أعود للكتابة عن الخصخصة. وما أدراك ما الخصخصة. ولقد استفهمت مؤخرا من عمال اثنتين من الشركات الصادر بشأنها أحكام نهائية باتة ببطلان البيع وفساده وبعودتها الى الدولة وتشغيلها. وهى المراجل البخارية وطنطا للكتان. وكنت قد كتبت عنهما هنا فى 18 مارس و29 إبريل العام الماضى.فاكتشفت بأن الحال على ماهو عليه قبل اصدار الاحكام منذ أربع سنوات. ليس فقط لأن مسئولا واحدا عن كل هذا الفساد لم يحاسب أو يحاكم. علما بان القاضى الجليل حمدى عكاشة صاحب العديد من أحكام القضاء الادارى بعودة الشركات حدد 51 اسما يتقدمهم الرئيس المخلوع حسنى مبارك ورؤساء حكومات ووزراء وشركات قابضة ورجال أعمال يتعين محاكمتهم جنائيا. وأكد ان احكام القضاء الادارى بمثابة بلاغ الى جهات التحقيق، وأن تجريف اصول الاقتصاد المصرى على هذا النحو جرائم جنائية يحق للنيابة العامة رفع الدعاوى بشأنها من غير شكوى او طلب. بل ولأن أحكام عودة الشركات الى الدولة وتشغيلها واعادة عمالها اليها ظلت الى الآن من دون تنفيذ حبرا على ورق. وكأنها تحقق مخاوف القاضى حين قال إن التراخى فى تنفيذ أحكام القضاء يترتب عليه اشاعة الفوضى وفقدان الثقة فى سيادة القانون وسقوط المشروعية. وهكذا لم تكتف الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير 2011 بالتلكؤ والمماطلة وتشكيل اللجان تلو اللجان عبثا. فى البداية طعنت على الأحكام والى جانب رجال الأعمال بما فيهم الأجانب وضد الصالح العام ومصلحة الدولة. ولما خاب هذا المسعى انشغلت بالتفاوض لتعويض المشترين رغم وضوح وثبوت فساد عمليات البيع، وعلى نحو يقطع الطريق على التحكيم الدولى بمقتضى اتفاقات مكافحة الفساد.ولأن محاكم القضاء الإدارى قالتها أيضا صريحة منذ البداية بان العقد المتحصل عن طريق الفساد ليس جديرا بالحماية الدولية. وفوق هذا وذاك أوكلت الحكومات المتعاقبة شئون الشركات المشمولة باحكام العودة الى مفوضين العديد منهم بدا بلا دراية أو خبرة ورؤساء شركات قابضة يقول العمال إن بينهم من اشرف على عمليات البيع الفاسدة. وهذا بدلا من ان تسارع الى تشكيل مجالس إدارة وجمعيات عمومية تستعين فيها بالعمال الذين ناضلوا طويلا لاعادة هذه الشركات. وقد أثبتوا انهم الأحرص على المال العام وعلى حق العمل. ولقد استمعت من هؤلاء العمال الى ما يشبه شكوى الفلاح الفصيح عن كيف خاضوا وسط تيار عاتى من اللامبالاة والمماطلة المعركة تلو الأخرى فى مواجهة استشكالات رؤساء وزراء سابقين ورئيس الشركة القابضة للكيماويات التى تتبعها شركتا المراجل والكتان ضد عودة العمال الى الشركتين.وكذا المماحكات التى لم تنته حول تفسير على من تنطبق العودة. وهذا حتى صدر حكم القضاء الادارى الأخير فى 27 يونيو بعدم قبول هذه الاشكالات فى تنفيذ الحكم مع تمسك القضاء الإدارى بتفسير منطوق الأحكام الواضحة منذ أربع سنوات بإعادة جميع العاملين الى سابق أوضاعهم ممن كانوا على رأس العمل بهذه الشركات فى اليوم السابق على توقيع عقود البيع الباطلة مع صرف كامل مستحقاتهم وحوافزهم وحقوقهم . وأمس الاثنين كان العمال على موعد مع صدور الصيغة التنفيذية .وهى من قبيل تحصيل الحاصل وتفسير المفسر الواضح. كما استمعت من العمال الى ما يفيد بتوافر رؤية واضحه لديهم لخطط اعادة تشغيل المصانع وتكلفتها. فضلا عن حجم العمالة المتبقية الصالحة للعمل و كيفية استثمارها لتدريب أجيال جديدة، وبما يسمح بعودة هذه المصانع العملاقة للانتاج بكفاءة. بقاء الشركات العامة معطلة كل هذه السنوات، وكأنها كالنساء المعلقات لا متزوجات ولا مطلقات واستمرار عمالها المهرة فى رحلة التيه والتشرد والأعمال الهامشية باليومية وكلاهما الشركات والعمال ثروة قومية لهذا البلد لا يعود فقط الى غياب الارداة فى اعادة التشغيل بسبب انحياز الحكومات لنموذج ساقط فى الليبرالية الجديدة مفروض على البلاد من الخارج. ولا الى حجم مقاومة لوبى رجال الأعمال وداخل بيروقراطية الدولة لتنفيذ احكام عودة الشركات العامة. بل ويكشف أيضا عن بؤس حال الحياة السياسية. فقد غاب عن حزب او مجموعة احزاب شن حملة فعالة للبناء على الأحكام القضائية والعمل على تطبيقها. ناهيك عن ضعف الحركة النقابية العمالية. ولا أدل على حالة البؤس والضعف هذه من مرور مرسوم قانون عام 2014 بتحصين عقود الدولة مع المستثمرين من طعن المواطنين عليها أمام المحاكم. وبما يحول دون استرداد المزيد من الشركات العامة من براثن الفساد. ولا يمكن ان ننسى تقرير الجهاز المركزى الذى زاد على فساد عمليات البيع القول بان 20 مليار جنيه من إجمالى بيع شركات القطاع العام منذ منتصف التسعينيات وحتى عام 2009 المقدرة ب 50 مليارا ضائعة ولا تتوافر أى مستندات عن أين ذهبت. وبلاشك فإن هذا الرقم لايقل كثيرا عما جمعه المصريون العام الماضى لمشروع قناة السويس الجديدة بحكم انخفاض قيمة الجنيه المصرى. فالدولار الواحد كان يساوى حوالى 330 قرشا عند بيع المراجل عام 1994 ونحو 550 قرشا مع بيع طنطا للكتان عام 2005 . ولذا أرجو ألا ننسى فى غمرة الاحتفالات بتطوير القناة إن لدينا ثروة قومية معطلة مهملة هى مصانع القطاع العام التى لم تعد بعد.. وايضا عمالها المهرة. لمزيد من مقالات كارم يحيى