسعار مواد البناء: انفراجة جديدة في سوق الحديد والأسمنت    حكم الالتفات في الصلاة.. الإفتاء توضح    ذكرى نصر أكتوبر| «الشهيد الحي»: فقدت قدماي وذراعي وطلبت الرجوع للجبهة    بسبب «النسيان أو النوم».. حكم قضاء الصلاة الفائتة    بعضهم كرماء وطيبون.. تعرف على أكثر 3 أبراج عنفًا    علي جمعة يكشف عن شرط قبول الصلاة على النبي وأفضل صيغة ترددها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة الحزام والطريق... إطار جديد لبناء شراكة مصرية صينية
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 01 - 2016

تعد «مبادرة الحزام والطريق» والتى أعلنها الرئيس الصينى شى جين بينغ فى سبتمبر 2013، بحق واحدة من أكبر وأهم المشروعات التى طُرحت فى تاريخ المجتمع الإنساني. وتأتى أهمية هذه المبادرة أنها تنطوى على عدد من الخصائص التى تميزها جوهريا عن نمط المبادرات والمشروعات التى درج الغرب على طرحها خلال العقود السابقة، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادى، أو الثقافي. غير أن نجاح هذه المبادرة يظل رهنا بشروط عديدة، لابد من وعى حكومة الصين وحكومات الدول النامية المعنية بها، والتعاون بشكل إيجابى حتى يمكن توفير البيئات المحلية والإقليمية اللازمة لتجاوز التحديات التى تواجه تحويل هذه المبادرة إلى واقع اقتصادى وتنموي. وتقع مسئولية مواجهة هذه التحديات على الصين، جنبا إلى جنب مع الشركاء الإقليميين فى المبادرة، وهو ما يفتح الطريق أمام دور مهم يمكن أن تقوم به مصر فى إطار تلك المبادرة.
وأطرح فيما يلي، انطلاقا من متابعتى لتطور العلاقات المصرية- الصينية، واستنادا إلى تفاعلى مع عدد من الزملاء فى عدد من مراكز البحوث والجامعات الصينية، والتى أتمنى أن تكون معينا لصانعى القرار على الجانبين المصرى والصيني، بما يخدم تطور تلك العلاقات ووصولها إلى المستوى الذى يطمح إليه الجانبان، وبما يضمن نجاح هذه المبادرة المهمة والتى نأمل أن تكون تدشينا لفصل جديد فى مجال تعاون الجنوب- الجنوب، بشكل عام، والعلاقات المصرية- الصينية، بشكل خاص.
كما سبق القول، تتسم مبادرة الحزام والطريق بعدد من السمات التى تميزها عن غيرها من المبادرات والمشروعات التى درج الغرب على طرحها خلال العقود السابقة، والتى انتهت إما إلى لا شىء، أو إلى إنتاج مشروعات تكرس التوزيع اللامتكافئ لعائدات المعاملات الاقتصادية والمالية العالمية لصالح الدول المتقدمة اقتصاديا. أولى تلك السمات أن المبادرة تقوم على فلسفة تتجاوز المفهوم الجغرافى التقليدى الضيق لمشروعات التعاون الإقليمي، بمعنى أنها لا تستند إلى تعريف جغرافى وجيوسياسى مغلق يقصرها على إقليم جغرافى محدد. بل على العكس، فقد استندت المبادرة منذ البداية إلى نطاق جغرافى واسع، يسمح بضم أكبر عدد ممكن من الدول، المتباينة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وأكبر عدد من الأقاليم الجغرافية (شرق آسيا، وجنوب شرقى آسيا، وجنوبى آسيا، ووسط آسيا، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجنوبى أوروبا). وتأتى أهمية هذه السمة أنها تسمح، أولا، باستفادة أكبر عدد ممكن من الدول النامية من المبادرة. وتحرر المبادرة، ثانيا، من الإدراكات السلبية المحتملة من جانب الدول الغربية، أو النظر إليها باعتبارها مشروعا صينيا موجها ضد الغرب، خاصة فى ضوء دمج إقليم جنوبى أوروبا فى المبادرة.
