يعتصر الألم قلبى حينما أشاهد الدماء الزكية لأبناء مصر - خير جنود الأرض - تسيل على أرض سيناء الغالية وهم يدافعون عن كرامة الوطن، وتثور مشاعرى وأنا أستمع لأم الشهيد البطل محمد أيمن شويقة «مارد سيناء» وهى تطالب بأداء نجلها الثانى الخدمة العسكرية فى سيناء بعد أن أعفاه منها وزير الدفاع لاستشهاد شقيقه. وكعادتي، فقد هرعت الى قلمى لكى أحول مشاعر الثأر التى تنتابنى الى رُؤى توفر الظهير القانونى لقواتنا المسلحة فيما تقوم به من عمليات قتالية لدحر الجماعات الارهابية التكفيرية فى سيناء، ووضع الخطوط القانونية العريضة للاستراتيجيات الميدانية اللازمة لمواجهة تلك الجماعات ..... فهذا هو جل ما أملك،فى ظل ما تتعرض له المنطقة العربية من أخطار خارجية تهدف الى زعزعة استقرارها وزرع جماعات ارهابية متشددة بغرض تفتيت الأوطان، تلجأ الى اتباع استراتيجيات الحرب الهجين عن طريق ارتكاب أبشع وأخس الأعمال الارهابية باستخدام الخطط والتقنيات العسكرية، دون مراعاة لقواعد وقوانين الحروب أو حرمة دماء المدنين، وهى أخطر صور الأعمال الارهابية. لذلك وبعد أن فرغت من الدراسة التى نشرها اخيرا مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحت عنوان «مواجهة الارهاب فى سيناء: استراتيجية الضربات الاستباقية»،والتى دللت فيها على أنه من غير المنطقى من الناحية العملية انتظار وقوع الهجمات الارهابية ثم العمل على محاولة وقفها أو ردعها، لما قد يسببه الانتظار من وقوع خسائر بشرية فادحة، فى وقت تستخدم فيه الجماعات الارهابية أكثر الأساليب المسلحة تطوراً وفتكاً، رأيت أن انتقل الى مرحلة أخرى تعمل على استحضار الحديث من القواعد الدولية التى تسهم فى دعم قواتنا المسلحةالعريقة الباسلة وحراس أمننا الوطنى فى مواجهة الارهاب الأسود بسيناء ، وأعنى هنا «استراتيجية القتل المستهدف للارهابيين»، فالتطور الحادث فى قواعد القانون الدولي، لم يقف عند حد استخدام الضربات الاستباقية لدرء خطر الهجمات الارهابية بل امتد أيضاً ليشمل استخدام «القوة القاتلة» lethal force ضد الجماعات الارهابية، عن طريق «القتل المستهدف» targeted killing، الذى يندرج تحت اطار العمليات العسكرية التكتيكية military tactic،وهى وسيلة استخدمتها عدة دول فى عملياتها ضد الجماعات الارهابية. وتأسيساً على ذلك، تلجأ الولاياتالمتحدةالأمريكية الى استخدام وسائل غير تقليدية - مثل الطيارات بدون طيار - لمواجهة هذا النوع من الارهاب، رغم أن خبراء القانون الدولى يوجهون نقداً لاذعاً لها لما تخلفه من ضحايا مدنيين. وعلى العكس، فان سياسة قواتنا المسلحة فى استهداف الجماعات الارهابية فى سيناء تقوم على اتباع أسلوب المواجهة المباشرة من خلال ما يشبه العمليات الجراحيةالدقيقة لاستئصال شأفة الارهابيين، مع تجنب سقوط الضحايا المدنيين، تطبيقاً للمبادئ العسكرية والقيم الانسانية الراسخةالتى تشكل عقيدة قواتنا المسلحة. ومن أهم الأسس القانونية لوسيلة القتل المستهدف أنه طالما كانت هناك عمليات قتالية دائرة، يكون للأطراف المتقاتلة استهداف أفراد الطرف الآخر بالقتل طالما كانوا مشاركين بصفة مباشرة فى الأعمال العدائية، وينطبق ذلك وفقاً لدراسة أصدرتها المنظمة الدولية للصليب الأحمر على المقاتلين فى الكيانات التى لا تحمل صفة الدولة مثل الجماعات المسلحة غير النظامية، والتى يمكن أن تنطبق أيضاً على الجماعات الارهابية المسلحة.