تمثل القمة العربية الجنوب أمريكية، التي بدأت أعمالها أمس بالعاصمة السعودية الرياض، فرصة جيدة لتنشيط وتفعيل علاقات التعاون بين مصر ودول أمريكا الجنوبية في جميع المجالات، وتبادل وجهات النظر مع ملوك ورؤساء الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، حول وسائل وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر ودولهم، بالإضافة إلي تبادل الرؤي حيال القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وتعد قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية «أسبا»- التي ترأسها السعودية من الجانب العربي بصفتها الدولة المضيفة، وبيرو من جانب أمريكا الجنوبية- ملتقي للتنسيق السياسي بين دول المنطقتين (المنطقة العربية وأمريكا اللاتينية)، وآلية للتعاون في مجالات الاقتصاد والثقافة والتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وحماية البيئة والسياحة وغيرها من المجالات ذات الصلة لتحقيق التنمية الدائمة في تلك الدول والمساهمة في تحقيق السلام العالمي، ويستند هذا الترابط الدولي علي جذور مشتركة ومتشابهة ما زالت تحافظ علي شفافيتها حتي الآن في النظرة المشتركة إلي مستقبل البشرية، رغم التغيرات العنيفة التي يشهدها العالم. وترجع فكرة انعقاد القمة إلي اقتراح طرحه الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، خلال المؤتمر الأول لقمة رؤساء الدول والحكومات أسبا الذي عقد في مدينة برازيليا في البرازيل في مايو عام 2005، فيما عقدت القمة الثانية في العاصمة القطرية الدوحة في مارس 2009، وعقدت القمة الثالثة في 2 أكتوبر 2012 في ليما عاصمة بيرو. ويجمع منتدي «أسبا» بين كافة دول منظمة جامعة الدول العربية (22 دولة) ومجمل دول أمريكا الجنوبية أو منظمة أوناسور (والتي تضم 12 دولة). وتصنف القمة علي أنها إحدي صور تعاون الجنوب الجنوب، الذي يشهد تعاظما ملحوظا في الآونة الأخيرة حتمته الظروف والمتغيرات الدولية، وذلك باعتباره طريقة لتغيير النظام الدولي، الذي تهيمن عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية، وإحدي آليات التنسيق في القضايا السياسة في المحافل الدولية، إلي جانب أنه وسيلة للتعاون الاقتصادي خارج دوائر مؤسستي صندوق النقد والبنك الدوليين ذات السياسية المجحفة للدول النامية، وآلية من آليات إبرام المعاهدات والاتفاقات التجارية وفتح أسواق جديدة بين دول الجنوب. وتكتسب القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية «أسبا»، في الرياض أهمية سياسية واقتصادية خاصة في ظل المشاركة الواسعة من قادة كافة الدول العربية «22 دولة» ومعظم دول أمريكا الجنوبية أو منظمة «أوناسور»، التي تضم 12 دولة، هي: الأرجنتين، البرازيل، شيلي، فنزويلا، أورجواي، باراجوي، بيرو، كولومبيا، الإكوادور، بوليفيا، سورينام، وجويانا. وتزداد أهمية هذه القمة في ظل النزاعات التي تعاني منها عدة دول عربية، وارتفاع وتيرة المتطلبات الاقتصادية التي تحتاجها دول أمريكا الجنوبية، بما يتطلب تعاونا وثيقا مع دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن الموضوعات ذات الصلة بتعزيز التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، والقضايا السياسية التي تهم الجانبين، هي المدرجة علي جدول أعمال القمة والمسيطر الرئيسي علي المشهد النقاشي فيها، إلا أنه بدا واضحا أن المصالح الاقتصادية ستكون هي الغالبة علي توجهات دول أمريكا الجنوبية، حيث تجد في هذه القمة فرصة جيدة لفتح أسواق جديدة في الدول العربية كبديل عن الأسواق الأوروبية التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة. ونتيجة لسخونة الأحداث السياسية في المنطقة العربية، فإنه من المتوقع أن تأتي القضايا السياسية علي رأس أولويات الأجندة العربية، والتي تتمثل في القضايا الإقليمية مثل القضية الفلسطينية ورفع الحصار المفروض علي قطاع غزة، وإنشاء قوة عسكرية عربية، والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن. ولا يعني هذا أن الجانب العربي سيغفل الجوانب الاقتصادية والتجارية حيث عقد تحت مظلة القمة منتدي اقتصادي شارك فيه رجال الأعمال ووزراء الاقتصاد في الجانبين، للتباحث حول آفاق الاستثمار وزيادة التبادل التجاري، ورفع معدلات السياحة وإنشاء شركة مشتركة للنقل البحري بين الدول العربية واللاتينية، وذلك بناء علي اقتراح مصري تبناه مجلس وزراء الاقتصاد العرب في دورته الماضية. وستصدر القمة في ختام أعمالها «إعلان الرياض»، بالإضافة إلي بيان ختامي، يتضمن النتائج والقرارات التي ستسفر عنها مناقشات القادة، حيث تؤكد المؤشرات التي عكسها اجتماعات كبار المسئولين في الجانبين، واجتماعات وزراء الخارجية العرب مع نظرائهم في أمريكا الجنوبية، والتي سبقت انطلاق القمة، أنها ستخرج بنتائج تصب في صالح الطرفين، لا سيما في ظل التطلع الذي تبديه دول أمريكا الجنوبية لأسواق الشرق الأوسط والمنطقة العربية كبديل للأسواق الأوروبية التي تعاني الكساد والجمود، وذلك علي ضوء زيادة متوسط النمو السنوي للصادرات العربية لدول أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة 17%، ونمو الواردات إلي 20%، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية نهاية العام الماضي 30 مليار دولار، بعد أن كان حوالي 6 مليارات دولار عام 2005، عند انطلاق أول قمة عربية مع دول أمريكا الجنوبية في البرازيل.