لم يعرف الكاتب السويسرى "يوناس لوشر" أن إقامته فى القاهرة لمدة شهر بدعوة من المؤسسة الثقافية السويسرية (بروهيلفيسيا) ستتوج بفوزه بجائزة "هانس فلادا" الأدبية لعام 2016 فى اليوم نفسه لصدور الترجمة العربية لروايته الأولى "ربيع البربر" الصادرة باللغة الألمانية، وهى جائزة يتم منحها كل عامين لكاتب موهوب مهموم بقضايا سياسية ومجتمعية، تمامًا كالرجل المسماة الجائزة باسمه، وهو كاتب ألمانى عاش فى القرن الماضي، واهتم فى أعماله بتناول المشكلات السياسية والاجتماعية، وفى عام 1981 تم إطلاق جائزة تحمل اسمه ليتم منحها لكتاب يسيرون على النهج نفسه، وذلك فى الذكرى الخمسين لنشر أولى رواياته، ومن بين الحاصلين عليها: "جونتر جراس" عن عام 1996. وفى لقاء مع "لوشر" فى مكتبة القاهرة الكبرى بحضور الناشر "شريف بكر" والكاتبة "مى خالد"، أعرب "لوشر" الذى يقيم حاليًا فى ميونخ الألمانية، ويكتب بالألمانية، عن سعادته ليس فقط بحصوله على الجائزة عن روايته التى صدرت فى اليوم نفسه باللغة العربية فى ترجمة للدكتورة علا عادل، ولكن باختياره ضمن 6 كتاب سويسريين للإقامة لمدة شهر فى القاهرة للكتابة عنها فى إطار مشروع للكتابة عن المدن ترعاه بروهيلفيسيا، وهو ما ساعده على التفكير فى الخروج من سجن من الرفاهية والديمقراطية فى سويسرا، ومغامرة البقاء على قيد الحياة فى مدينة مثل القاهرة التى لا تشبه غيرها على الإطلاق، ولكن وعلى الرغم من كل الاختلافات والازدحام والفوضى، إلا أنه –وللعجب- تظل أحلام الإنسان ومخاوفه متشابهة فى كل مكان، وإن كان العيش فى بلد كسويسرا يضع الناس بها أمام أنفسهم للتفكر فى معنى وجدوى الحياة، وهى تساؤلات مرعبة قد لا يعانى منها المقيم فى القاهرة. وأشار "لوشر" فى كلمة مرتجلة أنه على الرغم من دوران أحداث "ربيع البربر" فى جنوبتونس، مضيفًا: روايتى ليست كتابًا عن العالم العربي، كما أنه ليس كتابًا عن شمال إفريقيا وليس عن تونس، بل هو عمل يتناول نظرة السائح الأوروبى الثرى الذى لم يعايش هذا البلد الغريب عنه سوى عبر ألواح الزجاج الداكن بأتوبيس الرحلات مكيف الهواء، أو من وراء الأسوار العالية لأحد المنتجعات السياحية الفاخرة؛ حيث لا ينبغى أن يظهر ما هو عربى إلا بوصفه شيئًا غريب الأطوار أوعلى سبيل قِطَع الديكور للزينة، بينما يبقى الاتصال بالمواطنين التونسيين محدودًا، يقتصر على لقاءات عابرة وغير منتظمة. كما أن الربيع العربى الذى يشير إليه أيضًا العنوان المراوغ فاجأنى, بينما كنت قد كتبت لتوى الفصل الثانى من الرواية فى نهاية عام 2010، وبوصفى راوى حكايات يعتبر نفسه كاتبًا سياسيًّا، لم أكن لأترك هذه الأحداث الهامة والواقعية تمر مرور الكرام، ومع ذلك فإن الربيع فى روايتى ربيع خيالي؛ إذ يبدو لى أن هذه الثورة ظلت عالقة فى منتصف الطريق". ويطرح "لوشر" فى روايته أفكاره التى تأثرت إلى درجة كبيرة بانتقاله فى سن العشرين للدراسة الجامعية ثم الدراسات العليا فى مدرسة ميونيخ للفلسفة التى تخرج فيها عام 2005، كما درس علم الأخلاق فى مدرسة الاقتصاد بالمدينة نفسها. عمل لوشر– المولود فى برن السويسرية فى 1976- فى بداية حياته العملية كمدرس فى مرحلة التعليم الأساسى فى مدينة برن، ثم انتقل للعمل فى مجال صناعة الأفلام فى ألمانيا، كما عمل كمحرر أدبى حر، وباحث فى معهد العلوم والتكنولوجيا فى ميونيخ، وكذلك كمحاضر فى الأدب المقارن كأستاذ زائر فى جامعة ستانفورد بالولايات المتحدةالأمريكية خلال عامى 2012، و2013. وكانت ربيع البربر، قد تصدرت قائمة المبيعات فى ألمانيا بنحو 30 ألف نسخة لدى صدورها، كما حصدت عدة جوائز، وهي: جائزة "بيرنر" للأدب عام 2013، وجائزة "الكتاب الألماني" فى القائمة الطويلة، كما تمت ترجمتها إلى نحو أربع عشرة لغة، وتتضمن الرواية نقدا لاذعا لنمط الحياة الأوروبي، والنظام الرأسمالي، كما أنها تطرح العديد من الأفكار حول ماهية التمدن والتحضر، كما تسلط الرواية الضوء على التناقضات الإنسانية بين الأثرياء، والبسطاء، لتتساءل: من هم الهمج الحقيقيون؟.