ومن مزايا «استراتيجية القتل المستهدف للارهابيين» أنها تدعم العمليات القتالية الاستباقية التى تقوم بها قواتنا المسلحة بسيناء، وتعمل فى ذات الوقت على تجنب سقوط الضحايا العرضيين من المدنيين.وهناك شروط صارمة لممارسة وسيلة القتل المستهدف تنصب أساساً على مراعاة حدود وضوابط الحق فى الحياة، فلا يجب بأى حال من الأحوال الاستهانة بالحياة البشرية فى خضم مكافحة الارهاب، وأن أى استخدام للقوة القاتلة خارج نطاق الصراعات المسلحة يجب أن ينظر اليه على أنه استثناء لا يجوز اللجوء اليه الا فى حالة الضرورة القصوى لحماية حقوق الأفراد من عنف محدق. ومن أهم شروط القتل المستهدف: (1) أن يكون هناك خطر ارهابى حقيقى موجه لاقليم الدولة أو مواطنيها، (2) أن يكون هناك أدلة كافية على ضلوع الشخص المستهدف بالفعل فى هجمات ارهابية أو تخطيطه لمثل تلك الهجمات، (3) ألا يكون هناك سبيل للجوء الى الاجراءات القانونية العادية من أجل ضبط الشخص الارهابى المستهدف، (4) أن يكون القتل المستهدف هو السبيل الأخير المتاح لمنع وقوع المزيد من الهجمات الارهابية. ومتى توافرت الشروط المتقدمة، أصبح الأشخاص المستهدفون بالقتل «أهدافاً مشروعة». ومما لا شك فيه أن ادراج الأشخاص الضالعين فى الأعمال الارهابية بقوائم الأفراد والكيانات الارهابية يسهم فى تعزيز مشروعية استهدافهم بأسلوب «القتل المستهدف».ومن ثم، اذا توافرت الشروط المتقدمة للاضطلاع بالقتل المستهدف فلا يجب اعتباره قتلاً خارج نطاق القانون، لأن القتل خارج القانون، وفقاً للمفهوم الراسخ فى قواعد القانون الدولي، يتم فى اطار المواجهات المسلحة عندما يكون الشخص المعنى قد ألقى سلاحه وأصبح ليس لديه قدرة على القتال، ثم استسلم أو تم القبض عليه، ثم تم اعدامه بدون محاكمة.والقتل المستهدف يختلف من حيث المفهوم والوسيلة عن القتل خارج القانون لأن القتل خارج القانون هو فى جميع الأحوال أمر محظور. أما خارج نطاق العمليات العسكرية، فإن هناك حالات محددة يمكن من خلالها استهداف أفراد الجماعات الارهابية بالقتل المباشر، ومن تلك الحالات مقاومة أفراد الجماعات الارهابية لممثلى سلطات انفاذ القانون بالسلاح، أو تهديدهم بالقتل، حال أداء واجباتهم، ومن ثم يكون لدى أفراد السلطة العامة الحق فى الرد عليهم بالقوة طبقاً لأحكام الدفاع عن النفس، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضرورياً وبالقدر الكافى لدفع الخطر، على النحو الذى أفصحت عنه المادة الثامنة من قانون مكافحة الارهاب الجديد. أما ما يتم من استهداف فى غير هذه الحالات فيُعد من قبيل القتل خارج القانون، لأن فتح الباب فى هذه المسألة على علاته يمكن أن يؤدى الى نتائج خطيرة تعصف بمبادئ الشرعية، وتخلق حالة مظلومية شديدة. وكما أشرت سلفاً، فان المعلومات القانونية التى أطرحها بشأن استراتيجية القتل المستهدف هى أقل ما يمكن تقديمه ثأراً لشهيد الوطن محمد أيمن شويقه، بما يعمل على منع سقوط المزيد من شهدائنا الأبرار، ويواجه فى ذات الوقت الأساليب الخسيسة التى يتبعها الارهابيون فى استهداف جنود مصر البواسل، وما يروجه أعداء الوطن من افتراءات. نهنئ مصر بجنودها الأبطال الذين يبذلون أرواحهم للدفاع عنا، ويقدمون أرفع معانى التضحية والفداء فى حب الوطن. لمزيد من مقالات المستشار.عادل ماجد