من ناحية ثانية، تقوم المبادرة على الربط الوثيق بين التجارة والتنمية. ويعيدنا هذا إلى خبرة مشروعات الدول النامية لتوسيع التجارة الإقليمية البينية؛ فقد شهد النصف الثانى من القرن العشرين الإعلان عن عدد من مشروعات التكامل الإقليمى وتحرير التجارة فى الدول النامية (خاصة فى الشرق الأوسط، والقارة الإفريقية، وجنوبى آسيا)، إلا أنها لم تستطع تحقيق أى من أهدافها المعلنة، خاصة توسيع حجم التجارة الإقليمية بين الاقتصادات الأعضاء، لأسباب عديدة منها أن عملية تحرير التجارة لم تقترن، أو لم يسبقها، إعادة هيكلة تلك الاقتصادات على نحو يضمن ارتباط عملية تحرير التجارة بإيجاد سلع وخدمات يمكن تبادلها بالفعل بين تلك الاقتصادات. وهكذا، فقد فشلت المبادرات الإقليمية لتوسيع التجارة الإقليمية فى أقاليم الدول النامية، والتى سعت إلى توسيع حجم التجارة الإقليمية البينية، فى تحقيق هذا الهدف بسبب عدم ارتباطها بسياسات ومشروعات تنموية حقيقية. من هنا تأتى أهمية مبادرة الحزام والطريق كونها ليست مجرد مبادرة تسعى إلى تسهيل وتوسيع حجم التجارة بين الأقاليم والدول المندمجة فى هذه المبادرة، من خلال إزالة العوائق المادية أمام هذه التجارة وتخفيض تكاليفها، بقدر ما تنطوى أيضا على أبعاد تنموية من خلال مشروعات مهمة لتنمية البنية الأساسية وتوفير التمويل اللازم لهذه المشروعات. وبهذا المعنى، فإن مبادرة الحزام والطريق تنطوى على مكاسب اقتصادية محتملة للدول النامية المعنية، بالنظر إلى انطوائها على مشروعات تنموية جنبا إلى جنب مع التجارة.
من ناحية ثالثة، تمتلك المبادرة العديد من مقومات نجاحها، كونها تأتى من دولة كبيرة، ذات اقتصاد قوي، مازالت تقدم نفسها باعتبارها دولة نامية، الأمر الذى يحررها من المخاوف التى ارتبطت بالعديد من المبادرات التى أعلنتها الدول الغربية، والتى سعت بالأساس إلى تكريس الهيمنة الغربية، على النظام العالمي، والهيمنة على أسواق الدول النامية، وضمان تبعيتها للاقتصادات الرأسمالية الكبيرة. يصدق ذلك على المبادرات السياسية والاقتصادية. ولم ترتبط بهذه المبادرات/ المشروعات الغربية مكاسب حقيقية للدول النامية (راجع على سبيل المثال المبادرات الغربية المتعددة حول الشرق الأوسط الجديد تارة والكبير تارة والموسع تارة أخرى، ومنطقة التجارة الحرة الأوروبية مع دول مجلس التعاون الخليجي). وفى المقابل، تتمتع مبادرة الحزام والطريق الصينية بردود فعل إيجابية سريعة من أكثر من 60 دولة، الأمر الذى يعكس وجود إدراكات إيجابية كبيرة حول هذه المبادرة لدى قسم كبير من الدول النامية فى مختلف الأقاليم. كما ارتبطت المبادرة بتخصيص تمويل صينى يسمح بتنفيذ المشروعات المقترحة فى إطار تلك المبادرة، وهو ما كشف عنه تأسيس صندوق طريق الحرير Silk Road Fund، فضلا عن ارتباط المبادرة بمشروعات لتنمية البنية الأساسية، فى مجالات السكك الحديدية والطرق السريعة عابرة الحدود، والموانى البحرية، مثل خط السكك الحديدية شنجيانج- مدريد Xinjiang- Madrid Rail Line، والذى سيترتب عليه تقليل المدة الزمنية للتجارة البرية بين البلدين من 45 يوما إلى 21 يوميا تقريبا، والممر الاقتصادى الصيني- الباكستاني، وممر بنجلادش- الصين- الهند- ميانمار.
