هذا عام جديد. أصبحنا فى عام 2016. وهذا يعنى بالنسبة للانتاج والعمال فى بلادنا أننا على وشك أن نطوى خمس سنوات كاملة على إصدار أحكام عودة ثمان من شركات القطاع العام من فساد ونهب الخصخصة دون أن تعود بعد أى من مصانع هذه الشركات الى العمل والانتاج والى أحضان الوطن . توالت أحكام القضاء الإدارى التاريخية بعد ثورة 25 يناير بعودة الشركات وإعادة العمال اعتبارا من 7 مايو 2011. وهذا فضل غير منكور لهذه الثورة رغم ما تعانيه من عثرات وما ينهال عليها من حملات تشويه . وصدرت فى غضون عام 2013 أحكام المحكمة الادارية العليا النهائية مؤيدة لعودة الشركات وإعادة عمالها. ولكن فى واد آخر سارت حكومات ووزراء ورؤساء شركات قابضة انيط بهم تنفيذ هذه الأحكام والحرص على الاقتصاد القومى وأصول دفع فيها المصريون جيلا بعد جيل من دمائهم وعرقهم وأموالهم. بل لجأ بعضهم الى رفع دعاوى الاستشكال والطعن على احكام العودة .فلما فشلوا طلبوا تفسيرات قانونية وقضائية لما هو واضح ومحسوم . وحتى عندما صدرت هذه التفسيرات من القضاء الإدارى لم يتغير شئ ولم يجد جديد. وهكذا فإن سلطة الإدارة وارادة السياسة لم ترتفع الى مستوى ما أصدره القضاء المصرى من أحكام تاريخية. ولذا اصبحنا ازاء حالة واضحة من انتهاك الدستور والقانون والدوس على احكام القضاء مما يهدد بسقوط المشروعية، وهذا هو ماحذر منه القاضى الجليل ياسين عكاشة فى كتابه الخصخصة الفاسدة ومخططات بيع مصر، والذى قدمت الأهرام عرضا له فى 20 أغسطس 2014. أعرف أن تنفيذ جانب من أحكام عودة الشركات واعادة العمال يحمل معه مشكلات. بعضها جديد على خبرات الادارة فى هذا البلد. لكنها فى النهاية مشكلات فنية قابلة للحل اذا ماخلصت النوايا وتوافرت الإرادة . وأخيرا قبل أسابيع من نهاية عام 2015 وتحديدا فى 17 نوفمبر نشرت الصحف إعلانا من الشركة القابضة الكيماوية بفتح باب تلقى رغبات العودة الى العمل بشركة طنطا للزيوت والكتان. وحدد هذا الإعلان مهلة ثلاثين يوما تنتهى فى 22 ديسمبر لتلقى طلبات العاملين الذين انتهت خدمتهم من العمل بنظام المعاش المبكر ومازالوا تحت سن الستين. وهكذا تحركت بيروقراطية الإدراة متأخرة جدا استجابة لحكم صدر بعودة الشركة واعادة العمال فى 21 سبتمبر 2011. بل انتظرت كى تتحرك اسابيع وشهور بعد الحكم التفسيرى الصادر بعودة العمال فى 27 يونيو 2015 والذى يدين جهة الإدارة المشرفة حين قال نصا: لم يكن هناك فى الحكم الصادر بعودة الشركات أى غموض أو ايهام يقتضى الايضاح.. وانه لااجتهاد مع صراحة النص ووضوحه. ما أعلمه أن نحو 250 عاملا من هذه الشركة تقدموا للعودة ووقعوا على اقرار برد مبالغ المعاش المبكر (وهى بالأصل هزيلة) خصما من الراتب الشهرى ومكافأة نهاية الخدمة. وعلما بأن الاحكام القضائية واضحة فى أحقية العمال بالمقابل فى كامل مستحقاتهم التى حرموا منها بسبب خصخصة لا ذنب لهم فيها. وهى بالأصل جراء سوء وفساد الإدارة العليا والسلطة السياسة .والأحكام القضائية تحدد خمسين شخصية يتقدمها الرئيس المخلوع مبارك يتعين محاكمتها ومحاسبتها على فساد الخصخصة. وهو ملف لم يتم فتحه الى الآن. وعلى أى حال فإن حالة طنطا للكتان بشأن اعادة العمال تفيد بأن نحو 40 فى المائة ممن خرجوا على المعاش المبكر تقدموا للعودة.. أى من اجمالى نحو 600 عامل. فالوفاة وتجاوز سن الستين تكفلت بمصير آخرين. ولكن من تقدم والكثير منهم اصبح على اعتاب المعاش بامكانه تدريب اجيال جديدة على تشغيل صناعة مهمة وانقاذ زراعة محصول كالكتان فى وسط الدلتا. وفى هذه الشركة كغيرها من شركات الخصخصة العائدة كفاءات وضعت خططا لتشغيل اقتصادى ناجح. لكن هؤلاء العمال اضطروا الأربعاء الماضى لتنظيم وقفة احتجاجية على الاستمرار فى المماطلة باعادتهم وعودة المصانع المتوقفة للانتاج. طنطا للكتان كما يبدو فى موقع متقدم بالنسبة لاعادة العمال . وحقيقة لم ألحظ اعلانا مماثلا يدعو عمال شركات أخرى للتقدم بطلبات العودة . بل اننى استمعت من عمال شركة المراجل البخارية وهى صناعة استراتيجية مهمة من صميم الأمن القومى أن الشركة القابضة الكيماوية نفسها طالبتهم بأن ينتظروا الحصول على تفسير مماثل لاحكام عودة عمال طنطا للكتان. وهكذا فإن حبال المماطلة والالتفاف على تنفيذ الأحكام تبدو بلانهاية. علماء الإدارة طالما يتحدثون عن حاجة البيروقراطية الكسول المعرقلة للتقدم الى عصا الادارة السياسية كى تعالج تكلسها .وثمة حلول عدة من تغيير القيادات والوجوه الى سن التشريعات واخضاع البيروقراطية لرقابة شعبية فعالة. لكن ماذا نقول عندما نعلم بأن من بين من يقود هذه البيروقراطية المنوط بها اعادة شركات الشعب للانتاج نفس الأشخاص الذين اشرفوا على بيع الشركات نفسها بالفساد وسوء الإدارة. أتمنى ألا يهل علينا العام المقبل 2017 ومصانعنا مازالت متوقفة وعمالها الذين خاضوا معركة طويلة لاستردادها لصالح جموع الشعب من بيع فاسد مازالوا مشردين. يدورون فى ساقية بيروقراطية لاترحم. تتصرف وكأننا فى بلد بلاقانون وبلا إرادة سياسية تعمل لصالح الوطن. [email protected] لمزيد من مقالات كارم يحيى