من ناحية رابعة تتسم المبادرة بأنها تقوم على البناء على الأطر الثنائية والإقليمية القائمة، مثل «منظمة شنغهاى للتعاون الإقليمي»، وبالجماعة الاقتصادية «لأوراسية» Eurasian Economic Community، والآسيان، وغيرها من الأطر الإقليمية القائمة فى مختلف الأقاليم ذات الصلة بالمبادرة. فباستثناء عدد من المؤسسات الداخلية الصينية التى تم استحداثها بهدف تشجيع المبادرة مثل «صندوق طريق الحرير»، وبالبنك الآسيوى للاستثمار فى تنمية البنية الأساسية Asian Infrastructure Investment Bank (AIIB)، لم تتضمن المبادرة الحديث عن إنشاء مؤسسات أو أبنية جديدة عبر إقليمية. وتأتى أهمية هذا التوجه أنه لا يكبل المبادرة بالقيود البيروقراطية، كما يوجد نوعا من المرونة فى إدارة المبادرة. أضف إلى ذلك، فإن استبعاد فكرة إنشاء كيان فوق إقليمى للمبادرة يحررها من ظهور أى إدراكات سلبية قد تتطور فى مختلف الأقاليم المعنية بأن المبادرة تمثل مجالا للنفوذ والهيمنة الصينية على تلك الأقاليم. وأخيرا، فإن هذا التوجه يتسق فى الواقع مع طبيعة الثقافة والتقاليد الآسيوية فى بناء الأطر الإقليمية وعبر الإقليمية والتى تقوم على مفهوم الإقليمية المفتوحة open regionalism، والمؤسسية المرنة، على نحو ما تشير إليه تجربة الآبك APEC وبرابطة دول المحيط الهندى للتعاون «الإقليمي» Indian Ocean Rim Association for Regional Cooperation (IORARC)، والتطورات المتلاحقة التى يشهدها منتدى الآسيان.
مع أهمية الملامح الرئيسية السابقة لمبادرة الحزام والطريق، إلا أنه يجب عدم إغفال عدد من التحديات التى تواجه المبادرة، أو بالأحرى عدد من الشروط الأساسية اللازمة لنجاح هذه المبادرة وتحولها إلى قائمة من المشروعات الفعلية التى تحقق المكاسب المشتركة لجميع الأطراف.
يتعلق الشرط الأول بضرورة نشر قناعة قوية وواضحة لدى حكومات وشعوب الدول المعنية بالمبادرة فى مختلف الأقاليم بأن هذه المبادرة ليست مشروعا تجاريا بالأساس، وأنها لا تهدف إلى توسيع حجم التجارة الخارجية للصين وضمان هيمنتها على الأسواق الخارجية فى الأقاليم المستهدفة، الأمر الذى قد ينتهى بتعميق مشكلة العجوزات فى الموازين التجارية بين الصين واقتصادات هذه الأسواق. فمع أهمية المكون التنموى فى تلك المبادرة، إلا أنه يجب أن ترتبط بها سياسة قوية للقضاء على أى مخاوف من هذا النوع، بالإضافة إلى الحفاظ على وزن المكون التنموى فى هذه المبادرة وتوسيعه. ومع أهمية تخفيض تكلفة المعاملات الاقتصادية والتجارية من خلال مكونات المبادرة، إلا أن هذا المدخل لا يمثل شرطا كافيا لتوسيع حجم التجارة، كما لا يمثل شرطا كافيا أيضا لتوزيع عادل لعوائد التجارة بين الدول المندمجة فى المبادرة، إذ يتطلب الأمر توسيع نصيب كل الأطراف المعنية من حجم الصادرات البينية، بما يقود فى النهاية إلى توزيع أكثر عدالة لعوائد النمو فى التجارة بين الدول المعنية بالمبادرة بشكل عام، وبينها وبين الصين، بشكل خاص.
يتعلق الشرط الثانى بأهمية ارتباط مبادرة بهذا الحجم بتوسيع وزيادة حجم القوة الناعمة الصينية، خاصة فى إقليمى آسيا الوسطى والشرق الأوسط، فالأول ربما يكون لديه تخوف من أن هذه المبادرة، وما يرتبط بها من مشروعات، ليست سوى أداة صينية لكسب الصراع مع روسيا والغرب على النفوذ فى المنطقة، والثانى مازال النفوذ الغربى والقوة الناعمة الغربية فيه أكثر قوة بالمقارنة بنظيرتها الصينية، وذلك رغم ما تشهده من تراجع ملحوظ منذ أحداث سبتمبر 2001 وما تبعها من سياسات، ثم جاء الربيع العربى ليكرس هذا التراجع ويثبت فشل كل المبادرات الغربية لنشر الديمقراطية من الخارج، سواء عبر الوسائل الناعمة والاقتصادية، أو عبر التدخل العسكرى المباشر على نحو ما أكدته تجربة العراق (وأفغانستان). وما نقصده هنا أنه يجب أن توازى مبادرة الحزام والطريق مبادرات وسياسات صينية موازية لنشر ودعم القوة الصينية الناعمة فى الأقاليم المستفيدة من المبادرة، والتى قد تعد شرطا مهما لنجاح المشروعات التنموية المرتبطة بالمبادرة. وتأتى أهمية نشر القوة الناعمة الصينية استنادا إلى طبيعة طريق الحرير التاريخى الذى مثل محورا للتفاعل بين الحضارات والثقافات بجانب كونه مسارا للتجارة، وهى مسألة تزيد أهميتها فى حالة المشروع الجديد الحزام والطريق.
ويتطلب دعم القوة الناعمة للصين هنا زيادة حجم المساعدات التنموية الصينية غير المشروطة للدول النامية والصديقة خاصة الدول الإقليمية المحورية، كما يتطلب أيضا تنمية الروابط الثقافية من خلال التبادل العلمى والثقافي، فضلا عن مساعدة الدول النامية المعنية على تطوير نماذجها التنموية استنادا إلى بيئاتها المحلية إلخ.
يتعلق الشرط الثالث بضرورة محاربة الإرهاب، خاصة على خلفية انتشار التنظيمات الإرهابية المتشددة فى إقليم جنوبى آسيا، ووسط آسيا، بالإضافة إلى الشرق الأوسط. إذ لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية مستدامة حول الحزام والطريق، دون القضاء على هذه التنظيمات التى تمثل تحديا حقيقيا للاستقرار فى تلك الأقاليم. وتحتاج المواجهة الحقيقية للإرهاب إلى مقاربة مختلفة لتلك التى اتبعها الغرب؛ فقد دافع الأخير عقب وقوع أحداث سبتمبر 2001 عن إستراتيجية التدخل العسكرى والغزو بهدف إعادة بناء بعض دول جنوبى آسيا والشرق الأوسط (أفغانستان، والعراق) باعتبارها الوسيلة المثلى- من وجهة النظر الغربية- للقضاء على التنظيمات الإرهابية فى المنطقة ونشر الديمقراطية فى هذين الإقليمين. وقد انطلق الغرب هنا من افتراض أن انتشار ظاهرة الدول الفاشلة والهشة والأنظمة الشمولية هو السبب الرئيسى وراء انتشار ظاهرة الإرهاب. لكن الخبرة العملية للاحتلال فى البلدين السابقين أثبتت أن الاحتلال قد حقق فشلا واضحا فى تحقيق أى من الأهداف التى أعلنها كمبرر للتدخل العسكرى والغزو، سواء إعادة بناء الدولة، أو نشر الديمقراطية، أو القضاء على التنظيمات الإرهابية. بل على العكس، فقد نتج عن خبرة الاحتلال انتشار أكبر لتنظيم القاعدة خارج منطقة تركزه الأساسية (أفغانستان ومنطقة الحدود الشمالية الغربية من باكستان)، ليشمل تأسيس فروع إقليمية للتنظيم فى العراق، وشبه الجزيرة العربية، وشمال إفريقيا، ثم ظهور أنماط جديدة من تلك التنظيمات أكثر خطورة (تنظيم داعش).
وهكذا، فإن الاعتماد على المقاربة الغربية فى محاربة الإرهاب والتسليم بهذه المقاربة لن يقود إلى مواجهة حقيقية لظاهرة الإرهاب، وهو ما يعنى أهمية تطوير رؤية ودور صينى فاعل بالتعاون مع الدول الرئيسية فى إقليمى جنوب آسيا والشرق الأوسط، وأولاها مصر.
السمات والشروط السابقة لمبادرة الحزام والطريق،تمثل أساسا مهما لشراكة مصرية- صينية فى إطار تلك المبادرة المهمة، استنادا ليس فقط إلى وضع مصر كقوة إقليمية رئيسية فى الشرق الأوسط لا يمكن تجاهلها، وكاقتصاد صاعد، ووضع جغرافى متميزيوفر فرصة كبيرة لبناء علاقة تكامل بين قناة السويس والمبادرة، ولكن استنادا أيضا إلى الدور المهم الذى يمكن أن تلعبه مصر فى توفير الشروط السابقة والضرورية لنجاح المبادرة، سواء فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وتوفير البيئة الأمنية اللازمة، وضمان استقرار إقليم الشرق الأوسط، أو فيما يتعلق بتعظيم القوة الناعمة الصينية فى المنطقة وفى النظام العالمي.، وهى مسائل تحتاج إلى بناء تفاهمات مصرية- صينية.
لمزيد من مقالات د. محمد فايز فرحات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.